|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  7 / 5 / 2016                                 يعكوب ابونا                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



هل صلب المسيح بسبب اعماله ام بسبب هويته ؟؟

يعكوب ابونا
(موقع الناس)

سُئِلَ المؤرخ الكبير هـ. ج. ويلز عن أكثر شخص ترك تأثيراً دائماً في التاريخ. فأجاب بأنه إذا قيست عظمة هذا الشخص بالمقاييس التاريخية، فإن "يسوع يأتي أولاً حسب هذا الإختيار." وقال المؤرخ كينيث سكوت لاتوريت: "تتجمع الأدلة وتزداد مع مرور الزمن على أن يسوع هو أكثر شخص أثر في تاريخ البشر. ويبدو أن هذا التأثير ما زال يتزايد."...

وقد أبدى إيرنست رينان الملاحظة التالية: "كان يسوع أكبر عبقرية دينية ظهرت. جماله أبدي، وحكمه لن ينتهي. يسوع فريد في كل ناحية، ولا يمكن مقارنته مع أي شخص. لا يمكن فهم التاريخ كله بدون المسيح ."....

ويقول جوش ماكدويل في كتابه نجار واعظم "لـم يمض وقت طويل حتى بدأ الذين عرفوا يسوع يدركون أنه كان يقول أشياء مذهلة عن نفسه. واصبح من الواضح ان اقواله عن نفسه تجعله اكثر من مجرد نبي ومعلـم. لـم يكن هنالك شك في أنه يدّعي الألوهية. كما قدّم نفسه على أنه الطريق الوحيد لإقامة علاقة مع الله والمصدر الوحيد للغفران، والطريق الوحيد للخلاص ..

تعرف موسوعة الكتاب المقدس " الله " هو الكائن الروحي الشخصي الاسمى الكلي القدرة الذي لا تستطيع العقول ان تدركه ، ولكنه اظهر ذاته للبشرية بعمل خلقه وبعمله المستمر في التاريخ وهو خالق كل حياة وحافظها " ..

ويعطينا أ. هـ. سترونج في كتابه "اللاهوت النظامي" تعريفاً لله بقوله إنه "الروح اللامحدود الكامل الذي هو مصدر كل الأشياء وحافظها وغايتها"... فلا خلاف بين المؤمنين بوجود إله واحد. مهندس الكون وخالقه وحافظه .. (( لذلك يؤكد الكتاب المقدس ويعّلم أن العقل البشري لا يستطيــع أن يستوعب الله (أيوب 7:11؛ 2:42-6؛ مزمور 3:145؛ إشعياء 13:40؛ 8:55،9)؛ "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم.") و يقول في رسالة (رومية 33:11-36) "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً أو من سبق فأعطاه فيكافأ لأن منه وبه وله كل الأشياء." ..

نجد في الكتاب المقدس كيف يعلن الله عن نفسه بشخص المسيح ....
"الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخـيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين، الذي وهو بهاء مـجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 1:1-3).

نجد الله الاب يعلن عن ذاته وشخصه بيسوع المسيح الكلمة ، لذلك عندما طلب احد التلاميذ من المسيح "أرنا الآب وكفانا" (يوحنا 8:14)، أجاب يسوع "أنا معكم زماناً هذه مدته ولـم تعرفني...؟ الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 9:14).كمـا دعي بـولس يسوع "صورة الله غير المنظورة" (كولـوسي 15:1). وهكذا فإن النظر والاستماع إلى يسوع بمثابة النظر والاستماع إلى الله تعالى ..."

في الكتاب المقدس اسماء والألقاب للمسيح لا يمكن أن تنطبق إلاّ على الله. مثلا في تيطس 13:2 (منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.) مع يوحنا 1:1،( كان الكلمة الله ) عبرانيين 8:1،( كرسيك يا الله الى دهر الدهور ) رومية 5:9،( الكائن على الكل الها مباركا الى الابد ) 1يوحنا5-20 ( ابن الله ).. (يوحنا 4:1، 6:14) وكلي الوجود (متى 20:28، 20:18) وكلّي العلم (يوحنا 16:4، 64:6، متى 22:17-27)، وكلي القدرة (رؤيا 8:1، لوقا 39:4-55،14:7، متى 26:8-27)، وممتلك للحياة الأبدية (1يوحنا 11:5-12،20؛يوحنا 4:1).

كما نلاحظ بان َيسوع قبل لنفسه العبادة والمجد اللذين لا يليقان إلاّ بالله. غير أن يسوع تلقى العبادة كالله (متى33:14،) و(9: 28 ) كما نجد أنه طالب أن يُعبد كالله (يوحنا23:5، من لا يكرم الابن لا يكرم الاب ) و ( عبرانيين 6:1،. لتسجد له كل ملائكة الله ) و (رؤيا 5 : 10 و12 )- كان معظم اتباع يسوع من اليهود الموحدين الذين يؤمنون بإله واحد حقيقي. عرفوا حقيقة المسيح ولاهوته فاعترفوا به كالله المتجّسد .....

بولس اليهودي ( شاؤول ) المتشدد اعترف ب(يسوع) الله عندما قال "احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" اعمال28:20.

كما نلاحظ عندما سأل المسيح بطرس اليهودي عمّن يكون أجاب: "انت هو المسيح ابن الله الحي" (متى 16:16). اكد يسوع استنتاج بطرس واعترف بصحته ومصدره فقال له "طوبى لك يا سمعان بن يونا لأن لحماً ودم لـم يعلن لك، لكن ابي الذي في السماء." متى 17:16.

قالت مرثا، وهي تلميذة مقربة من تلاميذ يسوع، "أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله" (يوحنا 27:11). رأى المسيح نثنائيل مقبلا اليه ، فقال عنه " هوذا اسرائيلي حقا لا غش فيه " وكان هذا لا يعتقد أنه يمكن أن يخرج شيء صالح من الناصرة. فقد اعترف للمسيح قائلا "أنت ابن الله. أنت ملك اسرائيل" (يوحنا 49:1..)

الشهيد الاول في المسيحية استفانوس أثناء رجم اليهود له قائلاً "أيها الرب يسوع إقبل روحي!" (أعمال 59:7). رسالة الى العبرانيين ( 1 : 8 ) المسيح بأنه الله وذلك بقوله: "وأمّا عن الإبن كرسيك يا الله الى دهر الدهور"..).

واعتراف توما المعروف "بالمتشكك." كحال المتشككين اليوم لا أؤمن الا اجد اثر.." (يوحنا 25:20). "جاء يسوع والابواب مغلّقة قال لتوما: هات اصبعك الى هنا وابصر يديّ وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً. اجاب توما وقال له: ربي وإلـهي! قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولـم يروا" (يوحنا 26:20-29). نلاحظ هنا ان المسيح يعترف ضمنا لتوما بأنه الله فلم يوبخه على عبادته له ، بل وبخه على عدم إيمانه بانه والاب واحد ( الله ) قادر على كل شئ  .

شفى يسوع رجلاً كسيحاً في السبت وطلب اليه أن يحمل سريره ويمشي. فاراد اليهود ان يقتلوه لأنه عمل هذا في يوم سبت. فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبونه أكثر ،لأنه لـم ينقض السبت فقط، بل قال إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله" (يو 16:5-18).

كان قادة اليهود الدينيين يحاولون الايقاع به ففي أثناء احتفالات عيد التجديد بأورشليم، سألوه إذا كان هو المسيح. أنهى اجابته بقوله "أنا والآب واحد" (يوحنا 30:10) "فتناول اليهود حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع: أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين: لن نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف ( لاويين 24 :16 ). فإنك وانت إنسان تجعل نفسك إلهاً" (يوحنا 31:10-32)

فقال"لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً" (يوحنا 19:8)؛ وقال "الذي يراني يرى الذي أرسلني" (يوحنا 45:12)؛ وقال "الذي يبغضني يبغض أبي أيضاً" (يوحنا 23:15) وقال "لكي يكرم الجميع الإبن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الإبن لا يكرم الآب الذي أرسله" (يوحنا 23:5). تشير هذه الآيات على أنه مساوٍ لله. وهو قادر على مغفرة الخطايا كذلك"فلما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بني مغفورة لك خطاياك" (مرقس 2:5؛ وأيضاً لوقا 48:7-50). إن مغفرة الخطايا حسب الناموس اليهودي أمر مقصور على الله وحده، ويوضح ذلك إشعياء 25:43. لـهذا قال الكتبة من يقدر أن يغفر خطايا إلاّ الله وحده" و(مرقس 7:2). فسألهم يسوع أيّما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قم واحمل سريرك وامشِ.مرقس9:2 ...

كما نلاحظ ان المسيح كان يقول "سمعتم إنه قيل في الشريعه للقدماء كذا وكذا ، أما أنا فأقول لكم" فهذا يدل على ان المسيح هو اكبر واعلى من موسى الذي منحهم تلك الشريعة ، والا كيف له ان ينطق بهذا القول، ؟ لو لم يكن هو مُعلِن شريعة موسى وهو الوحيد الذي له الحق تفسير وتوضيح شريعته ، لذلك قال: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" ( مرقس 13 : 31 ) ..

بالرجوع الى وقائع المحاكمة نجد بكل وضوح مزاعم يسوع بالألوهية."فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً: أما تجيب بشيء؟ أأنت المسيح إبن المبارك؟ فقال يسوع أنا هو. وسوف تبصرون إبن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء. فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ قد سمعتم التجاديف. ما رأيكم؟ فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت ...
التأكيدات الثلاثة اعلاه مجتمعه ومنفرده إشارة واضحة إلى كونه المسيّا المنتظر. لقد فهم أعضاء المحكمة اليهودية، السنهدريم، هذه الأمور الثلاثة، لذلك قام رئيسهم بتمزيق ثيابه قائلاً "ما حاجتنا بعد إلى شهود؟" وكلمات فمه أدانته،....

يشرح لنا هـ. ب. سويتي دلالة تمزيق رئيس الكهنة لثيابه بقوله: "لقد حرّم الناموس على رئيس الكهنة أن يمزق ثيابه بسبب المشاكل الشخصية (لاويين 6:10، 10:21)، بل لكي تعبرعن إستهجانه الشديد لأي تجديف بحضوره ، وبهذا أثبت بان المتهم جرّم نفسه فيستحق العقويه . لذا تم إصدار حكم الموت عليه بالإجماع بناء على إدانته على هذه التهمة. لـم يمتنع أحد من قادة المجلس على التصويت بمن فيهم غمالائيل وتلميذه العظيم شاول الطرسوسي الذي اصبح رسول بولس فيما بعد ..

وهكذا فإننا نرى أن هذه المحاكمة غير عادية كما يقول المحامي إيروين لنتون: "فهذه المحاكمة فريدة بين محاكمات المجرمين، حيث إن القضية المطروحة ليست أعمال المتهم وإنما هويتــــــــــــه. تحقيقات الحاكم الروماني معه، والكتابات أو النقوش على صليبه، تتعلق كلها بمسألة هوية المسيح الحقيقية وكرامته.

يقول القاضي المشهور جينور في معالجته لموضوع محاكمة يسوع بأن التهمة الوحيدة الموجّهة له أمام السنهدريم هي التجديف التي بسببها أدين ، المعروف يحاكم الناس في معظم المحاكمات على ما فعلوه، ولكن هذا الأمر لـم ينطبق على محاكمة المسيح." لذلك نجد ما قاله قيافا رئيس الكهنة خير لنا ان يموت انسان واحد عن الشعب و لا تهلك الامة كلها ، يوحنا 11 : 50 ،" فالمسيح حوكم وصلب بسبب هويتــــــــــــــــــــه التي اعلنها لهم بان لاهوته لبس ناسوته ، وهم نكروها، لان خاصته لم تعرفه لان النور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه ..

ومع ذلك يبقى السؤال هل كان المسيح محقا بما قاله .؟؟؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في الحلقة القادمة ..

 

7 / 5 / 2016






 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter