| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأربعاء 3 / 2 / 2010 زكي رضا كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
متى اجتث الشيوعيون حزبا يا حسن العلوي ؟
زكي رضا
(موقع الناس)
الكذب والتضليل والديماوغوجية ، وتزوير التاريخ ولي عنق الحقيقة ، هي مفردات لم يستطع البعثيون ولازالوا الابتعاد عنها ، لانها وبكل بساطة تعتبر جزءا من تاريخهم الدموي ، وثقافتهم الهمجية وسلوكهم العدواني تجاه وطنهم وشعبهم . حتى وان حاولوا في فترات معينة ان يظهروا خلاف ذلك ، فانها بنظرهم هي استراحة المقاتل ، ليعودوا من جديد الى تلك الممارسات الخيانية المشينة والمخجلة .واستنادا الى هذه الثقافة البائسة ، فان العتاة من المجرمين البعثيين وبعد ان أمنوا العقاب عادوا ليسيئوا الادب ، محاولين تحريف الحقائق وتزييف التاريخ الذي لازال طريا ، في ذاكرة عشرات الالاف من الذين عاصروا الاحداث . ليكونوا شهودا حقيقيين اذا ما دعت الحاجة ، لاظهار زيف ما يدّعيه هؤلاء الذين يحاولون المزايدة على القوى الوطنية العراقية بحجة الاحتلال . متناسين انه لولا وجود القوات المحتلة ، لما كان هناك بعثيا واحدا يتجرأ ان يلوح بورقة انتخابية ،امام الكاميرات وعدسات المصورين قائلا من ان هذه الورقة هي للبعث . ولما استطاع بعثيا واحدا ان يتجرأ ، ليشكك بالعملية السياسية (على علاتها وللاسف الشديد) ويفتخر من انه ، كان جزءا من النظام الدموي السابق ، متهما الاحزاب التي ناهضت جلادي بغداد من انهم خانوا الوطن . ولولا قوات الاحتلال لكان قبر جلاد العصر الذي حوله البعثيون الى مزار ، والمنطقة المحيطة به تحولت الى اطلال . ولولا قوات الاحتلال لما استطاع حسن العلوي ، الدفاع عن الذين تم اقصائهم من المشاركة بالانتخابات . محذرا بشكل مبطن وعلى شكل استرسال تاريخي مليء بالاخطاء ، من ان عملية اجتثاث المسؤولين عن الاجتثاث هي مسألة وقت ليس الا .
ففي اللقاء الذي ضمه ممثلا للقائمة العراقية والسيد عزت الشابندر ، الناطق السابق باسم القائمة العراقية ، ممثلا عن قائمة المالكي على قناة العربية . والذي ادارته السيدة سهير القيسي ، رد السيد العلوي على سؤال حول المستبعدين من الانتخابات قائلاً من ان نوري السعيد اراد اجتثاث الشيوعيين وكانت النتيجة ان اجتثه الشيوعيون في العام 1958 . وان الشيوعيين ارادوا اجتثاث البعثيين وكانت النتيجة ان اجتث البعثيون الشيوعيين في العام 1963. وان البعثيين ارادوا اجتثاث حزب الدعوة الاسلامية وكانت النتيجة ان اجتث البعثيون انفسهم ...
ولما كان تاريخ الاحداث لازال طريا مثلما قلت ، فانني اريد هنا ان اوضح بعض الحقائق للسيد العلوي ( على الرغم من انه يعرفها جيدا لانه كان عضوا في حزب غيّر مسار التاريخ في العراق نحو الدمار طبعا ) عن تلك الفترة من تاريخ العراق ، ودور الشيوعيين في مجمل الحياة السياسية التي مرت على العراق . وقبل ان ادخل في صميم الموضوع ، اود ان ادعو السيد حسن العلوي لزيارة اية مدينة عراقية دون تحديد ، ليرى بأم عينيه مقرات الحزب الشيوعي العراقي ، كي يتأكد من ان حزبه وعلى الرغم من كل القسوة المستخدمة ضد الشيوعيين . لم يستطع اجتثاث حزبهم الذي دخل وجدان العراقيين ، ولازال وسيستمر في نضاله من اجل حرية الوطن وسعادة شعبه .
واذا اردنا ان نجد قاسما مشتركا في ما قاله السيد حسن العلوي حول الاجتثاث . فأننا نرى ان نوري السعيد والبعثيين وحزب الدعوة ، الذين اجتثوا خصومهم حسب السيد العلوي . هم احزاب سلطة تمتلك الحكم والسطوة ، والاعلام والمال ووسائل القمع . فمتى كان الحزب الشيوعي على رأس السلطة ، ليحاول اجتثاث البعث مثلما يدّعي العلوي .
كانت جبهة الاتحاد الوطني التي شكلت في العام 1957 ، سندا جماهيريا كبيرا للضباط الاحرار . الذين نفذوا صبيحة الرابع عشر من تموز ، ثورة غيّرت الكثير من السياسات التي كانت تحكم منطقة الشرق الاوسط . وكان للحزب الشيوعي العراقي ثقلا نوعيا في هذه الجبهة ، وساهم مساهمة فعالة في انهيار النظام الملكي . الا انه وما ان نجحت الثورة وفي اول تشكيل وزاري لها ، تم استبعاد الحزب الشيوعي عنها . وبدلا من ان يتخذ حلفاء الامس موقفا موحدا تجاه هذه القضية ، فأنهم تجاوزوها بعد ان ذاقوا حلاوة السلطة وبذلك عملوا على انهاء جبهة الاتحاد الوطني .
وقام عبد الكريم قاسم بالضغط على الشيوعيين في مختلف مدن العراق ، اذ حاربت السلطات تنظيمات الحزب المهنية ، كأتحاد الشبيبة واتحاد الطلبة ورابطة المرأة ، ونقابات العمال والجمعيات الفلاحية والنقابات المهنية . بل عمل عبد الكريم قاسم على تكوين حزب شيوعي رديف ، لم يكتب له النجاح بزعامة الصائغ . ونتيجة لهذا الهجوم من السلطة على الشيوعيين ، ولموقف الشيوعيين من مسألة الوحدة العربية والحريات بشكل عام ومنها حرية المرأة. فان البعث والقوى الاقطاعية والرجعية ، استثمرت الفرصة لتبدأ بعمليات اغتيال ضد الشيوعيين العراقيين ، مستغلين تواطؤ وسكوت السلطات عنهم . ولم يستخدم هؤلاء العنف وحده في محاربة الشيوعيين ، بل استخدموا الفتاوى الدينية ايضا . فقد ( أصدر الشيخ مرتضى الياسين يوم 3 نيسان 1960، فتوى نشرت في جريدة الفيحاء الناطقة بلسان الحزب الاسلامي ، وأعلن الشيخ فيها ان " الانتماء الى الحزب الشيوعي او تقديم الدعم له من اكبر الاثام التي يستنكرها المسلمين " وفي الشهر نفسه ، وفي النجف ايضا ، اعلن ميرزا مهدي الشيرازي ان صلاة المسلمين الذين يعتنقون الشيوعية وصومهم " غير مقبولين " بسبب غياب الايمان . وفي وقت لاحق في حزيران " يونيو " عاد الشيرازي فأكد انه لا يسمح للمسلمين بشراء اللحم من لحام " جزار او قصاب " يؤمن بمباديء الشيوعية ، ولا يجوز لشاب يحمل هذه القناعات ان يرث اباه " (1) . ونتيجة للضربات التي تلقاها الحزب الشيوعي من سلطة 14 تموز ، فان عناصر البعث واليمين المتطرف . قامت ب ( انشاء اقليم للارهاب اتخذ سمة العنان المطلق في مدينة الموصل " التي تغنى الطائفي الجعفري فيها بحفصة العمري "، بينما اكد وجوده ايضا في كركوك ومحافظة الرمادي ، ومنطقة الاعظمية وحي التكارتة واحياء اخرى في ضفة الكرخ في بغداد . واتخذ الارهاب لنفسه اشكالا متنوعة ، مثل رشق مكاتب اتحاد الشعب بالحجارة والاساءة الجسدية الى محرريها ، والانقضاض المسلح على مسيرات الشيوعيين او على مراكز منظماتهم الامامية ، واكثر تكرارا : استخدام العنف ، او حتى قتل اشخاص حزبيين او مؤيدين للحزب . (2) وقال كامل الجادرجي زعيم الوطنيين الديموقراطيين في لقاء له مع حنا بطاطو " ان قتل الشيوعيين اصبح نوعا من الاحتراف في الموصل . وان تجارا معروفين في المدينة كانوا يعرضون دفع ما يصل الى عشرة دنانير مقابل كل شيوعي يقتل " (3) والجادرجي نفسه قال في العام 1961 من ان " الشيوعيين ارتكبوا اخطاء ولكنهم ليسوا مجرمين " (4) ومن هذه الاخطاء هو ان الشيوعيين لم يديروا ظهورهم لقاسم ، ورفضوا خلال اجتماع عقد بين عبد الستار الدوري ، عضو قيادة فرع بغداد للبعث . في العام 1962 وزعيم شيوعي متوسط المرتبة ، بحثت خلاله امكانات العمل المشترك ، الابتعاد عن قاسم ، ما ادى الى فشل اللقاء . والان هل يستطيع السيد العلوي ان يرشدنا الى كيفية محاولة الحزب الشيوعي اجتثاث البعث ؟
واستمرت عمليات المضايقات من قبل الاطراف المختلفة ضد الشيوعيين ، وحملات الاغتيالات بحق ناشطيهم . الى ان قام البعثيون بانقلابهم الدموي في 8 شباط الاسود ، ليرتكبوا يومها مجازر يندى له جبين الانسانية . و ليضعوا العراق من يومها ، في نفق مرعب لازال شعبنا يدفع ثمنه . وعلى السيد العلوي ان لا يرمي التهم جزافا ، فليس في تاريخ الشيوعيين العراقيين وحزبهم ما يخجلون منه . كما وليس في تاريخ البعثيين وحزبهم ما يفتخرون به ، لان البعث ليس سوى عصابة تحترف القتل والخيانة والاجرام . ويستطيع العلوي الرجوع الى مؤلفات كتاب وباحثين محايدين ، وكم هائل من الوثائق والافلام ليرى بأم عينيه ، مجازر حزبه بحق العراقيين . عسى ان يكف في الدفاع عن مجرمين عتاة ، كالمطلك والعاني وغيرهم من القتلة .
لو كنت شيوعيا لانضممت الى الحزب الشيوعي لاني لا ارى في الشيوعية امرا مخزيا (كامل الجادرجي)
(1) حنا بطاطو الكتاب الثالث العراق ص 265 .
(2) نفس المصدر ص 264 .
(3) نفس المصدر ص 264 .
(4) نفس المصدر ص 269 .
الدنمارك
3 / 2 / 2010