| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 20 / 1 / 2011 زكي رضا كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الشعر والثورة بين شعب تونس وشعب العراق
زكي رضا
(موقع الناس)
الكلمة والشعر كان لهما على مر التاريخ ، دورا بارزا في العديد من الثورات والانتفاضات ، التي اندلعت في مختلف البلدان من اجل الانسان وحريته . وهذا ما يفسر لنا حفلات الموت ، التي كان يقيمها الطغاة على مر العصور ، لاصحاب الكلمة الحرة . لانهم كانوا بكلمتهم واشعارهم قادرون على تحريك الوعي الجمعي والتأثير فيه ، نحو التحرر من نير الظلم والطغيان . وان كانت كلماتهم واشعارهم لم تستطع في بعض العهود ، تحريك الجماهير لظروف موضوعية وذاتية معينة ، فانها نجحت على المدى البعيد في ان تكون الشرارة ، التي تشعل نار الثورة في جسم الطغيان ، بعد ان تكون قد ضمنت لنفسها مكانا في العقل الجمعي للمجتمع .وفي المجتمعات العربية كان للشعر دوما ، دورا بارزا في تأجيج روح المقاومة ضد الاعداء ، بغض النظر عن العدو ، فقد يكون العدو ابن عم . ولذا نرى ان كل القبائل العربية كان لها شعراؤها ، الذين كانوا يشحذون همم المقاتلين قبل المعركة وخلالها ، ويمجدون قتلاهم بعدها . ولم يتخلف النبي محمد عن ذلك ، حين كان يُمتدح من شاعره حسان بن ثابت الانصاري ، على الرغم من ان الشعراء يتبعهم الغاوون ! .
وقد لعب الشعر دورا كبيرا في العديد من الثورات في البلدان العربية ، وخصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى . وكان العراق ( بعد ثورة العرب الكبرى ) مهد احدى هذه الثورات التي لعب فيها الشعراء دورا بارزا ، حيث كان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي البصير يعتبر حينها شاعر الثورة ، الذي الهب وقتها الحماس في نفوس الجماهير الثائرة ضد الاحتلال البريطاني وهو القائل :
ان ضاق يا وطني علي فضاكا .......... فلتتسع بي للامام خطاكا
أجرى ثراك دمي فان انا خنته .......... فلينبذني ان ثويت ثراكا
أما الله ، فأنه ضاحك باسم عند الشاعر الجزائري مفتي زكرياء ، صاحب الياذة الجزائر اذ يقول :
جزائر ، يا مطلع المعجزات .......... ويا حجة الله في الكائنات
ويا بسمة الرب في ارضه .......... ويا وجهه الضاحك القسمات
واثناء الثورة على حكم الائمة الفاسد في اليمن ، نظم الشاعر محمد محمود الزبيري قصيدة ، وكأنه يعيش في عراق عمائم اليوم اذ خاطب الشعب اليماني قائلا :
ما لليمانيين في نظراتهم بؤس وفي كلماتهم آلام
جهل وامراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمام
وفي نفس القصيدة خاطب حكام اليمن من الاماميين اللصوص ، وكأنه يخاطب لصوص العراق ثانية قائلا :
أكلوا لباب الارض واختصوا بها وذووا الخصاصة واقفون صيام
وفي رده على مجزرة الامام احمد بحق الثوار عام 1948 ، يقول الشاعر ابراهيم الحضراني :
حتام ياوطني اراك تضام وعلى اديمك تعبد الاصنام
والى مٍ يرتفع الطغاة ويعتلي عرش التبابع معشر اقزام
اما الشاعر الكبير عبد الله البردوني ، فانه لا يحمل الطغاة فقط وزر اوضاع شعبه البائسة ، بل يتعداه الى مثقفيه وسياسييه ليحملهم مسؤولية ذلك ، وكأنه يقرأ واقع حال بعض المحسوبين على الثقافة والعلمانية والليبرالية من المثقفين والسياسيين ، لانهم يدافعون عن اولئك الطغاة على الضد من مصالح شعبهم ، بترويجهم للطائفية تحت مسميات مختلفة ، فيتلوا بعض آياته قائلا :
اعذر الشعب وحملنا الملاما نحن ارضعناه في المهد احتراما
نحن دللناه طفلا في الصبا وحملناه الى العرش غلاما
وبنينا بدمانا عرشه فانثنى يهدمنا حين تسامى
آه منا آه ما اجهلنا بعضنا يعمى وبعض يتعامى
نأكل الجوع ونستسقي الظما وننادي يحفظ الله الاماما
ولا ادري هل اليوم الذي سيعض به المثقفون والسياسيون العراقيون هؤلاء اصابع الندم ، لعدم وقفتهم الجدية والموحدة ضد جحافل الظلام الاسلامية ، وهي تعيث في عراق الحضارات فسادا ، قادم ومتى ؟ فها هو شعبنا لجهله وبأسم الديموقراطية التي جاء بها الامريكان على مقاسات طائفية وقومية للحفاظ على مصالحهم ، يأتي بالغلمان ليقودوا بلده في مثل هذه الظروف الاستثنائية ، ويجوع ويعطش ويعيش على المزابل ، ولكنه لا ينسى الصراخ مبتهلا ، حتى تتمزق ما تبقى من ملابسه الرثة المهلهلة التي بالكاد تستر اجسامه واطفاله ، كي يحفظ الله الامام !
لقد تناول العديد من الشعراء العراقيين ، الكثير من المظاهر الاجتماعية والسياسية ، وزرعوا في الذاكرة الجمعية للشعب مفاهيم انسانية ووطنية كبيرة ، حققت قسما منها ما كان ينبغي منها وقتها ، ولازال الاخر ينتظر ان يطلقها شعبنا من ذاكرته التي نحن بامس الحاجة اليها اليوم . بعد ان تخلف شعبنا وبلدنا مقارنة بما كانا عليه في مختلف المجالات ، ابان الخمسينات والستينات والسبعينات ، بل وحتى اواخر الاربعينات من القرن الماضي . ومنها مجالات الادب والفن والثقافة ، والرياضة والاخلاق وحقوق المرأة والاطفال والعمال ، واصبحنا من الدول الاكثر تخلفا في مجالات الصحة والتعليم والزراعة وتلوث البيئة ، ومن اوائل الدول في الرشوة والفساد الاداري والسياسي وسرقة المال العام . كما نملك اليوم نملك جيشا من ملايين الاميين ، زاد المعممين الامثل ، بعد ان كنا على اعتاب القضاء على هذه الآفة الاجتماعية وأس البلاء ، الذي يربط هذه الملايين بالغيبيات بعيدا عن نافذة الضوء المسماة مدنية وتحضر .
وهاهو الشاعر جميل صدقي الزهاوي يرثي حال العراق والجهل المتفشي فيه ليشدوا قائلا :
قد سافر الجهل الا عن منازلنا ........... وأثمر العلم الا في نواحينا
ما جاءنا الشر الا من تهاوننا ......... ما عمنا الظلم الا من تغاضينا
لا بد من فك ما قد شد من عقد ......... كف الاسار بايدينا بأيدينا
ان الذين استحبوا قتل انفسهم .......... فرا من الضيم ما كانوا مجانينا
آه ايها الزهاوي الكبير، لقد هاجمت الجهل في اوائل القرن الماضي واكتشفت مكانه السامي في المجتمع ! ولكنني لا اخفيك سرا عندما اقول ، ان اضعافه اليوم يعشعش في عقول الملايين التي تبحث عن فردوس في اقاصي السماء تاركة فردوس الارض للعمائم وسكنة المنطقة الخضراء ، وكم انت جميل ياجميل وانت تقول :
يا جهل انت برغم العلم والادب ......... ممتع بعلو الجاه والرتب
يا جهل يأتيك عفوا ما تحاوله ........ يا جهل من غير سعي منك او تعب
لا شيء في الشرق اعلى منك مرتبة ........ يا جهل حسبك هذا العز من حسبي
قد اصبح الوطن المحبوب تربته ........ العوبة في يد الاحداث والنوب
وكأنه يعيش في عراق المحاصصة اليوم فانه يخاطب السياسيين وقتها ليقول :
وانتهت سلطة البلاد لقوم ......... خلقوا للرشى وللسرقات
خلقوا للفساد والظلم والتخريب ......... والنهب بعد والغارات
خلقوا لو انا انتبهنا قليلا .......... في سبيل ارتقائنا عثرات
وقد قال في المرأة ، التي دخل من اجلها ( الزهاوي ) معارك كبيرة وبقي حبيس داره لفترات مختلفة ، خوفا من رجال الدين ورعاعهم لنضاله من اجل تحريرها :
هزأوا بالبنات والامهات ......... وأهانوا الازواج والاخوات
هكذا المسلمون في كل صقع ........ حجبوا للجهالة المسلمات
لم يكن وضعه من الدين شيئا ........ انما قد اتى من العادات
اما الجواهري الكبير وهو ابن المؤسسة الدينية والعارف ببواطنها ودهاليزها ، فينفجر غيضا وهو يدافع عن فقراء شعبه امام غنى العمائم ومريديهم ليقول :
على باب شيخ المسلمين تكدست ......... جياع علتهم ذلة وعراة
هم القوم احياء تقول كأنهم ......... على باب شيخ المسلمين موات
يلم فتات الخبز في التراب ضائعا ......... هناك ، واحيانا تمص نواة
بيوت على ابوابها البؤس طافح .......... وداخلهن الانس والشهوات
يدي بيد المستضعفين أريهم .......... من الظلم ما تعيا به الكلمات
أريهم على قلب الفرات شواهقا ......... ثقالا تشكى وطأتهن فرات
ايه ابا فرات ليس الفرات وحده من يتشكى وطأة تلك الشواهق اليوم ، فها هي حبيبته دجلة متشحة بالسواد ، وتئن من وطأة مئات الشواهق ، بعد ان ترك الفرح شواطئها كي توزع تلك الشواطيء لكل لص زنيم افاق .
اما الشاعر محمد صالح بحر العلوم ، وهوسليل عائلة بحر العلوم الدينية المعروفة ، فأنه يأسف لعدم امتلاكه قدرات ( سوبر مان ) ، كي يستطيع بعث الوعي بين الجهلة فيقول :
ليتني أستطيع بعث الوعي في بعض الجماجم
لأريح البشر المخدوع من شر البهائم
وأصون الدين عما ينطوي تحت العمائم
من مآس تقتل الحي وتبكي : اين حقي
ويخاطب رجال الدين الذين سرقوا البشرية لآلاف القرون ، بعد ان اوهموا البسطاء من انهم ظل الله على الارض قائلا :
يا ذئابا فتكت بالناس آلاف القرون
أتركيني انا والدين فما انت وديني
أمن الله قد استحصلت صكا في شؤوني
وكتاب الله في الجامع يدعو : اين حقي
واذا كان الزهاوي قد هاجم الجهل فقط ، فان بحر العلوم يتحدى رجال الدين في ان يحرروا الناس من قيود الجهل ، وهم لعمري غير فاعلون ، لان المجتمع الجاهل اكسير حياتهم فيقول :
حرروا الامة ان كنتم دعاة صادقينا
من قيود الجهل تحريرا يصد الطامعينا
وأقيموا الوزن في تأمين حق العاملينا
ودعوا الكوخ ينادي القصر دوما : اين حقي
وعلى الرغم ان نسبة الدعارة في المجتمع العراقي لم تصل يوما الى ماهي عليه اليوم ، بسبب الحروب والحصار والحرب الاهلية والفقر ، واشاعة الرذيلة تحت مسميات دينية مختلفة . فان هذه الحالة التي كانت مقتصرة على شرائح محددة تقريبا في مجتمعنا ، قبل ان تتحول الى ظاهرة . وصلت اليوم الى مكاتب المنطقة الخضراء ولكن باسماء دينية ، وكبار رجالات الدولة يعرفون ذلك جيدا ويتسترون عليه ، لانهم جزء من الحالة الشاذة هذه نفسها . اقول على الرغم من محدوديتها فان الشاعر قد تناولها ، وهو يخاطب فتاة رماها حظها العاثر والظروف غير الطبيعية ، في احضان هذه المهنة اللاانسانية ليقول :
ما لهذي وسواها غير ميدان الدعارة
لتبيع العرض في ارذل اسواق التجارة
واذا بالدين يرميها ثمانين حجارة
واذا القاضي هو الجاني ويقضي : اين حقي
وبنظرة ثاقبة لاخلاق رجال الدين واتباعهم ومكرهم ، فانه يكشف عن خداعهم الازلي ، ليس للبشر فقط بل لله ايضا ، عندما يقول :
برياء ونفاق يخدعون الله جهرا
أين مكر الله ممن ملئوا العالم مكرا
ان صفا الامر لهم لن يتركوا لله امرا
وسيبقى الله مثلي مستغيثا : أين حقي
واذا كان الشعب التونسي البطل ، قد ثار على حكم الدكتاتور بن علي ، واصبح ابو القاسم الشابي و قصيدته " ارادة الحياة " على لسان كل تونسي وعربي اليوم ،على الرغم من بحبوحة العيش التي يعيشها الشعب التونسي ، مقارنة مع الشعب العراقي والثروات التي يمتلكها . فمتى يا ترى سيكون لشعبنا كلمة الفصل ( حتى وان كان ديموقراطيا وعبر صناديق الاقتراع ) ، وهو يمتلك هذا الكم الهائل من التراث الوطني ، شعرا وكلمة وانتفاضة وثورة ، كي يستطيع ان يعيش بكرامة وينقذ بلده وثرواته ، ومستقبله من عبث العابثين .
الدنمارك
20 / 1 / 2011