|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  7  /  3 / 2022                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (9)
التمكين
Empowerment

يونس عاشور *
(موقع الناس)

لقد أشار صاحبنا على ذلكَ الرّجل التائه الذي قد وَفَدَ عليهم في الغابة جملةً من المفاهيم التربوية والثقافية والفكرية التي تعمل على " تمكين الإنسان " في تجاوز المشكلات والمعضلات الحياتية، من هنا فإنّ مصطلح التّمكين Empowerment الذي قد طرحناه للتوّ بدأ يشقُّ طريقه بشكلٍ مُطرد في القاموس الإداري المعاصر علماً بأنّ المصطلح الآنف الذكر هو نظرية حديثة نسبياً حيث ينصبّ في المجال الاجتماعي العام فهو يتمثل في كونهِ يرتبط بعملية تفويض كاملة وممنوحة لدى الشخص Delegate في كيفية اتخاذ القرارات ومعالجة كافة المسائل المتعلقة بالعمل ذاته لأنه من الناحية البراغماتية يكمن في التدخل الموجّه نحو الموارد Resources وخاصة في مجال العمل الإداري والتربية المدنية والتعليم المبني على أسس النظرية المعرفية التكاملية التي تهدف إلى خلق حالة من الانطلاق نحو التطلعات للأهداف والغايات المراد تحقيقها في ميدان العمل الاجتماعي، كما أنّ التمكين يساعد على الشعور بالمسؤولية والاستقلالية الذاتية للفرد وجعله في حالةٍ من الديمومة والنهوض للاستشعار بقيم المسؤوليات الملقاة على عاتقه سواءً كانت ذاتية التحفيز أو توجيهية التركيز الاجتماعي أو غيره مما قد يتلقاه من الأجيال الأخرى الهادفة والفاعلة في تحقيق منظومة المشاركة الجماعية الشمولية التي تدأب في خلق تصورات وتدعم رؤى ومشتركات منهجية لتحدد قواسم وسمات فلسفية قاطعة تُبنى عليها سلطات فاعلة تقوم بسيرورة تحقيق الأشياء على أرض الحدث والواقع بشكل مستشري في إحداثيات مفاهيم العمل الجمعي لإتاحة الفرص للمهمّشين للمشاركة في مختلف الأعمال الهادفة لخلق من أجل تحريك الأفراد والمجتمعات ومن ثمةَ بناء الكفاءات والكفايات المؤهلة أو القدرات والدرايات المقنّنة التي تسهم أيضاً في وضع الحلول الناجعة وتَذْلِيلُ الصعوبات لإتاحة الفرص والدخول الآمن اليقيني بكيفية مهنية تساعد على رسم الاستراتيجيات المحققة لاكتشاف الأخطاء والعثرات ومن ثمة مجاوزتها عبر وضع جدول زمني ينبعث من الطاقة الايجابية لمفهوم التمكين الذاتي والاجتماعي.

إن أهم عنصر نحتاجه اليوم هو مجال التمكين المعرفي الذي يشكل محوراً اساسياً في عملية تقويم الجوانب التربوية والثقافية والفكرية وذلك من خلال توظيف الجانب الفلسفي أيضاً فهو يتطلب منا استدعاء وحضور بين المسائلة والنقد وإعادة المراجعة للمسائل الفكرية التي اتخذت مناحي خاطئة من حيث الإهمال والوقوع في الأخطاء وتشتيت ذهني لمنظومة صياغة المفاهيم التربوية والثقافية والفكرية وما أحوجنا في وقتنا الراهن إلى ممارسة عملية التفكيك لشتى المسائل المتشابكة والتي قد تداخلت مع بعضها البعض وأصبحنا إزاءها بين مفترق طرق وما نراه اليوم من تأخر للأجيال إنما ينم عن ضعف الحضور التمكيني لهم في شتى المجالات التي تبدأ من الجانب التربوي والسلوكي لتنتهي بالجانب الإداري الشمولي الذي يطال كافة المستويات والبرامج المختلفة وذلك لا يتحقق إلا بالمراجعة النقدية الهادفة، بإعمال منهج التفكيك وإعادة البناء والتركيب لماهية الأسس والمنطلقات التي تستوجب قبول النقد بروح رياضية ومهنية تقبل المنافسة والحوار القائم على منهجية المرونة والاتزان والحكمة البالغة والعقل والمنطق وتلكم هي الأسس والمباني التي يُبنى عليها التقدم والنجاح.

إن أهمية التمكين تكمن في تحسين جودة العمل المراد تحقيقه وإخراجه النهائي فعندما تُمنح الصلاحيات الكافية آنئذٍ تتحقق النتائج المرجوة بشكل إيجابي يؤثر على سيرورة العمل الإداري بالتالي ينتقل من حالة التشتّت إلى وضعية الثبات والتغيّر ومن الرتابة إلى التطور الوظيفي المتكامل الذي يخرج من دائرة الدوران الوظيفي الرتيب إلى رفع مستويات الإنتاج الجديد كي يعزز الثقة والتعاون واحترام الذات بين الموظفين ومرؤوسيهم من هنا فإن استدامة التطوير تنبعث من روح الاستقلالية في اتخاذ الإجراءات والقرارات الإدارية بشكل يتناسب مع التوجهات والغايات للمؤسسة في تجلي سلطتها وجدارتها وأهليتها في الإنتاج.

ننتقل إلى سيرة الرجل التائه المكنّى بأبي دولامة الذي قد وفد على الشيخ المُسن وصاحبنا في الغابة حيث أنّ صاحبنا قد عَرَضَ على هذا الأخير بأن يكون مخيّراً في مرافقتهم واللحاق بهم بعدما تعرّفوا عليه ونشأت بينهما وبينه أواصر أخويّة وطيدة يعود ذلك الفضل إلى صاحبنا في استخدام الأساليب الناجعة لاستقطاب أبي دولامة وجعله يختار اللحاق بهم ومرافقتهم في مسيرتهم.

لقد تَمَحْور حديث صاحبنا هذه المرة عن كيفية الخروج والرحيل إلى موضعٍ آخر لمواصلة طريق النُصْح والإرشاد والتبليغ وممارسة دور التفقيه والتمكين المبني على أسس فلسفات العقل المتمثلة في (مبادئ الأخلاق وتوضيح ماهية الحقوق والواجبات وإرساء مفاهيم العدل والقانون والمقتضيات الرئيسة لاستقرار حياة الإنسان... الخ).

إنّ كل معنى من هذه المفاهيم الأنفة الذكر يتضمن شروحات أخلاقية وفلسفية تحتاج إلى توظيف مبادئ البحث العلمي والمعرفي الذي يشكل نوعاً من أشكال الوعي الإنساني المُتَمَثل في منظومة القيمِ والسلوك التربوي الذي يدفع بالإنسان نحو التعايش مع الآخرين على أساسِ السلم الاجتماعي.


 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter