|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  23  / 4 / 2016                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

دراسة التمايز بين الاسلام كمعتقد والإسلام السياسي واحتكار السلطة *

زكي رضا
(موقع الناس) 

في الحقيقة أنا أرى أن عنوان المحور " دراسة التمايز بين الاسلام كمعتقد والإسلام السياسي واحتكار السلطة" ليس دقيقاً الى درجة كبيرة ، كون الأسلام السياسي هو ترجمة للأسلام كمعتقد ويستمد منه كل ما جاء به هذا الأسلام كدين من أفكار وثقافة وطريقة للتفكير ورؤية للمجتمع وكيفية إدارته، إضافة الى نظرته المستقبلية لشكل الصراع السياسي بين المجتمعات والدول الاسلامية وغير الاسلامية وطريقة حسمه لصالحه "الأسلام" عن طريق ما جاء به القرآن من آيات ليكون الدين كله لله، وهذا الهدف أي أن "يكون الدين كلّه لله" هو الذي يعمل الأسلام السياسي بشقيه "المعتدل" منه والراديكالي عليه بأعتباره أمرا مقدسّاً وهدفاً يجب الوصول اليه بمختلف السبل لتعلو كلمة الله على الارض عن طريق الدين الأسلامي وليس غيره كونه آخر رسالة "سماوية". كما وأن الاسلام بنظر ألأحزاب التي تمثله هو دين ودنيا ولا يجوز الفصل بينهما لاي سبب وترجمته "دين ودنيا" هو أن يكون الحكم "السلطة" والحاكم هو الاسلام، وهناك نصوص كثيرة تؤكد على هذا الأمر ومنها نص قرآني واضح وغير قابل للتأويل يقول " إن الحكم الا لله".

إنني أرى وعلى خلاف العديد من آراء المتابعين لتاريخ الأسلام السياسي ونشوءه وأنتشاره من أن الأسلام السياسي الذي نراه اليوم كأحزاب وتنظيمات بل وحتّى كخطاب سياسي لا يعود بتاريخه الى أوخر القرن التاسع عشر مثلما يقول به الكثيرون ، ولم يكن سبب "نشوءه" لأصلاح المعتقدات الاسلامية التي لا تتوافق مع عصرنا في مجالات الحريات الشخصية والنظرة الى المرأة والديموقراطية اضافة الى النظرة تجاه العلم والمعرفة اللتان غيرتا الكثير من المفاهيم والقيم تلك التي كانت ولازالت مقدّسة عند المؤمنين المسلمين "ومؤمني الأديان الاخرى"، ولا الى الحنين لنظام الخلافة التي أنهاها أتاتورك. بل يعود "نشوء الاسلام وإنتشاره" الى يوم أعلانه في مكّة وهدف محمد لبناء دولة على أسس آيديولوجية أسلامية ركيزتها الفكرية القرآن وأحاديثه التي سبغ عليها قدسية لا تقل عن قدسية القرآن " وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى". وليتحول ذلك الاعلان بعد سنوات إثر توفر القاعدة المادية والبشرية له بعد كتابة الوثيقة المسماة "وثيقة المدينة" الى قرار سياسي كبير غيّر وجه التاريخ في مناطق شاسعة من العالم ولا يزال، هذا القرار كان بناء دولة عربية "حلم محمد الذي ورثه من جده الرابع قصي قبل الأسلام" بداية ومن ثم دولة عربية – إسلامية لاحقا. ومن غير الطبيعي بناء دولة ذات مؤسسات وإن كانت بدائية حينها قبل أن تتطور بعد تماسها مع ثقافات الدول التي أنهارت نتيجة غزو العرب المسلمين لها ، دون أن تكون لهذه الدولة أفكار ورؤى سياسية لها عقائدها التي تستنير بها في بناء قاعدتها السياسية الاجتماعية التي كانت في طور التوسع داخليا عهد محمد في جزيرة العرب، وخارجيا بعد وفاته وبدء تاريخ الغزوات والحروب لأحتلال البلدان الاخرى والتي يطلق عليه المسلمون أسم "الفتوحات".

كمدخل لدراسة محور النقاش أرى إنه علينا بداية معرفة ماهية الفكر الأسلامي وتأثيره وأرتباطه بالحكم والدولة الأسلامية، فالفكر الاسلامي نتاج للعقلية الأسلامية التي تستمد مبادئها ورؤاها من القرآن والسنّة النبوية يضاف اليهما فكر الأئمة الأثني عشر عند الشيعة، وهذا يدفعنا الى معرفة أن لا إنفصال هناك بين النصوص والمباديء التي تأسس عليها الأسلام تلك التي ذكرناها قبل قليل وبين تجربة بناء الدولة الأسلامية التي بدأت عهد محمد مرورا بالدول الأسلامية التي تلتها لليوم، وهذا يعني إن الحركات الأسلامية والتي نطلق عليها اليوم مصطلح الأسلام السياسي لا تستطيع بل لا تريد أن تتحرر من هذا التزاوج بين التجربة التاريخية في نشوء الدولة الأسلامية الاولى وبين مفهوم السلطة والحكم وتطبيقاتهما.

لأنني لا أرى ان هناك انفصالاً بين الاسلام كمعتقد والاسلام السياسي وأحتكاره للسلطة كهدف فأنني سأتناول بداية نظرة الأحزاب والجماعات الأسلامية على أختلاف عناوينها وأنتماءاتها المذهبية والتي لا يختلفون بشأنها مطلقا كونها من الثوابت الدينية "الآيديولوجية" حول إدارتهم لشكل الحكم في صراعهم مع القوى المختلفة وشكل هذا الصراع، على أن أعود في نهاية المداخلة على موضوعة إحتكار السلطة وهي الجزء الثاني من عنوان المداخلة.

لأن الأسلام دين كوني عند المسلمين فأن الجماعات الأسلامية لا تعترف مطلقا الا بالأمة الأسلامية التي هدفها النهائي إعادة مجد الخلافة عند الأسلام السياسي السنّي ودولة المهدي عند الأسلام السياسي الشيعي، ولبلوغ هذا الهدف فإن الاسلام السياسي هو على عداء واضح مع العلمانية والدولة المدنية كون الدولة المدنية بنظرهم ليست بديلاً مثالياً عن دولتهم الأسلامية. وتوفيرها "الدولة المدنية" للحريات الأجتماعية وأيمانها بحق المساواة بين الجنسين والعدالة ونظرتها للمنتوج الفكري والثقافي والعلمي للمجتمع يأخذ أبعاداً تتقاطع ونظرتهم اليها كما نظرة العلمانيين لدور المرأة بالمجتمع على سبيل المثال، وهذا يتعارض كلية مع مفهومهم لشكل الصراع الذي يريدونه ثقافة وممارسة نابعاً من شرع الله ليكون الركن الاساس في بناء دولة الأسلام.

إن عداء الأسلام السياسي لليسار والعلمانية والدولة المدنية لا يعني مطلقا إن هذه القوى هي على مقربة من بعضها، بل على العكس فقوى الأسلام السياسي ولدت متناحرة لاسباب عديدة أهمهّها على الأطلاق تمايزها الطائفي. لذا نرى اليوم إن قوى الاسلام السياسي تتوزع على معسكرين إثنين أحدهما شيعي مركز ثقله إيران والاخر سنيا له أكثر من مركز ثقل كالسعودية وتركيا والباكستان بعد أن دبّ الضعف بالأزهر في القاهرة لحاجته المستمرة للمال السعودي والخليجي ما سمح بالنهاية لهيمنة الفكر الوهابي الذي يمثل اليوم آيديولوجية جميع الحركات والأحزاب الأسلامية السنية تقريبا، ولكن الواضح أيضا أن هناك صراعات واضحة وكبيرة بين هذه الاحزاب التي يراها البعض متجانسة كونها في نفس المعسكر وتنبع من فكر طائفي واحد.

تعتبر الثورة الأيرانية بوابّة التحرك الأسلامي في عديد من الدول الاسلامية والعربية وهي التي ألهمت العديد من شعوبها وعلى الاخص العربية منها لتبدأ عملية التغيير السياسي في بلدانها خصوصا بعد فشل المشروع القومي العروبي، الذي لم يستطع خلال ستة عقود تقريبا من أيجاد أرضية صلبة لبناء أنظمة تحترم مجتمعاتها وثرواتها بعد أن تشوّهت أثناء حكمها كل ملامح التنمية وبددت ثروات شعوبها وبلدانها في مجال التسليح وسوء الأدارة ولتزداد نتيجة سياساتها المالية والأقتصادية الخاطئة وجشعها وارتباطها بالطبقة الكومبرادورية مساحة الفقر داخل مجتمعاتها التي كانت تديرها بقسوة مبالغ فيها.

أن فشل الاحزاب القومية ومنها البعث والناصرية بحل مشاكل شعوبها الأقتصادية والأجتماعية ومغامراتهم العسكرية أضافة الى قمعهم للقوى اليسارية وغزلهم مع الجماعات الاسلامية وخصوصاً مصر عهد السادات أدى بالنهاية الى وقوع الدول العربية في براثن الاسلام السياسي. كما وعلينا الأشارة الى إن الثورة الايرانية لم تكن العامل الوحيد في تعزيز مواقع الإسلام السياسي ونشاطه بل كان هناك عاملاً آخراً لا يقل أهمية عن الثورة الايرانية إن لم يفوقه في ألأهمية وهو الغزو السوفيتي لأفغانستان والأنسحاب منه وأنهيار الأتحاد السوفيتي وفشل التجربة الاشتراكية. هذا الإنهيار مع فشل تجربة القوميين والناصريين والبعثيين التي أشرنا اليها قبل قليل جذب أعداداً كبيرة من الجماهير الناقمة لتخوض صراعها السياسي الاجتماعي على الرغم من عدم تجانسها طبقياً مدفوعة بحسّها الديني الطائفي الى جانب الجماعات والاحزاب الدينية الأسلامية، ما غيَّر من موازين القوى لصالحها بغياب دور فاعل للقوى اليسارية والديموقراطية وانكفائها عن الساحة السياسية وقبولها بدور المتفرج إما لضعف إمكانياتها إو خوفها من المجابهة وإن بأمور جانبية ولكنها مهمة، أو الأثنتين معا.

إن الأسلام السياسي غالباً ما يكون عنفياً مع بعض الأستثناءات التي تحددها طبيعة النظام السياسي الذي تتعايش معه وعلاقة سلطة ذلك النظام مع الأحزاب السياسية التي تقف على الضفة الاخرى منها، ما يدفع السلطة الى منح هامش اكبر من "الحرية" له بالعمل لمساعدة النظام السياسي في صراعه مع تلك القوى السياسية والتي غالباً ما تكون يسارية. وعنفياً على الدوام وهو على رأس السلطة كونه يستخدم أجهزته القمعية الرسمية وغير الرسمية المتمثلة بمؤسسات الوعظ الديني التي تتدخل في حياة الناس وخصوصياتهم ممارسة القمع المبرمج والممنهج ضدهم. وعادة ما تملك القوى الأسلامية أذرع عسكرية تتحول الى جيوش رديفة لجيشها النظامي والتي تلعب دوراً كبيراً كونها "جيوش" عقائدية لقمع أية حركة أحتجاج أو تحرك جماهيري أو قومي، كما وتلعب دوراً كبيراً في كسر الأضرابات والأعتصامات العمّالية.

إن مجرد تسمية هذه الأحزاب نفسها على أنها أحزاب إسلامية فإنها تعلن تمايزها ليس عن الاحزاب اليسارية والليبرالية والقومية والعلمانية بشكل عام فقط ، بل عن الجمهور المسلم أيضا بعد أن تكون قد طرحت نفسها وحدها كمتحدث وملتزم بالأسلام الذي لا يعرف الآخرون قيمه أو أنهم إبتعدوا عنها "اي غير مؤمنين". وهذا الأمر يمنحها بعد أن تكون قد سيسّت الدين او ديّنت السياسة أن تدخل معارك فكرية وسياسية وهي مطمئنة الى رجحان كفّتها، فلو إعترض سياسي ما على رأي أو برنامج لسياسي اسلامي وكان هذا الرأي مغلف بغلاف ديني وله ظهير من المؤسسة الدينية "غالبا ما يكون الظهير موجوداً" مع نسبة عالية من الأمية والجهل والتخلف وسط صفوف المجتمع سيعتبر السياسي هذا على خلاف ليس مع مناوئه الاسلامي بل مع الدين نفسه ، والآن هل هناك سياسي له الجرأة بالوقوف ضد مناوئيه من الاسلام السياسي وهم يحملون كلمة الله ويدافعون عنها بوجه العلمانية والليبرالية واليسارية.

قبل أن نتطرق الى الأسلام السياسي وهو على رأس السلطة دعونا نتناول مفردة مهمة جداً وهي الديموقراطية وعملية التحول الديموقراطي ومدى فهمها لهما خلال عملها السياسي ضمن المعارضة وطبيعة استراتيجيتها للوصول للسلطة ومدى إلتزامها بمباديء اللعبة الديموقراطية بالنهاية؟ الديموقراطية عند الحركات الاسلامية ليست ذلك المفهوم الواسع والمتشعب الذي ينظم الحياة السياسية والاجتماعية بما فيها من قيم ومباديء ومفاهيم وتبادل سلمي للسلطة والتوازن بمفهوم حفظ حقوق الاقليات السياسية والدينية والقومية والطائفية مع الاغلبية الحاكمة مطلقاً، وهي لا تعترف بهذه المفاهيم كونها تتعارض مع أهم ركن من أركان "جهادها" في سبيل أقامة الدولة الأسلامية وهو "الحاكمية لله" والذي يعتبر أية حاكمية غيرها هرطقة. الا أن مفهومها "الديموقراطية" عندهم بسيط جداً إذ يفسرون حكم الاغلبية على أنه حكم المسلمين في البلدان المتجانسة طائفيا وحكم الطائفة الاسلامية في البلدان المتعددة الطوائف الدينية.

أرى من غير المنطقي النظر الى الإسلام السياسي وهو في صراع سياسي سلمي في أي بلد دون الإيمان الكامل بنيته المسبقة بالهيمنة على السلطة وإحتكارها والغاء كل مظاهر العلمانية ومنها الديموقراطية التي يصل من خلالها الى السلطة. فإحتكار السلطة هو هدف ديني قبل أن يكون دنيوياً عند هذه الاحزاب وعليه فإنها تقوم وقبل وصولها للسلطة أو مشاركتها فيها، بتسخير كل إمكانياتها المادية والبشرية الخاصّة بها في توسيع رقعة مساحتها المجتمعية عن طريق بنائها للمدارس والمدارس الدينية ودور الايتام وكفالتهم ومشاريع إجتماعية وإقتصادية عدّة حتى تصل نشاطاتها ومساحة تلك النشاطات لتكون موازية لمؤسسات الدولة وذلك عن طريق مؤسساتها الدينية وأدارات الاوقاف الدينية. ولكن وما أن تصل هذه الاحزاب الى السلطة فأنها تبدأ بإستغلال كل أجهزة الدولة وخصوصاً الاعلامية والثقافية منها لأسلمة المجتمع والعمل على بناء دولة ثيوقراطية لا مكان فيها للديموقراطية مطلقاً وإن وجدت هذه الديموقراطية فأنها ستكون "ديموقراطية" أسلاموية وحتّى هذا الشكل المشوّه من الديموقراطية يفقد مكانه لديموقراطية أكثر تشوّها والتي من الممكن اطلاق تسمية ديموقراطية الفلترة عليها، وهذا الشكل من "الديموقراطية" هو ما نجده في الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث حكم ولي الفقيه.

كما وليس من المنطق النظر الى الأسلام السياسي وهو على رأس السلطة بعيداً عن نهجه المستمر للهيمنة عليها وأحتكارها ومن ثم إبعاد وإقصاء مناوئيه عنها بمختلف السبل، فهذه الأحزاب كما الاحزاب القومية واليسارية هي أحزاب شمولية ولكنها تختلف عنها كونها تحمل تفويضا "سماويا" لبناء دولة الأسلام. هذا التفويض يمنحها حق ممارسة أبشع أشكال القهر بحق مناوئيها السياسيين وإظهارهم على إنهم معادين للدين وعليه يجب ان يكونوا خارج الملّة أي كفرة وفق المفهوم الديني.

إن خطورة الإسلام السياسي في المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف وهي على رأس السلطة أخطر بكثير من تلك البلدان ذات الطيف الطائفي الواحد أو الغالب، كون الاسلام السياسي في الاولى بحاجة الى أحزاب طائفية أسلامية من كلا الطائفتين وهذا ما يضع الطائفتين في مواجهة بعضهما بأستمرار مما يؤثر على السلم المجتمعي و ينذر دوماً بأندلاع مواجهات بين الطائفتين .

ختاماً أود التأكيد على أن وحدة الدين لا تعني مطلقاً تطابق الأسلامين السياسيين الشيعي والسني كون الخلاف التاريخي بينهما كان ولا يزال وسيستمر مسبباً للمجتمعات الاسلامية الكثير من المصاعب مهدداً في لحظات تاريخية معينة وحدة بلدانهم كما العراق اليوم .

كنت اتمنى ان تكون المساحة المخصصة لتناول المادّة اكبر مما هي عليه، ما كان يفسح المجال لدراسة الطبيعة التاريخية لشكل الصراع الاسلامي الذي افرز خلال قرون الكثير من الحروب والصراعات التي أنهكت البلدان الاسلامية وكانت عاملاً حاسماً في تخلفها بشتّى الميادين.




(*)
مداخلة قدمت الى اللقاء الفكري السابع المنعقد في مالمو السويدية بتاريخ 2 ـ 4 تشرين أول/ أكتوبر 2015 التي نظّمتها لجنة العلاقات الفكرية للحزب الشيوعي العراقي "لعف الخارج".

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter