|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18  / 12 / 2016                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نوري وحزبه ودمار العراق

زكي رضا
(موقع الناس) 

قبل أن أدخل في متن المقالة والتي تتعلق بخطاب نوري زعيم حزب الدعوة الحاكم بمناسبة تأسيسه الستين!! فأنني أتحدى نوري وكل قيادات حزبه من أن يأتوا بوثيقة واحدة تشير الى تأسيس حزبهم في العام 1956 وليس بعد نجاح ثورة الرابع عشر من تموز التي بثّت الرعب في المؤسسة الدينية الشيعية التقليدية المرتبطة إرتباطا عضويا بشيوخ العشائر والإقطاعيين.

لقد بدأت بوادر تشكيل هذا الحزب الذي سيلعب أكثر الادوار خطورة بعد عقود وهو يقود البلاد الى نهاية تراجيدية "بين سنوات 1958 – 1959 الى العام 1964 على أقل تقدير" (1) نتيجة فزع المؤسسة الدينية من ثلاث قضايا رئيسية حدثت بعد الثورة وهي "إلغاء ملكية الشيوخ الكبرى، قانون الأحوال الشخصية، والإنتشار الجماهيري للماركسية" (2) . وهذه المهمّة الكبيرة ترجمتها المؤسسة الدينية وقتها بتحالفها مع البعث ومعهم القوميون الكورد بإغتيالهم لثورة الرابع عشر من تموز، في صبيحة الثامن شباط الأسود سنة 1963 ، الا أنّ زواج المتعة بين الثلاثة إنتهى سريعا بالطلاق بعد أشهر قليلة على حفلات عرس الدم بحقّ خيرة شابّات وشبّان العراق.

والمؤسّسة الدينية ومعها الدعوة وبقية الفصائل السياسية الشيعية إستطاعت وبعد وصولها للسلطة على قطار أمريكي في التاسع من نيسان 2003 ، أن تعمل على ترجمة مهمتّها التي فشلت في تحقيقها إبّان تحالفها مع البعث الى حقيقة، أو العمل على تحقيقها بهدوء وهي على رأس السلطة على الأقل. فإلغاء الملكيات الكبرى للشيوخ يريدون اليوم تحقيقها من خلال قانون العشائر سيء الصيت والسمعة، وقانون الأحوال الشخصية وهو من المنجزات الهامّة للثورة والتي حقق الكرامة للمرأة العراقية وفتحت الابواب امامها واسعة للعب دور اكبر في الحياة السياسية والإجتماعية بالبلد يريدون ويعملون على إجهاضه بالقانون الجعفري الذي يوسّع الشرخ الطائفي ويمتهن من كرامة المرأة بشكل أكبر. أمّا مقاومة الإنتشار الجماهيري للماركسيين أي الشيوعيين وباقي الديموقراطيين فقد مهّد لهم البعث بتحقيق الجزء الأكبر منه، ليأتي نوري تحديدا ليترجمها أمام جمهرة واسعة من المعممّين وأعضاء حزبه في نيسان 2012 ومن النجف ليقول "إن الدولة التي تتنوع بمكوناتها لا يمكن أن تبنى بمكون واحد على حساب مكون آخر، واليوم ونحن نستذكر استشهاد الصدر الذي هو مدرسة للفكر التي نشأنا وتسلحنا بها في وقت كانت التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية، والتي استطعنا بفكره تهديم كل هذه الأفكار الغربية"!! فأين هو التنوع والبناء في بداية حديثه وبين الهدم في آخره!!.

لنعود الآن الى كلمة نوري التي القاها بمناسبة تأسيس حزبه أمس السبت "17/12/2016" لنناقش بعض نقاطها بهدوء وبحجّج أفرزها الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي البائس والذي يعتبر نوري وحزبه أحد أهم أعمدته.

يقول نوري أنّ "مفهوم التسوية الوطنية لا يعني التصالح مع من تلطخت يداه بدماء العراقيين"، ليس هناك عاقل لا يتّفق مع ما جاء به الحاج نوري، ولكن علينا أن نسأله إن كانت هناك مصالحة مع زعماء حرب ساهموا في الحرب الطائفية أثناء فترة حكمه، أي الميليشيات التي رعاها عندما أطلق سراح الخزعلي وغيره من أمراء الحرب والارهابيين من أبناء طائفته، وهل سيكون أمراء الحرب هؤلاء جزء من المشهد السياسي!!؟؟ وما هي آفاق ما يسمّى بالتسوية الوطنية وإن كانت العصابات الشيعية دون السنّية هي من تحمل صفة الوطنية بنظر الحجي!؟

وفي تهديد واضح لشركائه في الوطن وإستمرارا منه لتعميق الازمات في المجتمع عوضا عن نزع فتيلها فأنه سارع الى تبني أقوال زعيم "عصائب أهل الحقّ " الذي هدّد به شركائه بالوطن أي الكورد بالقتال، بدلا من ترطيبه الأجواء وإدانته لتصريحات زعماء العصائب بالتدخل في الشأن السياسي بصفته نائب لرئيس الجمهورية وأمين عام حزب يقود السلطة للأسف الشديد، ليضيف قائلا أنّ "الارهاب يجب ان يقضى عليه اجتماعيا وسياسيا واتمنى ان لا نفتح معركة مع شريك في العملية السياسية لان معركتنا واحدة ننتهي منها وبعدها نحل خلافاتنا بالدستور والقانون". متناسيا عن جهل أوعن عمد أو الأثنتين معا، أنّ الإستقرار السياسي هو المفتاح لحلّ جميع مشاكلنا، والمفتاح هذا لا يمتلكه لا هو ولا تحالفه الشيعي ولا شركاءه في السلطة من السنّة والكورد، فالمفتاح هذا لا يمكن صناعته الّا في ظل نظام مدني ديموقراطي يقبر المحاصصة الطائفية القومية مرّة واحدة والى الأبد.

من لا يساعد نفسه عليه أن لا يتوقع مساعدة الآخرين له وفي عالم السياسة لا مساعدة ولا علاقات مميزة بلا ثمن وهذا ما لا يريد الحاج فهمه أو أنه أعلى من مستوى فهمه، وهو نفسه صاحب أكبر الأزمات مع بعض دول الجوار ونقيضها أي صاحب أفضل العلاقات مع البعض الاخر على الرغم من تدّخل الطرفين بشكل واضح ووقح بالشأن العراقي. والسبب هو تمترسه الطائفي وحزبه وليس مصلحة "شعبهم ووطنهم" فهو يقول "أتمنى من دول الجوار مساعدة العراق في مرحلة بناء البلد بعد انتهاء عصابات داعش الإرهابية"، مشددا على ان "عدونا الحقيقي داعش والتكفير والتطرف". وهنا يبدي نوري سذاجة سياسية ليست غريبة على رجل مثله قاد "بلده" الى حافّة الهاوية بعد أن كانت فترة حكمه ، مسرحا لحرب طائفية ومجازر بحق المدنيين والعسكريين وأكبر عملية سرقة لثروات بلد على مرّ التاريخ وكللّها بتسليمه ثلث مساحة البلد لعصابات داعش الإرهابية من أجل ولاية حكم ثالثة. وليستمر الحاج بسذاجته أو إصراره على الكذب معتمدا على فقدان الناس لذاكرتهم على ما يبدو ليقول من أنّ "عدونا الحقيقي داعش والتكفير والتطرف". ماذا عن الفساد الذي هو الوجه الآخر للإرهاب، وماذا عن حزبك الذي يمتلك مطار المثنّى العسكري وجعل منه مقّرا له مقابل مبلغ إيجار رمزي!؟ وماذا عن أموال شعبنا المنهوبة من الفاسدين في سلطة المحاصصة على مختلف تلاوينهم وفي المقدمة منهم ذوي الأيادي المتوضئة، أليسوا أعداءا لشعبنا ووطننا؟ هل تعرف نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من أبناء شعبنا، وإن لم يكن الفساد إرهابا فهل تستطيع وحزبك تعريفه لنا؟

وأنهى نوري خطابه بنكتة أضحكتني وهذا ما يدعوني لشكره عليها حين قال "ان طبيعة العمل السياسي العراقي حركي ويحتاج إلى تأسيس أحزاب وخير الأحزاب من يعمل للإنسانية وليس لفئة". لا أدري ماذا يعني الحاج بالإنسانية، هل هي البشرية جمعاء أي الأممية التي يعمل الشيوعيون عليها أم يقصد الوطنية وقد خانه التعبير؟ وهل حزبك الذي يضم بين صفوفه شيعة فقط حزب وطني أم فئوي يا نوري!!؟؟

عام يذهب واخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوء يا وطني.. محمود درويش.
 

(1) العمامة والأفندي – ص 125 ، فالح عبد الجبار
(2) المصدر نفسه ص 120 .
 

الدنمارك
18/12/2016



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter