|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  23  / 10   / 2009                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

القائمة المغلقة والكيس بدينار

زكي رضا
(موقع الناس) 

ان تجربة البرلمان العراقي الحالي ، وهو يقترب من انتهاء دورته التي استمرت اربع سنوات . كشفت ليس للمواطن العادي فحسب ، بل وللمنصفين ( وهم قلة ) من اعضاءه ايضا . مدى عجزه اي البرلمان ، في تذليل الصعاب التي مر بها العراقيون وبلدهم ، الذي كان يوما ما على حافة الحرب الاهلية . فاعضاء البرلمان لم يستطيعوا وللان ، من سن التشريعات القانونية لمعالجة العشرات من المشاكل ، التي عصفت بالعراق دولة وشعبا .
على عكس برلمانات دول حديثة العهد بالديموقراطية مثلنا ، كالبرلمان المغربي مثل  الذي ناقش اعضاءه قبل فترة ، مشروع قانون للحد من التحرش الجنسي . وعندما يناقش اي برلمان في العالم مثل هذه القضية ويسن لها القوانين التي تحد منها ، فهذا دليل على عافية هذا البرلمان . فهل البرلمان العراقي متعافي ام مريض ؟ وماذا انجز ؟ وما هو الحل ؟

لو وضعنا البرلمان العراقي على طاولة التشريح اليوم ، لوجدنا اننا بحاجة الى طاقم كبير من القانونيين والسياسيين ( النزيهين ) ، واساتذة وخبراء في علم النفس ، ورجال شرطة وقضاة  ليكشفوا مجتمعين عن هذا الخراب في اهم مؤسسة تشريعية في البلد . فالقانونيون والسياسيون النزيهون منهم كما اسلفنا ، ستقع عليهم مهمة متابعة الاعضاء النشامى ( نايمين شلون نومه ) ، وهل ادوا ما عليهم من مهام خلال السنوات الاربع العجاف من عمر برلمانهم (ابيتنه ونلعب بيه شله غرض بينا الناس كما عبر عنها فنان الكاريكاتير المبدع سلمان عبد) ام لا ؟ وهل عالجوا مسألة الخدمات المتردية التي يعاني منها ابناء شعبنا ؟ وهل توصلوا الى حلولا للبطالة في صفوف الشباب والخريجين الجامعيين ؟ وماذا عن الاتفاقيات التي تهم سيادة العراق ، كاتفاقيات الدول المتشاطئة لحل مشاكل المياه مع كل من تركيا وسوريا وايران ؟ ولماذا لم يستطيعوا تمرير قانون النفط والغاز الفائق الاهمية ، والذي على ضوئه سيتحدد مستقبل هذه الثروة الايلة للنضوب . والتي تشكل المورد الرئيسي للبلد ، بعد تراجع الزراعة والصناعة . نتيجة العديد من العوامل ومنها ، فتح اسواق العراق امام الاستيراد العشوائي ودون ضوابط . ليكون المزارعين والحرفيين العراقيين ، من اكبر المتضررين نتيجة غياب القوانين التي تنصفهم ، وتجعلهم قادرين على منافسة السلع القادمة من الخارج . اما مسألة كركوك وتعديل الدستور ، وقانوني الانتخابات والاحزاب والقوانين التي تهم مصالح الناس اليومية . فانها بقت دون حل لانتهاء عصر المعجزات ، وبالتالي فانتظار الحصول على عصا موسى السحرية ، والذي يحلم بامتلاكه النواب وخصوصا الاسلاميين منهم لحل مشاكل البلد ، يعتبر ضربا من الخيال . لذا فان السياسيين والقانونيين سيتوصلون بعد دراسة اداء البرلمان الحالي من ان اعضاءه فشلوا فشلا ذريعا في انجاز ما اوكل لهم من مهام ، ويجب تسريحهم من العمل لانعدام الكفاءة والوطنية وعدم حرصهم على مستقبل الوطن .

اما خبراء واساتذة علم النفس فانهم سيتوصلون بيسر وسهولة ، الى ان نسبة كبيرة جدا من اعضاء البرلمان مرضى نفسيون . ويعانون من اضطرابات نفسية ، ما يجعلهم غير قادرين على انجاز المهام المناطة بهم . ومنهم مزدوجي الجنسية من الذين حصلوا على التقاعد في بلدان اللجوء لاسباب نفسية . وهؤلاء الاساتذة وعلماء النفس سيوصون بدورهم باحالة هؤلاء الاعضاء ، الى مستشفى الامراض النفسية لعلاجهم . اذ من غير المعقول ان يقود الذين يعانون من اضطرابات نفسية ، والمصابين بالكآبة وانفصام الشخصية بلد كالعراق .

اما المهمة الاكبر فهي تلك التي تقع على عاتق رجال الشرطة والقضاة ، فهؤلاء عليهم متابعة سجلات الاعضاء، ومن منهم كان من الحواسم ونهب اموال البلد ؟ ومن منهم المرتشون ، و من منهم ارهابي او يتعاون مع الارهابيين ؟ ومن زور وثائقه الدراسية ؟ ومن منهم كان بعثيا حتى بعد سقوط النظام ، وكان صوته عاليا في الدول العربية ضد العملية السياسية في البلد ؟ واي من الكتل تعتمد على اموال دول الجوار وهباتها ، من اجل فرض اجنده معينة ، هي على الضد من مصالح العراق وشعب العراق ؟ واي من الكتل تستفيد من المال العام في الترويج لحملاتها الانتخابية ؟ وغيرها الكثير . عندها يأتي دور القضاة ليعيدوا الى القضاء العراقي تأريخه الناصع والمشرف ليدلوا بدلوه ضد هكذا اعضاء ولينزل بهم اقسى العقوبات ليرتاح الشعب من شرورهم واثامهم .

والان هل من الممكن ان ينتظر شعبنا من هكذا برلمان وحكومة نتجت عنه الخير ؟ وماذا قدموا للعراقيين منذ الاحتلال ليومنا هذا. تعالوا نرى ما قاله السيد عمار الحكيم في لقاء له مع صحيفة ايلاف الالكترونية ، بعد ان ورث المجلس الاسلامي الاعلى عن ابيه . في رد لسؤال المراسل ان ماذا قدمتم للعراق والعراقيين ؟ حيث قال صحيح اننا لم نستطع ان نقدم شيئا للعراقيين لكننا استطعنا ان ننجز الدستور . مرحى للسيد عمار الحكيم ولدستوره الطائفي ، الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي في كل المشاكل التي نعاني منها . عن اي دستور يتحدث السيد عمار ، بعد ان اصبح دستوره حمال ذو وجوه . يفسر على اهواء الطوائف والقوميات بل العشائر وافخاذها . رويدك ايها السيد فان دستورك الذي انجزتموه ، لو احيل الى لجنة من فقهاء القانون ليضعوا خطا تحت كل فقرة غير سليمة فيه ، لوضعوا خطا احمرا تحت عنوانه . ان الذي اوصل العراق الى ما هو فيه الان ، هو هذا الدستور الذي كتب على عجالة ، وقانون الانتخابات الذي يعتمد على القائمة المغلقة وتقسيم العراق الى دوائر . حيث انتجت القائمة المغلقة (والتي يريد البعض تكرارها ثانية عن طريق عدم التوصل الى قانون جديد للانتخابات لكي يمرروا القانون السابق) برلمانا كسيحا ، تنهش جسده الطائفية والقومية والعشائرية . واعضاء مغمورون لم يكن ولايزال يعرف عنهم الشعب العراقي شيئا .

ان تعديل قانون الانتخابات ليكون فيه العراق دائرة واحدة ، واعتماد القوائم المفتوحة . واحتساب الاصوات التي لن تتجاوز العتبة الانتخابية ، بحيث تكون من نصيب القوائم والاحزاب التي لن تتجاوزها ، هو الحل الامثل لبناء نظام سياسي يعتمد على التعددية الحزبية ، وليس على التعددية الطائفية والقومية التي قادت البلد الى كوارث .ان القائمة المغلقة سوف تنتج برلمانا لايختلف بشيء عن البرلمان الحالي ، حيث ان المشاكل الموجودة لن تجد طريقا للحل ، وستعود التوترات بين اطراف العملية السياسية الى الواجهة مرة اخرى . ليدخل اثرها شعبنا في دوامة جديدة من المشاكل ، وليصاب بالاحباط بعد ان يفقد القليل من الثقة المتبقية بقدرة السياسيين على التغيير .

ان نظام القائمة المغلقة وما نتج وسينتج عنه ، يذكرني بسوق البالات في سبعينيات القرن الماضي . عندما كان المواطن العراقي يتردد على هذه الاسواق ، لشراء ما يحتاجه ، على الرغم من الفورة النفطية حينها . حيث كان الباعة وفي يوم الجمعة ، يحضرون اكياسا مقفلة لايستطيع المشتري رؤية ما في داخلها .وينادوا باعلى اصواتهم رافعين الكيس للاعلى ..عشرة بدينار .. عشرة بدينار . وما ان يفتح المشتري الكيس حتى يصاب بالذهول ، لان الكيس يحتوي على عشر قطع تسعا منها غير صالحة للبس وواحدة فقط يستطيع ارتدائها لايام او اسابيع على الاكثر. والقائمة المغلقة اذا ما اعتمدت في الانتخابات القادمة ، فعلينا ان ننادي باعلى اصواتنا .. عشرة بدولار .. عشرة بدولار ( بعد ان فقد الدينار بريقه ) .. و النداء هذه المرة ليس لشراء ملابس مستعملة بل لانتخاب نواب برلمانيون فاشلون .

الشعبية هي ان يحبك الناس عندما تغادر منصبك
 

الدنمارك
23 /10 /2009
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter