|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  13  / 3  / 2008                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الفيلي بين حمال و سائق

زكي رضا
(موقع الناس) 

لقد كان الفيليون ، ومنذ بدايات تشكيل الدولة العراقية الحديثة وليومنا هذا . جزءا مهما من النسيج الاجتماعي العراقي . وحالهم كحال بقية مكونات الشعب العراقي ، فتراهم قد اثروا وتاثروا بجميع الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، التي مرت على البلاد طيلة العقود التسعة الماضية .

فمن الناحية السياسية ، لم يتخلف الفيليون عن باقي مكونات شعبنا . ولذا يستطيع المراقب ان يلمس ، بدايات الوعي السياسي للشباب الفيلي . ابتداءا من النصف الثاني من اربعينيات القرن الماضي، حيث انخرط العديد منهم في صفوف الحركة الوطنية واليسارية والحزب الشيوعي العراقي تحديدا . وعندما تبلورت الافكار القومية ، بين ابناء شعبنا الكردي . كنتيجة طبيعية للتمييز العنصري ، والتهميش الذي تعرضوا له ، وفي سبيل التحرر والانعتاق ، من نير الحكومات التي تعاملت مع الكرد بكل قسوة ووحشية . وجد الفيليون طريقهم الى العمل في صفوف الحزب الديموقراطي الكردستاني ( البارتي حينها ) . والملفت للنظر هو وصول العديد من الفيليين ، الى مراكز قيادية ومؤثرة في هذين الحزبين . مما يعطي دلالة على اخلاصهم وتفانيهم . في سبيل تحقيق امال وتطلعات الشعب العراقي بشكل عام ، والكردي بشكل خاص . اما في اواسط السبعينات ، وتحديدا بعد انهيار الثورة الكردية اثر اتفاقية الجزائر . التي تنازل فيها > ابطال العروبة من البعثيين > !!. عن مساحات واسعة من الاراضي ، والمياه الاقليمية العراقية لصالح ايران الشاه . فان الفيليين كانوا حاضرين و هذه المرة ليس كاعضاء فقط . بل كمؤسسين لتنظيم الاتحاد الوطني الكردستاني .
ولم تمر الا بضع سنوات ، الا والافكار الراديكالية الاسلامية والشيعية تحديدا. كانت قد اخذت طريقها وسط الشباب الفيلي ، وذلك اثر نجاح الثورة الايرانية . ولذا يستطيع المراقب ودون عناء ، ان يرى المساحة الواسعة التي ناضل الفيليون عليها ، وقدموا من خلال سنين نضالهم الطويلة والمريرة . قوافل من الشهداء ، بالاضافة الى ان الالاف منهم ، قضوا اجمل ايام حياتهم خلف القضبان . وللامانة التاريخية، فان هناك عدد غير قليل ، من الفيليين . انضموا لحزب البعث الفاشي ، نتيجة الضغوط التي مورست بحقهم في دوائرهم او اماكن دراستهم ، ويجب ان لانغفل ذلك البعض اليسير منهم ، من الذين اخلصوا لهذا الحزب الفاشي . ولكن مصيرهم لم يختلف بشيء ، عن مصير رفاقهم حيث لفظهم شعبهم ، الى اقرب مزبلة للتاريخ . ولم يحصدوا الا لعنات ابناء شريحتهم وليومنا هذا .

وحتى عندما هجر الفيليون الى ايران في العام ١٩٧٠. فانهم شاركوا الاحزاب الوطنية والقومية الكردية هناك نضالاتهم ، ولم يتخلف البعض القليل جدا منهم ايضا، للعمل في صفوف المخابرات الايرانية حينها ( السافاك ) . ولم يكن حال هؤلاء ، بافضل من حال اقرانهم ، من بعثيي بغداد ، حيث ستلاحقهم لعنات الفيليين الى الابد .

اما اجتماعيا فان الفيليون ، كانوا ولازالوا القاسم المشترك ، بين اكبر تكتل طائفي في البلاد ( العرب الشيعة ) واكبر > اقلية > ( الكرد ) . ونتيجة لموقعم المتميز هذا . استطاعوا وفي مناسبات عديدة ، من ايجاد وتوثيق الروابط المتينة بين القيادة الكردية والمرجعية الشيعية في النجف ، وخصوصا مرجعية السيد محسن الحكيم . وكان لهم الدور البارز ، في الفتوى التي اصدرها السيد الحكيم وقتها بتحريم مقاتلة الاكراد .

اما اقتصاديا فالفيليون حالهم كحال بقية ابناء الشعب العراقي ، ينقسمون الى فئات فقيرة ومتوسطة وغنية . والفئات الغنية كانت تشكل ، جزءا مهما من العصب الرئيسي ، لاهم سوق تجاري ، في تاريخ العراق وليومنا هذا، الا وهو سوق الشورجة . كما كانت لهم مكانة مميزة بين تجار الاخشاب وتجار الحديد . وهؤلاء الاغنياء و التجار الميسورون ، كان لهم الدور الاساس .في تأسيس المدرسة الفيلية ، التي تخرج منها عدد كبير ، من ابناء الفيليين . في وقت كان فيه مستقبلهم ، على كف عفريت . حيث كانت المدارس الحكومية العراقية ، تمنعهم من الدراسة في صفوفها ، لاسباب شوفينية بحتة. اما ابناء الطبقة المتوسطة ، فكان لهم دورا مشهودا في مختلف مجالات الحياة في العراق . فكان منهم الاطباء والمهندسين والاقتصاديين ، وابدع العديد منهم في مجالات الادب والفن والرياضة ومجالات اخرى عديدة . الا ان مواهبهم لم تستثمر نتيجة القوانين المجحفة ،التي كانت ولازالت تطاردهم في وزارات الداخلية والخارجية والدفاع . فلم تجد وزارة الخارجية مثلا، فيليا واحدا من العراق ليعمل في السلك الدبلوماسي ، في بلد اوربي يشكل الفيليين فيه النسبة الاكبر بين جيش اللاجئين والمهاجرين كالسويد مثلا. ولم تفكر الوزارة في بغداد ، او ممثلها الذي ينفذ اوامرها ، وفي هذه الحالة هو السفير العراقي في السويد . بتوظيف فيلي واحد ، من حملة الشهادات العلمية او من الاكاديميين الفيليين ، وما اكثرهم على الساحة السويدية . بل اقتصر توظيفهم على شخصين او ثلاثة ، ولكن بصفة سواق وليس موظفين اداريين . وهذا يعتبر في نظر كل ذي بصيرة ، امتهانا لنا وتمييزا من نوع جديد . وانا كفيلي قلق من ان تتغير الماركة المسجلة للفيليين مستقبلا ، من حمال الى سائق . بالرغم من انهما من المهن الشريفة ،والتي يمارسها الملايين في كافة انحاء العالم .

اما الفئات الفقيرة من الفيليين ، فانهم اشتغلوا بعشرات المهن الشريفة. و تحملوا مصاعب الحياة باباء ، دون ان يكون لهم حق في الضمان الاجتماعي ، او حق التقاعد. نتيجة سياسة التمييز المتخذة بحقهم وللان . ولكنهم استطاعوا ان يربوا اجيالا. خدمت البلد وعلى مختلف الاصعدة .

ومن هذه المهن الشريفة هي مهنة العتال ( الحمال ) . ولم يكونوا الوحيدين الذين مارسوا، هذه المهنة الشريفة ، بل شاركهم فيها الكثير من ابناء شعبنا . من المسحوقين والمضطهدين ، في بلد فيه من الخيرات ، ما لاتملكه الكثير من البلدان الاخرى .

ولكن وللاسف الشديد ، فان الشوفينيين العرب . كانوا قد جعلوا من هذه المهنة الشريفة ( ماركة مسجلة ) للفيليين . فكلما ذكر اسم الفيلي رادفه لفظة الحمال . حتى ان اكاديميا معروفا ،كحنا بطاطو وفي كتابه العراق ذو الاجزاء الثلاثة . وفي تناوله الاصول الاجتماعية للقادة الشيوعيين في العراق ، ذكر من ان والد السيد عزيز الحاج كان حمالا !! . في مغالطة تاريخية كبيرة ولكنها ليست بمنأى عن الفكر الشوفيني العروبي العراقي تحديدا . ولكن المعروف عن الحاج انه ينحدر اجتماعيا من عائلة ميسورة .

والان وبعد مرور ما يقارب الخمسة اعوام . على انهيار النظام الدكتاتوري الفاشي ، في بغداد . واثر توزيع السلطات على اساس طائفي قومي ، نرى الفيليين مرة اخرى ، خارج حسابات الاحزاب والتنظيمات السياسية ، وعلى اختلاف تلاوينها ، سواء الايديولوجية منها او القومية او الدينية . هذه التنطيمات المساهمة في العملية السياسية ، والتي تمثل الثقل الاكبر في الحكومة والبرلمان العراقيين .

ان المارد الفيلي الذي ولد في كوبنهاكن ، وبدأ يحبوا في استوكهولم ، بسلسلة من الاعتصامات . سيكون فتيا في بقية العواصم الغربية الاخرى ، وسينمو ليكن في بغداد شابا صلبا قويا ، مؤمنا بعدالة قضيته . متحديا الصعاب بل المستحيل ، معتمدا على قواه الذاتية وقوى الخيرين من ابناء العراق . عربا وكردا ، وباقي مكونات شعبنا ، من اجل فضح النظام الطائفي العنصري في بغداد . والضغط عليه امام الرأي العام الاوربي والعالمي . للاسراع بايجاد الحلول السريعة لمشاكلنا ، بعد السنوات الخمس هذه . ان الصبر بدأ ينفذ ، امام الاف الامهات اللواتي ينتظرن ، ذلك اليوم الذي يجلسن فيه ، عند قبور احبتهن .وانني واثق من ان دموعهم ، ستكون دافعا قويا، لان يستمر الفيليون بأعتصاماتهم ، ويطوروها الى احتجاجات وتظاهرات ، في كل الدول التي يتواجدون فيها .

على الفيليين ان يهتموا بامر انفسهم ، ويناضلوا لتحقيق مطالبهم العادلة . وان لا يلتفتوا الى الاصوات النشاز ، التي تطالبهم بالتريث لمدة زمنية اخرى ، قد تطول لخمس او عشر سنوات قادمة . او تلك الاصوات التي تطالب الفيليين ، بعدم الاعتصام امام السفارات التي يكون فيها السفير كرديا . فلنعتصم امام اية سفارة ، بغض النظر عن هوية السفير ، او السائق الذي قد يكون فيليا .

كما ادعو الوليد الفيلي الجديد ، اي البرلمان الفيلي . و من رئيسه ولجانه القيادية المؤقتة. ان لا تلتفت للذين يريدون ، وضع العصي بين دواليب البرلمان . لافشال هذه التجربة الرائدة ، لان فشل هذه التجربة ، ستكون لها انعكاسات خطيرة ، على الشأن الفيلي . وسوف تضع قضية الفيليين ، على احدى الرفوف المهملة . يغطيها الغبار ولسنين طويلة قادمة . يضاف اليها حالة اليأس والاحباط والخدر الذي ستصيب الكثيرين .

كل الموفقية والنجاح للبرلمان الفيلي
المجد لشهداء الكرد الفيليين
المجد لشهداء الحركة الكردية
المجد لشهداء العراق

الدنمارك
١٣ / ٣ / ٢٠٠٨

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter