|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  8  /  12 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (5)
العودة إلى فلسفة الأخلاق..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

عندما استخدمَ صاحبنا الأساليب الموضوعية الناجعة مع أهل مدينة الصّمت تقبلّه الجميع واستوعبوه وانسجموا معه وتعاملوا معهُ كأخ وكواحد منهم.

في مُستهلّ الأمر لم يكن في حسبانِ أهل المدينة بأنّهم سيتعرّفونَ على شخصٍ يتّسم بصفاتٍ وخصائص قيادية ومعنويّة وجوهرية من حيث الدلالة والمفهوم في الأهلية والجدارة والكفاءة العلمية، فمن حيث القيادة أستطاع صاحبنا استقطاب الناس إليه وإلى مُجمل توجيهاته ومقولاته الحكيمة النابعة من رؤاه الصادقة ونظرياته المحكمة التي تخدم إيجاد الحلول للمشكلات الشائكة والقضايا المتعثّرة التي تحتاج إلى توظيف الجانب العقلي الراجح والفاعل والمتمكّن في رسم الخطوط العريضة لمعرفة ماهية الخلل والعطل في مثول التحديات التي تواجه الإنسان في حياته، وبالفعل فقد تمكّن صاحبنا من بسط خبرته وتجربته الحياتية المتواضعة إزاء ذلك المجتمع ليخلق منه مجتمعاً رائداً ومتطلعاً إلى أهدافه ومنطلقاته الحياتية من خلال الأعمال التي قدّمها على أرض الواقع والأفعال التي أنجزها على العديد من المواقع التي تتعلّق بالجانب الإنساني والحياتي كالشعور بالمسؤولية الاجتماعية اتجاه الآخرين ومدى معرفة احتياجاتهم ومتطلباتهم وترجمة الأمور النظرية إلى واقع عملي حقيقي يلمسهُ الإنسان ويستشعر نتائجه الايجابية وبالتالي الديمومة نحو الاستقرار المعيشي لحياة الإنسان وبالطبع فإنّ ذلك ينبثق من أخلاقيات العقل الإنساني الذي يتطلّع دائماً إلى منطق التمامية والتكميل نحو وضع الأطر والمرتكزات الرئيسة التي تساعد الإنسان على القيام بمسؤولياته ومجابهة تحدياته ومن ثمةَ السّعي أيضاً إلى إبعاد تلك التحديات عن الآخرين من هنا فإن " العودة إلى فلسفة الأخلاق " تنبئ عن الوعي الحضوري، ونستطيع أن ندعو هذا الوعي بـ"الوعي الشعوري" المنبثق من ماهيّة الفهم الصحيح الذي يخضع الذات الإنسانية للمعاني السامية والنبيلة التي كانَ صاحبنا يتحلّى بها مع جمهوره فليسَ تعامله مع الآخرين كان مَبْنِيِاً بناءً اعتباطياً بل كان منشأه الأخلاق الإنسانية الفاعلة وبذلك تمكّن من غرس الأسس التربوية في الذات الإنسانية ليكون بذلك مثالاً ونموذجاً يُحتذى بهِ لدى الآخرين.

أن مفهوم تجلي الأخلاق الحقيقية لا ينطلق إلا بالعودة إلى فلسفة الأخلاق والعمل على تهذيب الذات الإنسانية من خلالِ التفقّه في الخصال الحسنة والحميدة وبالتالي تكون النفس في محطّ السموّ والرقيّ والكمال الإنساني ومن ثمة أيضاً تنطلق نحو المشاركة في إنجاز شتّى الأعمال على قاعدة أخلاقيات العقل.

نحن في حقيقة الأمر نحتاج إلى دراسة هذا الجانب بكيفيةٍ شمولية تتجه نحو دمج تعاليم الأخلاق في قالب علائقي وتسلسل طرائقي مفاهيمي لخلق نوعيّة ثقافية جديدة ونموذجيّة شاملة تقوم بتهذيب الذات وتنقيتها من الشوائب والترسبات الخاطئة التي تهدف إلى إلغاء الآخر وعدم التفكر في القضايا الفردية والجماعية.

"العودة إلى فلسفة الأخلاق، يعني العودة إلى العقل وضوابطه التي تقود إلى القيم الإنسانية الحقّة التي تمكّن الإنسان الانتقال من الوعي الذاتي الحضوري إلى الاستدراك الموضوعاتي الشعوري المحض بمفاهيم وجماليّات التربية السلوكية في فكرة العلاج القياسي الذي يكمن في تحسين السلوك ونوعية الحياة من خلال التبيؤ مع الظاهرة السيكولوجية في اكتساب المراحل السلوكية الهادفة التي تكمن في فهم منهاج القيم الصحيحة عبر تمركز الذات في دائرة العقل الأخلاقي عن طريق استخدام الحكمة والأسلوب والأداء الأحسن في طرق التعامل الذي يصل بالإنسان إلى غايات السمو والكمال، وبالتالي يكون متقدّماً في المستوى الإنساني والحضاري من هنا يكمن استيعاب الخصائص الأخلاقية والقيمية التي تؤكد على قيمة حياة الغير من خلال تحديد المعايير السلوكية للأخلاق كوسيلة ناظمة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الناس.

إن ما يعمل على نسف المعايير الأخلاقية لدى الإنسان هو وجود عوامل وعناصر سلبية تساعد على نسف تلك المعايير وبالتالي عدم الانتظام في وحدة النسيج الاجتماعي وبالتالي الارتطام بالتنظيم الاجتماعي بحيث يكون هذا النسيج والتنظيم خاضعاً للفوضى والتشتت والتباعد عن بعضه البعض ، أي عدم التماسك بالبعد الأخلاقي وهذا المفهوم يتمثل اليوم في التحديات التي نلمسها أو التي يتعامل بها شريحة من الناس على المستوى الاجتماعي باللجوء إلى استخدام العنف وخلق الفوضى والقذف بالأعراض الإنسانية وتوظيف السباب والشتم عبر الاستخدام السيئ لوسائل الاتصال الالكتروني المختلفة والتي من شأنها العمل على تبديد جوهر الأخلاق وإبعاد مفاهيمه ومضامينه العقلانية والقيمية.

ونحن نشاهد في وقتنا الراهن حجم عمليات الضخّ الهائل من الكتابات والنصوص التي تسيء إلى الأشخاص والشخصيات الإنسانية المرموقة داخل الشبكة العنكبوتية من موضوعات تتضمن السب والقذف ومختلف أنواع الشتائم للانتقاص من الأشخاص أو إسقاطهم أو تشويه سمعتهم ومكانتهم وصورتهم الاجتماعية.

والسبيل للتخلّص من هذه الأمور هو العودة إلى فلسفة معاني الأخلاق لنتمكن من إيجاد الانصهار الاجتماعي التفاعلي والذي يهدف في مجمله إلى الالتقاء عند النقاط الأساسية لخلق فرص التعاون والعمل الجمعي وما إلى ذلك من أهداف وغايات تخدم مصلحة الجميع والمبني على أخلاقيات وتطلعات العقل الإنساني المرموق.

وفي نهاية المطاف لا بأس أن نستعرض على وجه الاختزال بعض نظريات الفلاسفة حول معنى الأخلاق من وجهة نظر فلسفية لكي تساعدنا في التعرّف على الآراء المختلفة والتي تصب في القنوات الرئيسة لتقويم المصلحة الجماعية وتغليب المصلحة العامة على بقية الأمور الهامشية الهشة التي قد تحدث من هنا وهناك.

لقد كان للفيلسوف أفلاطون وجهة نظر حول معنى الأخلاق فهو يرى أن الأخلاق تعمل على كبح شهوات الإنسان، والتّسامي فوق مطالب الجسد بالالتفات إلى النفس والروح وتوجيههما لتحصيل الخير والمعرفة ومحاربة الجهل. أما الفيلسوف أرسطو فيرى أنّ الأخلاق مُرتبطة بسعادة الإنسان التي هي غاية وجوده، فيعرّفها على أنها الأفعال الناتجة عن العقل، من أجل الخير الأسمى، السعادة.
ويرى الفيلسوف الألماني كانط بأنّ الأخلاق مرتبطة بالإرادة النّابعة من عقل الإنسان الواعي، لا من رغبته، ويرى بأنّ التمسّك بالأخلاق وفعل الصواب واجب أخلاقي. أما الفيلسوف جان جاك روسو: يُعرّف الأخلاق على أنها الأحاسيس الطبيعية التي تجعلنا نميّز بين الخير والشر ونتفادى ما يُلحق الأذى بنا وبالآخرين، ونميلُ إلى ما يعود علينا والمجتمع بالنفع، وهي ما تُميّزنا عن باقي الكائنات الحيوانيّة. تلكم كانت بعض النظريات والآراء حول معنى فلسفة الأخلاق تحتاج منا إلى إعادة دراستها وتوظيفها في الجانب الاجتماعي ومن ثمة ترجمتها أيضاً على أرض الواقع لما تحمل من أهداف ومضامين سامية تسمو بالإنسان نحو الكمالات الذاتية للإنسان.


 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter