|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  7  / 3 / 2023                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عن مجتمع الفرجة..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

يتواجد هذا النوع من المجتمعات في مواقع خاصة كارتياده المجمعات التجارية الكبرى وصالات العرض ودور الأزياء والسينما وساحات ملاعب كرة القدم الشاسعة وغيرها من الأنشطة التنفيسية التي تتجه إليها الأنظار دوماً فهي خير شاهد على خلق مجتمع مشدود ومشدوه للفرجة والتفرّج على الآخر والنظر إليه بشغف، فالإنسان المعاصر كما يبدو لا يهتم بأناقته وطراز مظهره وجماله إلا من أجل استقطاب مجتمع الفرجة spectateur ، لقد غدت أنظارنا في وقتنا الراهن تتّجه نحو الآخر من أجل تقييم نجوميته أو نوعية هندامه ومستوى أناقته الظاهرية فحسب Representation التي غدت الآن محط اهتمام لدى الشركات العالمية الكبرى والمتخصصة في صنع الأزياء والموضات والاكسيسوارات وتحسين مستوى المظهر الخارجي للإنسان بما في ذلك عمليات التجميل والترميم والتحويل لهيئة الإنسان وإظهارها في شكلٍ ثانٍ تلفت الانتباه وتستقطب الأنظار لتكون محط اهتمام وصنع للفرجة، بحيث يتفرج عليها الآخر خالقةً بذلك منظومة فكرية وتفكيريه تندمج فيها كل أحاسيس ومشاعر الإنسان بالتذوّق والافتتان والتلذّذ.

فمجتمع الفرجة اليوم هو مجتمع يحيى فيه الشيء مفوضاً بديله وصوره عنه. انه المجتمع الذي يستبدل فيه العالم المحسوس بمقتطف من الصور التي توجد فوقه، والتي تقدم نفسها على أنها هي المحسوس بلا منازع، في مثل هذه المجتمعات يغدو العالم صوراً وأشكالاً وهيئات جمالية ينصبُّ الاهتمام إليها، كما يصبح الإنسان فيه مشاهداً متفرّجاً، ولعلها أهم منظومات وصناعات ومنتوجات عالمنا المعاصر، ذلك العالم الذي أصبح فيه " كل شيء يباع ويشترى، أي سلعة والفرجة بالضبط هي اللحظة التي تحقق فيها السلعة، احتلالها الكلي للحياة الاجتماعية. فليست الماركات كالاديداس والنايك والباما منتوجات نستهلكها، ولا هي مجرّد صور نراها أنى اتجهنّا بأنظارنا إليها، أنها عالمنا المعاصر الذي نعمل فيه من أجل تقويمها وترويجها ومن ثمّة تكوين مجتمعاً تنصب كل اهتماماته وغاياته على أساس ومبادئ مظهر الإنسان الخارجي.

لقد غدا الإعلام المعاصر أيضاً في وقتنا الراهن يتجه إلى البحث عن الهيئات والجماليات بتركيزه بالدرجة الأولى على هذا المنحى الذي يستطيع من خلاله مخاطبة وإقناع الجمهور بصحة المعلومة والخبر من خلال المؤثرات والديكورات التي يوظفها ومن ثمةَ السيطرة التامة على أكبر قدر ممكن من الشرائح الاجتماعية، ولربما نمط التسويق الدعائي للبضائع التجارية يكمن في هذا الصدد وبدأ ينحو هذا المنحى باللجوء إلى الكاريزمات الإعلامية الجمالية التي ينشدُّ إليها الجمهور من حيث التوجيه بالأسلوب الكلامي والتفخيم الإعلامي وتطريزه بأدوات الإقناع والاستقطاب التي يتحلى بها المتحدث إلى المخاطب من أجل الإثبات لصحة وسلامة ما يذاع.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter