| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 10 / 2 / 2013 يحيى علوان كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
لممتـازَ الهامس ، لا "المؤذِّن" !
يحيى علوان
(موقع الناس)
لا شأنَ لنا بالأرقام والمَعدودات .. فهي مما لا نُحسنُ التعامُلَ معه ، كوننا جُبِلنا ، بَلْ روَّضنا أنفسَنا ، بدَأَبِ الرُهبانِ وصَبرِ المتصوِّفةِ ، على ما تَجزَعُ الأرقامُ منه وتَحَارُ في كيفيةِ الإحاطَةِ به ...!
ليس بُخلاً بأمنيةٍ وأَمانٍ ، أَنتَ حَريٌّ بها وأَهلٌ لها ، لكنني آثرتُ في هذا المَقامِ أَن أَسلُكَ طريقاً آخَرَ .. أَفسَحُ في المجالِ لِما يَحلو لذاكرةٍ تَقتاتُ على نفسِها ..!
مساءُ الخيـرِ لايبـزك ،
مساءُ الخيـرِ شارِعَ الطَلَبَـةِ ( 18 أكتوبر ) ،
DHFKمساءُ الخيـرِ طَلَبَـةَ
معهـدِ الريـاضَـةِ الهنـود ، نواطيـرَ الصـدفةِ ، يَهُشُّـونَ ذُبـابَ الوحشـةِ ... مُسَـمَّرينَ فـي الشبابيكِ ، يُعاكِسـونَ الشقراواتِ : " كَدَرْ جيكـا ؟ خَبَرْ دارْ ؟! "
مساءُ الخيـرِ سـَكَنَةَ " 18 أكتوبـر " ، يمتطـونَ غـرائزَ "الشرقِ " ،
يُعَـوَّضـونَ بهـا حِـرماناتِ مُـدُنٍ ، بَخُلَتْ عليـهمْ بنسـاءٍ يُقَطِّرُهُنَّ عَـرَقُ شـهوَةٍ مقمـوعةٍ .... ،
مساءُ الخيـرِ ، صديقَ العمـرِ ، وما بَقِـيَ بـه مِـن فُضْلـَـةٍ ،
مساءُ الخيـرِ ، أيهـا الساكنُ فـي الطابقِ الخـامِسِ بالبيتِ (7)
غـرفـة 353 ،
عـمْ مساءً !
هَيَّـا بنا ممتاز ! فَوَربُّ الألمـانِ إستَبَدَّ بنـا العطَشُ لبيـرةٍ بـاردةٍ ، هَيَّا بنا لمنْزا كالينين ، ولا تَقُـلْ لـي مَنْزا بيترشتاينفيغ !! لأنَّ فيـرا " التاكسي " ، التـي سيكونُ لهـا شأنٌ فـي ألمـانيـا لاحِقـاً ! ، ستكون قـد فَكَّكَتْ أزرارَ أُنوثتهـا ونَصَبَتْ شِـباكها بعـدَ العشاءِ هنـاك ...! وحتـى مـانوئيللا ! ستكـون فـي الشارِع عنـدَ المـنـزا تصطـادُ ما تَلفِظـه المحطـةُ والحاناتُ من سكـارى ... دعنـا نروحُ إلـى " كالينين " وبعدها قد نُوَفَّـقُ بفلمٍ فـي سينما " كازينو " !
يرفَـعُ يُسـراه ، إلـى صدره ، يميلُ برأسه قليلاً ناحيةَ اليمينِ ، ويرسِـمُ إبتسـامـةَ إعتـذارٍ خجـولـةٍ ، لأنـه لا يُحسِنُ الرفضَ مـعَ صـديق !
" لا عينـي ! والله اليـوم ما عنـدي مزاج " .
............................
أمـا مَلَلْتَ الإنزراعَ فـي الشُـبّاكِ مثلَ تمثـالٍ نصفـيٍّ ؟! تعـالَ نصعدُ السيارةَ وننطَلِقُ إلـى برليـن ....
لا تُغـريـهِ هذه الفكـرة ، هـو المسكـونُ بِهَـوَسِ الرحيـلِ ، وشـوقِ الترحالِ دومـاً ، لأنـه مشدودٌ مِـن نيـاطِ قَلبـه إلـى لايبـزك ، غـرامِـه الأشـدَّ عنفوانـاً ، فَضَحَتْـهُ نظرةُ مـداراةٍ وخَجَـلٍ أَرْخَـتْ فَكَّـهُ الأسفَلَ وأَبـانَتْ إستدارةَ لسـانه ، حركـةٌ يُطلِقُهـا حين تَشـرُدُ المفردةُ منه ولا يمُسِكُ ببـديلٍ ....
... هـوَ لُغـزٌ مكشـوفٌ ، لكنـه يَتَمَنَّـعُ ، إلاّ علـى الخُلَّـصِ الأقـرَبينَ منْ أَصحابـه !
.. فـي كُـلِّ مـرةٍ أَنصِبُ لـه كميناً ... أصنـعُ لـه " مَقـلباً " ، أُحَـدِّدُ المقاساتِ جيـداً ، لكنـه فـي كُـلِّ مـرةٍ يَفـرُكُ يـديهِ ويَمُـدُّ لِـي لِسـانـه ، مُنتشـياً نشوةً طفوليـةً بنصـره ، مُبقِيَـاً علـى التـوَتُّـرِ كَـمَنْ يتَلَصَّصُ على جميـلَةٍ تَتَعَـرّى ...
.... يبدو لِمنْ لا يعـرِفُه مُستكيناً هادئاً مثلَ فَـخٍ ... بَغتـةً ، وكأنـَّهُ
يستندُ به ، يَضُـمُّ كـَفَّه الأيمن إلـى فَخـذِهِ ، يُفـرِدُ إبهـامه الأيسرَ مـع بقِيَّـةِ الأصـابِعِ فَيُكَشِّـرُ عـن إستهجانٍ ، مصحـوبٍ بابتسامةٍ فاتِرَةٍ ، لا يَفُـكُّ رموزَهـا ، إلاّ مَـنْ عـايَشـه حقَّـاً !!
... وعندمـا يُحِـسُّ أنَّ المُقـابِلَ لا يفهـم ولا يريد ... يَنتَفِضُ " الوحش "
الحبيسُ بـداخلـه ، فَيَنفِضُ يُسـراهُ جزعـاً ، ويَقـومُ ، يتأتِىءُ بشيءٍ غـامِضٍ ، لأنـَّهُ نبيـلٌ ، لا يُجيـدُ الشتيمَةَ والبـذاءة ، حتـى بحـقِّ مَـنْ يستَحِقونهـا ... يَظَـلُّ يَـدورُ داخِـلَ نفسـه ، كـي لا يَبـرَدْ جَزَعه ...
وحينَ لا يَجِدُ ما يتدفأُ بـه ، ولا أنيسَ لـه ، يَـروحُ يُطفَّأُ بَردَه بحريقِ أَعصابه ...
مَـرَّةً ، كانَ ثَمَّـةَ هٌـمٌ عامٌ يعتَصِـره ، راحَ يُقَلِّـبُ فـي الذاكـرةِ ، وفـي أوراقٍ " قديمة " يبحـثُ بينها عـن كنايـةٍ أو توريـةٍ باطنيـةٍ لمـا يجـري ...
قُلـتُ ، يا ممتـاز ! في زمَنٍ مُلتَبِـسٍ كـهذا لا ينفَعُ إلاّ الوضوحَ والصـراحَةَ ....
عواصِفُ السـوءِ والكـذب هَبَّتْ مـن المـاضي والحاضِـرِ ، مـن الصحـاري والجبـال ... ولـم يحتَسِبْ لهـا أَحَـدٌ بمعطفِ ، حتـى من سـوق اللنكـات !!
فاجِـعٌ ، باطِـلٌ .. ما نراه اليـومَ !
كُنّـا نُمسِكُ بِهُدُبِ المُستقبَلِ ، نُؤَمِّـلُ النفسَ أَنَّ ما فاتَ ، قد وَلّـى ..
وما سيجيءُ ، لا بُدَّ يكـون أَحسَنْ ..
... هيهاتَ وألفُ هيهاتٍ !!
..............................
زَلِـقٌ دَفْتَـرُ الندامَـةِ .. لَمْ يكُنْ سهلاً أَنْ نُطفِىءَ مرجَلَ الحروبِ ،
لا القرطاسَ ، ولا القَلَمَ...
فهـذا كَذِبٌ صُـراح !
..........................
كُنّـا ، وما زِلنـا ، ... وسنظلُّ مثلَ "خَلالاتِ العبد"!
كَتَبَةُ الشيطانِ كُثرٌ ... لَهُمُ الكأسُ المُعَلاّ و"دانياتُ"! القُطـوفِ ..!!
يَسلخونَ جُلودَ المفرداتِ والمعاني لِرَنينِ " الليرة " و" لدِفء " حُظنِ السلطانِ ، أَيّاً كانْ !
قَضّينا أَعمارَنا ، نُراوِحُ بينَ المنافي ومَنْبَتِ الذكـرى ، حتى أَزهَرَتِ الوحشةُ فينا ،
والوطنُ يُكابِـرُ بما صارَ إليه من طَلَلٍ وخَطَلْ ..
رُحنـا نَسقي أحلاماً مُرتجَلَةً ، تحرِثُ القلبَ ، بثوراتٍ لا يموتُ فيها أحدٌ ، ولا يَسيلُ فيها
غيرَ عرَقِ الفرحةِ ... وأَمسينا نُغـالي بالحُلُمِ أَنْ نَصحـو ، فَننضوا عنّـا تَعَبَ الأحلامِ
المُرتَجَلَةِ ، ونَنْفِضُ عَن رؤوسنا ضَجَّةَ الحشودِ ...
دون موارَبَـةٍ أو " تَقِيَّةٍ شيعية "! ، إنهـم كَـذّابـونَ ، فالسـاعة الآن هي السابعةُ ومليونِ قتيـلٍ ومليونا مهجَّرٍ وعشرُ ثواني ....
ــ كـذّابونَ ، إنَّهـم محتلُّـونَ بأزيـاءٍ وطنيَّة ... هـمْ مرتَزَقـةٌ بلَهجَـةٍ
عـراقِيَّة ... كذّابون ، نحـنُ لسنا خَـوَنةٌ ... ولا نَحِـنُّ لِصَـدّام ...
ــ كـذّابـونَ ، نَهّـازون ، وصـوليونَ ، نعـرِفهم جميعـاً ، لا يحبّـونَ الناسَ ولا الشهداء ، يُخلِصـونَ لـ"الأَيَـاغِ" فقط !!
... يَهـرَبـونَ ويتركـونَ لنـا الهزيمـةَ ..،
ينفخـون كروشَهم فوقَ مقاعِدِ الـذُلِّ ويتركـون لنـا الخـزيَ ..،
دَجّالـون .. منهمُ الكَذِبُ ، ومنّـا الدمُ والجـوع ..
لهم "فِضَّـةُ" الخيانـةِ ، ولنا وجَعُ النايِ وسَحابُ حُلُمٍ لا يتكَسَّر ..
وإلاّ مَنْ أوصَلَنـا إلى حالٍ نخجَلُ فيه من عراقيتنا ، عندما نُسألُ ..؟!
.............................
مـا زِلنـا قادريـنَ علـى إستحضارِ شيءٍ فـي المُخَيَّلَةِ ، إسمه الوطـن ..، ما زلنـا نحلُمُ بشيءٍ إسمه العـودةُ وفرحـةُ اللقـاءِ بعـدَ بِعـادٍ ...
... ما زلنـا نَنْزِفُ عـاطِفَـةً ، هـي الحنيـن ...
.... أمـا هُـمْ ؟ فكـذّابـون ، دَجّالـونَ ، نَهّـازونَ ، لَغَّـافُـونَ ، مُمالئونَ
فـي أحسَنِ الحالاتِ ... !!
..........................
..........................
حينهـا يَلتَمِعُ بَـريقٌ في عينَيْ صـاحبي ، يَربُتُ علـى كَتِفي ....
فَحينَ يُصـابُ بنَـوبَـةِ إستئنـاسٍ ، يُقهقِهُ عالِياً .... يُسنِدُ جبهَتهُ
براحتـه اليُسـرى ، ويَلُـمُّ بطنه وخِصرَه باليُمنـى .. يَتَكَـوَّرُ علـى
نفسه ، كأنـَّه سيَتَدحرَجُ ... ثـمَّ يشهقُ عميقـاً ، فتَعبُـرُ الشهقَةُ جَسَدَهُ صـاعِدَةً ، كأنَّهـا مُنخَلِعـةٌ مـنْ كَعبـه ...
صاحبي ليس " مؤذِّنـاً "، يؤثرُ الهمسَ بما يعتقدُ وما يرى .. يتطامَنُ معه بسهولةٍ ، يصعُبُ معها عليه تغييرَ قناعته .. ! يتَلَفَّتُ يمنةً ويسرة ، فَيَحضِنُ خاصِرِةَ الشكِّ ، لأنـه لا يَجاهِـرُ بذلك ..!
صـادق يقولُ عنه أنَّه باطنِيٌّ .. في حين ، هو يرمي صادقاً بكُرَةِ الباطنيّـة ... وكلاهما مُحِقٌ ..!
.............................
قَـد لا تُطـاوعه بعضُ " أجـزائه " ، لكـنه لا يتَرَهَّلُ لأنَّ عروقـه مسكونـةٌ بأمانٍ ، غَدَرَ الزمـانُ بهـا ، ونسـاءٍ لمْ يَصِـلْ مَعَهُـنَّ لأبعـدَ مـن فنجانِ قهـوةٍ وثرثرةٍ كثيرة في مقهىً ... هـو هــو ! كمينٌ من التشَـهّي لكـلِّ " لذيذ " !
صُنـدوقُ أَسـرارٍ مُحكَمُ الإغـلاقِ ، فارِسٌ " يتَلـَذَّذُ ويكتُم " دونَ تَنَطُّـعٍ ...
أحياناً ، يُدَنـدِنُ بلحـنٍ ، يَتَمَلَّكُهُ .. حتـى يروحُ يلهَثُ فـي مقطَـعٍ يستوجبُ فيه أنْ يَصعَـدَ السلّمَ الموسيقيَّ ، يصعـده لاهثـاً ، بآخِـرِ نَفَسٍ ....
تَعـالَ ، أُخَيَّ ، إفتَقَـدتُـكَ ... تعـالَ سنسكَرُ ونأكُـلَ أَحسَن الطعامِ الشـواء ،
"نغتابُ!" ... نختَلِفُ ، وقـد نتشاجَرُ .... شريطَـةَ أَنْ نصحـو صباحـاً بصفـاءٍ ، بعـدَ أنْ نبـولَ خِـلافَ السهرة ...! وإلاّ مـعَ مَـنْ نهـزأ مـن كـلَّ الأوبئـةِ ، مـعَ مَـنْ نتبادلُ إلتمـاعَـةَ الفكـرَةِ ....
وحتى " الغِيْبَه!" البريئة ..؟
تَعـالَ نكـرَعُ السـاعاتِ والأفكـارَ ، ونطهـو شجوناً ، حـولَ لُغـزٍ جـارحٍ
إسمه الوطـن ....ونَكِـرُّ حَبّـاتِ المسبَحَةِ عـن خيـاناتٍ وطنيّـةٍ وزوجيّـةٍ ، عـن لَـغَفٍ وقتـلٍ ...،... نسمَعُ حُـلوَ النَغَمِ ونَـرمي زهــرَ الطاولة ....!!
..........................
بعـدَ قليـلٍ سـَيُتَوِّتُ القطـارُ ، يا ممتـاز ، وستأتـي الوحشـةُ ، تُرافِقُني خلفَ نافِذَة القطـارِ ، بعـد كُـلَّ هـذه المتعـةِ ، ولـن يبقـى
سوى جمرةِ التأمُّـلِ فـي مـا قُلنـاه ، ومـا لم نَقُله ... قِناعـاً لفكـرةِ أُخـرى سَنُرضِعُها ، فَتَكبُـرُ ، حتـى نلتقـي ، مـنْ جديـد ....
برلين 26/02/2009