|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  14  / 10 / 2008                                 يحيى علوان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أيتامُ الله !!

يحيى علوان
(موقع الناس)

من لَنا نحنُ ، أيتامُ الله ، مِن ظَلَمَةٍ ، لا يَعرفونَ الرحمَة ، يُبَدّلون الأقنِعَةَ "ذاتَ اليمين ، وذاتَ الشمال" دون أَن يطرُفَ لهم جَفن ؟!

يستسهلونَ القولَ ، ويُسَوّقونه مُبرقعاً بعلميةٍ مزعومة ، وبراغماتيةٍ مُهَلهَلةٍ ......

إستهلال:
للردّاحين والهتّافينَ فقط! ، الذينَ ، يعيشونَ تحتَ وطأة "يحلّل خُبزته!" هذه ليست مقالة ، بل خواطر ، قد يصحُّ بعضها ، أو ... قد ...لا ! وبما هيَ "خواطر" ، فأنها لا تَتَنطّعُ بعلمية ولا معرفةٍ كافيةٍ ببواطن الأقتصاد السياسي ، لا للرأسمالية ، ولا لغيرها ، لأنني لست من مريدي هذا العلم الهام ومعذرة لكارل ماركس ! ، وهي مشكلتي ـ وإن شئتم خطيئتي ـ الخاصة ، أي ملكيتي الخاصة ، التي لن أُقاسمَ أحداً بها ، أياً كان !

قُلتُ له ، على الهاتف " ماذا تَقول في الأزمة المالية لكُبرياتِ المصارِف وبيوتِ المال في أمريكا ؟ ألا يَعنُّ عليكَ أن تـكتُبَ واحدةً من مُطوّلاتِك وتوابعها ، تشرح لنا ، نحنُ أيتامُ الله ، آليةَ هذه الأزمة ومَدَياتها ..؟"

يبدو أنَّ صاحبنا إستشعرَ رائحةَ شماتة ، فردّ ،بصوتٍ لم تُخفِ أسلاك الهاتفِ صرامَتَهُ :" هذا موقِفٌ مُتشَفٍ ، يحاولُ الثأرَ من هزيمةِ الأشتراكيةِ الشمولية .....كذا !"
هنا نعمل كت ـ قَطِع ـ على ما يقول السينمائيون !

أحدُهم من العرّابين ( إقرأ القوّادينَ ولا تَقُل السمسارينَ لأنَّ لفظة سمسار ظريفة لا تخلو من رشاقة!!) للأحتلال ، أباحَ لنا ، لقيس الزبيدي وصبري هاشم وكاتب السطور ، ذاتَ يومٍ برليني ، بعد الاحتلال ، أنَّ تأميمَ النفط العراقي ، كان عملاً أحمَقاً ، وأنَّ موقف الحزب الشيوعي ، كان خاطئاً ـ وقتها كانَ يردح ويحاول تجريبَ حظه في "التنظير! " ـ ، لأنَّ التأميمَ وضعً إمكانات ماليةً هائلة بيد البعث ، ساعَدَته على تثبيتِ إستبداده وتطويرِ أجهزته القمعية ، وشراء الذمَم ، داخلياً وخارجياً ، وتثبيتِ سلطته ....الخ

واستناداً إلى ذلك ، فهو يدعمُ الرأيَ القائل بخصخصةِ القطاع النفطي في العراق ، والعمل بمبدأ إقتصاد السوق الحر ...كذا.. كي يستفيد البلد ، من هذه الخيرات ...! (
سأعودُ إلى ما تحته خط )

بدا لي أنّ صاحبَنا جاءته "كرامةٌ" ربّانية ،فبدّل رأس المال بأقرأ بأسم ربكَ ،الذي خَلَق ، خَلَقَ الملكية الخاصة وثبّتها في كُتُبِ التنزيل ، فآمَنَ بها وصاح آمين ، يا ربَّ العالمين ...!

قُلتُ له ، ياهذا ، صحيحٌ أن سلطةَ البعث استفادت من موارد النفط لتثبيتِ النظام وتَقويةِ أجهِزَتِهِ القمعية....الخ ، فأنتَ بموقِفكَ هذا تشبه من يرمي " الطشت " بمائه الوسخ والطفلَ ، الذي به .. !!

وقتها تذكّرتُ أفورزماً فلسفياً لكارل ماركس يقول فيه : " لا يَتَعفّنُ ما هو غيرُ قابلٍ للعَفَنِ أَصلاً ! "
تعالوا معي نذهبُ إلى "كعبةِ" الرأسمال وأزمته الحالية ، دونَ "تَشّفٍ" رجاءاً ، كما إستشعَرَ صاحِبنا على التلفون ! تقولُ الأخبار أَنَّ حكومة الفَهيم الفَيهَم والفَيهوم !" بوش ، الذي لم يكن على سِرِّ أبيه ، بل "بَزَّه "! تنوي " تأميمَ !" كبريات المصارفِ والبنوك من أَجلِ إحكام الرقابة على مضارباتها ودرءأ لأزماتٍ جديدة ...كذا !
"تأميم؟" العياذُ بالله ! هذه مُفرَدَةٌ من بقايا الشيوعيّة وقد إندَثَرَت ! ، حتى أَنَّ أسبوعيةً ألمانية " دي تسايت " أظهرَت في صدرِ إحدى صفحاتها الكُثر ، العلَمَ الأمريكيَّ ووزّعَت النُجيمات ،التي تُشير إلى عدد الولايات الفدرالية ـ أُوكفوا، تاللهِ لنلحَقنَّ بكم ونسَوّي فيدرالية ورأسمالية ، طبعاً على كد الحال ، وعلى عناد العاندونه !!ـ على شكل ِ مطرَقَةٍ ومِنجَل ، سُخريةً من التأميم على الطريقة الأمريكية !
نهايةَ الثمانينات وبدايةَ التسعيناتِ كان النظام الرأسمالي العالمي ـ مزهوأ بسكرة النصر ـ يُرافقه وما زال ، جيشٌ جرّارٌ من الأعلاميينَ والمفكرينَ والمرتدين ـ يُرجِعُ أسبابَ إندحار غريمه الى ،"تطاوله على المِلكيةِ الخاصة " ،التي أوصى بها الرب وضمَنَها للجميع!(وهو إفتراءٌ على الله لأنه لم يضمن للجميع لا في التوراة ولا في الزبور ولا في ايٍ من الأناجيل ولا حتى في القرآن، يَرِدُ نصٌّ يشي بذلك )، وعليه فقد "قضى ذلك النظام بسببِ تأميماته للمِلكية الخاصة ...! " أَترى أَنَّ النظامَ الرأسماليَ مُقبِلٌ في القريبِ العاجل على نفسِ المصير ، الذي آلَ إليه غريمه السابق ، بسببِ "التأميمات"؟!

إنه مُجَرَّدُ خَطَلٍ إعلاميٍ مقصود ، ليسَ إلاّ ! غايَتُهُ تنميطُ مصطلحاتٍ معينة وحَشوِها في أذهانِ "العامة" لتغدو ، وبسببٍ من اللجاجةِ في تكرارِها ، حتى تغدو مثل "كلاب بافلوف"! أي أَن شرطية الرمز تستدعي صورة بعينها يريدونها ويُديمونها ، حتى إنتفاء الحاجة لها ....

ولو كانت السيدة مارغريت ثاتشر بكاملِ قواها العقلية الآن ، ولم تُصَب بفقدانِ الذاكرة "ألتزهايمر" لَكُنتُ أَحَلتُكم إليها لِتَشي لكم بدوافعها الحقيقية لأجراءات " التأميم " ، التي أقدَمَت عليها ، وقتَ كانت تُديرُ دَفّةَ الحُكم !

على أيةِ حالٍ إنه ، أي "التأميم" ، ليسَ منطوقاً فَلسفياً ، يجدُ فاعليَّتَه وسَرَيانَه خارِجَ الزمان والمكان ، إنما يَرتَهِنُ بمصالِحَ طبقيّةٍ ـ وإن أَصبَحَ البعض يَشمئزُّ من هذه المفردة"غير الحداثية"! ـ في ظروفٍ مُحَدّدة ، تأريخياً ، مادياً وإجتماعياً . فما قامَ به الرأسمالُ من إجراءاتٍ ، أسماها تأميماً ليست سوى محاولاتٍ لإنقاذ كبار المؤسسات الرأسمالية من الأفلاس ، يعود بعدها لِخَصخَصتِها عندما تُحَقِّق تلك المؤسسات أرباحاً ... بأختصارٍ شديد ، إنها خَصخَصةُ الأرباح ،وجتمَعَةُ الخسارة، أي أَنَّ الدولة الرأسمالية تُوَظّفُ أموال الناس ، دافِعي الضرائب ، لأجلِ إنقاذِ مَصّاصي دماء عامةِ الشعب والشعوب (معذِرَةً من المُتَلَبرلينَ العرب ، ولا سيما العراقيينَ منهم مِنَ الذينَ لم يَرضَعوا من حليبِ أُمهاتهم الكراهية للأمبريالية !، مُرهَفي الحِس ، لأني إستخدَمتُ عباراتٍ نابية كمصّاصي الدماء !) إذن ، لا تأميمَ ولا هُم يحزنون !! الأنكى ، هو أَنَّ هذا الأجراء سيزيدُ شَهِيَّةَ رأس المال المُعولَم للمزيدِ من المضاربات ، مُستنداً إلى غطاء "التأميم" ، فمقابلَ خساراتٍ بالبلايين والتريلونات ، يدفَعُ مُديرُ البنك أو الأحتكار ، المُرادُ تأميمه بعدَ الخسارة ، ما لا يَزيدُ على مُرَتَّبِهِ لعامين ، وهوَ ما يستطيع أَياً منهم دَفعَهُ "من جيب الزخمة !" ناهيكَ عن التأميناتِ ، التي تحرُسُهُ !! ـ كما تُريدُ دول أوربا فرضه بتشريعٍ قانونيٍّ ...!!

أعودُ إلى ما أسماه صاحِبُنا "إقتصاد السوق الحر" لنرى كم هو حرٌّ حقاً هذا السوق !

المدير العالمي لمعهد سلافوي شيشك ،
Slavoj Zizek البروفسور بيربَك بلندن ، رَجُلٌ ما عُرِفَ عن شيوعيّته شيء ـ دَرءاً لسوءِ ظن يَحسِبُها دعايةً وتَرويجاً لمُفَكِّرٍ شيوعيٍّ معاذَ الله !ـ ، إلا إذا كانَ باطنيّاً ، أو عضوَ "خليةٍ شيوعيةٍ نائمةٍ ! "، لم تَصِل إليها ال أم آي 6 ولا سي آي إي ، حتى الآن !!يقولُ في مقالةٍ نشرتها له إسبوعية "دي تسايت" في عددها للأسبوع الُمنصَرِم : " أسوقُ مثالاً صغيراً عن التداخُلِ بين العلاقاتِ الأقتصادية والقرارات السياسية . قبلَ بضعةِ أعوامٍ بثَّت ال CNN تَقريراً عن دولة مالي ، يعكسُ حقيقةَ إقتصاد السوق الحُر !

فأقتصادُ هذا البلد يقومُ على دعامتينِ أساسيتين ، زراعةُ القطنِ في الجنوب ، وتربيةِ المواشي في الشمال . وهذان القطاعان يعانيان أزمةً، لأن الغربَ خَرَقَ القواعِد ، التي فَرَضها هو على دولِ العالم الثالث . فمالي تُنتجُ قُطناً من أحسَنِ النوعيات وأرقاها ، إلاّ أنه غيرُ قادرٍ على منافسَةِ القُطن الأمريكي المدعومِ حكوميّاً . ذلكَ أَنَّ الدعمَ الحكوميَّ الأمريكي لمنتوج القطن المحلِّي يفوقُ كُلَّ ميزانية دولة مالي . فماذا يقولُ دعاة السوق الحر ؟ "

ويضيف البروفسور شيشك :" كلُّ هذا يشيرُ إلى أنه لا وجودَ لسوق حر. ذلكَ أَنَّ القرارات السياسية هي ، التي تُحَدِّد قواعِدَ لُعبَة السوق."

أيام عمانوئيل كانط كان هناكَ شعارٌ مُحافِظٌ، في أحسنِ الأحوال،يقول :" إمتَثِلْ ولا تُفَكّر !" وهو ما يُساوي "لا تُفَكِّر ، لها مُدًبِّر !" لكن كانط لم يُجابه ذلك الشعار بنقيضه ، إنما صاغ شعار :" إمتَثِلْ ، ثُمَّ فَكِّر !"

وهو ما يُذكِّرُني ب " رفيق ، نَفِّذ ، ثًمَّ ناقِش!!"

هكذا هي حالُنا نحنُ ، أَيتام الله !! عليكَ أَن تختارَ بين السيف ورفاهية الفكر !!


* كاتب ومُترجم عراقي مقيم في برلين

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter