|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  3  / 8 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أهميّة المنَاهِج والبرامِج التّدريبية في التّمرحل الوظيِفي.

يونس عاشور *
(موقع الناس)

من خلالِ المُتَابَعَات والمُراجَعَات للدّراسات ذات الشأن الإداري وفي المنهجِ الإداري خاصّة الذي قد درسناه في المراحل الأكاديمية وفيما يخص منهج التّطبيق العَمَلي (Approach to the practical application) في الحياةِ العَملية فقد ارتأينا في إعدادِ دراسةٍ موضُوعية تعنِي بأهميّة المناهِج والبرامِج التدريبية في كيفية التّمرحل الوظيفي للمسار الوظيفي بل وأهمية تفعيل برامج التجريب والتّدريب والتنفيذ لتأهيل الموظّف تأهيلاً مِهنياً وفق الشرائط التي تخضعُ لسيرورة التّطبِيقات والتّخطيطات الدراسية والعملية لجعل الموظف يرتقِي ضمن السلّم الهَرَمِي الوظيفي، ومن ثمة حصول التّمرحل الوظيفي التراتبي Hierarchical الذي نحنُ بصددهِ حتّى يتسنّى لنا الوصول إلى مراتبهِ ورتبهِ العليا على قاعدة فهم المُدْخَلات والمُخْرَجَات وكيفية استِيعاب المُمَارسَات للمسارات والسياسات الوظيفية.

وفي هذا البحث الذي اعتمدنا فيه بشكلٍ أساس على دراسة الأستاذ أحمد الكردي لأطروحته القيّمة تحت عنوان " أهمية ربط المسَار الوظِيفي بالتّدريب "، وذلكَ لاستكمال حلقة الوَصل التي ينبغي على الموظف الالتزام بحيثياتها حتّى يستطيع قطع المسافة التي تفصل بينه وبين المناهج والبرامج التدريبية التي تقوم بنقلهِ نقلةً نوعيةً وكيفية، قيمية وتراكمية في عالم الأعمال القيادية والإدارية منها بما يحقق له إحراز المراتب والمناصِب التي يطمح في الوصول إليها.

ومن خلالِ التّجارب والمكاسِب المَعرفية المُتواضعة في هذا الحقل قمنا بوضع دراسة تكون مدخلاً لكيفية التّمرحل الوظيفي الناجح على قاعدة إعمال البرامج التدريبية المختلفة، نأمل أنْ ينالَ البحث مُشَارَكة فعّالة من قبلِ الجهات والهيئات المختّصة.

من المعلوم أنّ الإنسان دائماً ما يتطلّع إلى صيرورة التغيير (The process of change) وسيرورة التطوير الذاتي (Self-development process) وذلك من أجل إحراز الرّقي والتّقدم والنّجاح الذي يكمُن في جعلِ الإنسان ذو مراتب ودرجات أو في مناصب وغايات سامية يستطيع من خلالها موضعة ذاته أو إبراز كفاءاته وقدراته ضمن مُستَويات عملياتهِ الإجرائية التّواصليّة التي تتجلّى في المسار العملي الزمني عبر تراكم الامتيازات الوظيفية التي تتّسم بالرؤية والتّجربة أو بالفاعلية والخبرة التراكمية التي يدأب ويتطلع إليها الموظف في الانتقال النوعي والكيفي والكمي ولعل هذه المفاهيم هي التي تحقق للموظف التقدم والنجاح والسمو والفلاح نحو إحراز المكاسب من تلك المناهج التي قد استوعبها وعمِل على تفعليها وتطبيقها ضمن برنامجه الزمني للأداء الوظيفي التقني . وما يُلاحظ على كثير من الموظفين العاملين وخاصةً الإداريين منهم حيث أنّ شغلهم الشاغل هي الرغبة الملّحة في الوصول السريع إلى المناصب والمستويات الإدارية العليا دون النظر إلى حقيقة وجوهر ومتطلبات هذه المناصب والإدارات بما يخدم المصلحة العامة من هذه المواقع الحسّاسة فالانتقال السريع من النقطة (أ) إلى النقطة (ي) لا يحقق الهدف المنشُود والمردود دون المرور والعبور على بقية النقاط التراتبية والاغتراف من معينها العلمي والمعرفي للمنهج الإداري التّوافقي الذي يرتكز على إعمال المناهج والبرامج التدريبية في الحقل الوظيفي حيث أنّ هذا العامل يشكّل المُحور الجوهري في كيفية إتقان ومعرفة إدارة أساليب الإدارات التقنية المختلفة أمّا إذا لم يكن هُنالك تجارب وخبرات تراكمية فإنّ هذا النّوع من العمل سيكون مآله إلى الفشل والتقهقر الإداري الذي لا يجلب إلى المؤسسة أو الشركة سوى التراجع عن أهدافها وطموحاتها الحقيقية وبالتالي الخسَارة وعدم الربحية والمنفعة المرجوة ولعل الموظف الإداري الذي ليس له هدفاً أو تطلعاً سوى الوصول إلى المراتب والترقيات الوظيفية دون جُهدٍ يُذكر فإنّ هذه الخاصيّة لن تحقق له المصلحَة العامّة التي من شأنها أن تخدم الأهداف والأبعاد التكامليّة لمفهوم التّمرحل الوظيفي Career progression عبر المسار أو الانتقال المهني التنظيمي والتنفيذي.

من هنا نريد أن نتحدث عن أهمية هذا الجانب " المسار والانتقال الوظيفي" داخل بوتقة المؤسسة أو الشركة أو الهيئة العملية بالنّسبة للموظف لما له من مؤثرات وتأثيرات ايجابية تساعده على ممارسة عملية التغيير الوظيفي ومن ثمة إكسابه أيضاً بالخبرة والتجربة العملية التي تتيح له التأهيل لتقلّد المهام الإدارية.

في البدء علينا وضع تعريف لماهية المسار الوظيفي (Career Path) الذي ربما قد يغيب معناه عند البعض من الموظفين دون دراية معرفية بأهمية هذا المسار الهام.

من خلال البحث والاستثمار القراءاتي عثرنا على عدة تعاريف منهجية لماهية التمرحل الوظيفي وبالاعتماد على الدراسات التي استطعنا من خلالها الكشف عن ماهية هذا التعريف فيمكن لنا القول بأنّ المسار الوظيفي يرتكز على المسلك الذي يوضّح مجموعة الوظائف المتتابعة التي يتدرّج فيها الفرد أو ينتقل إليها خلال عمره الوظيفي في المؤسسة، وذلك إما عمودياً عبر المستويات التنظيمية أو المعطيات الترشيدية من قاعدة الهيكل التنظيمي حتى قمّته وتسمّى هذه الحركة بالتّرقية (Promotion) ، أو أفقياً فتسمّى بالنّقل الوظيفي الأفقي Lateral transport، فالتّوجه المُعاصر في رسمِ المسارات الوظيفية لم يعد يقتصر على عدد الوظائف الرأسية التي ينتقل إليها الفرد عن طريق الترقية عبر الهيكل التنظيمي (Organization Chart)، ولم يعد مفضلا الشخص الذي يحصر نفسه في مجال تخصص واحد وينتقل ضمنه من وظيفة أدنى لوظيفة أعلى فقط، فالمطلوب الآن شغل الفرد لوظائف متعددة ومتنوعة رأسياً وأفقياً، فهذا التنوع يكسبه مهارات متعددة وقدرات مختلفة، فتنوع الخبرة هي السّمة الأساس المطلوبة في الموظفين في الوقت الحاضِر وانطلاقاً مما سبق يمكننا أيضاً تعريف المسار الوظيفي أيضاً بأنّه مجموعة الخبرات والتجارب والقدرات المرتبطة بالعمل والتي تمتد عبر حياة الفرد، وتشمل الخبرات الوظيفية كل المراكز الوظيفية وخبرات العمل ونوعيات المهام.

أن الاقتصار على نوع معين من العمل لا يجلب النظرة الكافية والفكرة الوافية للفهم الإداري الشمولي من هنا يأتي دور الرئيس أو المدير الذي يتموضع في دفة القيادة المركزية الإدارية العليا بالنّسبة للشركة حيث يتوجب عليه إيلاء الأهمية البالغة لجعل الموظف يكتسب المناهج والبرامج التي تؤهله عملياً من أجل إحراز المراتب والمكاسب الإدارية المختلفة عبر توفير الحوافز التي تجعل منه مندفعاً ومتطلعاً نحو العمل بكل رغبة وتوق ولعل الاجتماعات الدورية المختلفة وإتاحة الحوارات النقاشيّة المُتَعدّدة بين المدير وموظفيه تخلق حالة من الثقة والتفاهم بينهم جميعاً بما يحقق الولاء للجهة التي ينتمونَ إليها بمزيد من الإخلاص والاندفاع العملي نحو الأعمال التي يُكلّفون بها.

ويعتبر التمرحل الوظيفي أو المسار الوظيفي من الموضوعات الإدارية الحديثة التي طرقها الباحثون والمتخصّصون في هذا الجانب، وتشير أدبيات الإدارة إلى أن الدّراسات ورسم السيّاسات الإدارية في هذا الموضوع نادرة، فلم يحظ بالاهتمام الكافي إلا متأخراً، مقارنةً مع باقي الموضوعات الإدارية والسلوكية والتي أصبحت متخصصّة وذات استشعاب أيضاً، وذلك على رغم وجود المسارات الوظيفية في الواقع العملي منذ أن عرف الإنسان الأعمال في مختلف المجالات والاتجاهات.

نحن اليوم نسمع عن الكثير من الموظفين ممن يُعانونَ ويسأمون من مسألة الروتين الوظيفي بحيث لا يكون هنالكَ مناهج أو برامج تدريبيه لهم بحيث تساعدهم على تحقيق تحسين مستوى أداءهم الوظيفي، وهنا تقع عاتق المسئولية بالدرجة الأولى على الموظّف نفسه أيضا حيث يستطيع من خلال الدراسة والجهد المتواصل من رفع مستواه التعليمي والتدريبي الذي يستهدف تطوير كفاءاته وقدراته بشكل يتناسق ويتوافق مع متطلبات عمله ولا يتوجّب على الموظف أن يلقي باللوم على مسؤوليه من رؤساء أو مدراء وهو لا يمتلك من الخبرة والتجربة الكافية التي تحقق للشركة مصلحة إيجابية، صحيح أنّ المدير أو الرئيس له دور كبير في تغيير عمل الموظف وترقيته بشكل مباشر لكن الرئيس لا يصح له ترقية هذا الموظف دون إيجاد الكفاءة والقدرة الامتيازية على إنجاز مختلف الأعمال بهذا المنحى أو أن يشغله منصباً إدارياً لا ينسجم مع مؤهله الأكاديمي إذا كان متدنياً أو متوسطاً مثلا، فالموظف باستطاعته أن يفرض نفسه عبر إحداثيات عمليات التغيير أو التطوير المنهجي الذي يكمن في تجربته وإثبات خبرته في العمل الإداري.

ويمكن لنا الإشارة إلى أهمية ربط المسار الوظيفي بالتّدريب بحيث يكون هُنالك رصد وتحليل للاحتياجات التدريبية وعلاقتها بالمسار الوظيفي والتدريبي للعاملين في المؤسسات الحكومية.

الهدف هو لتحقيق رؤية وظيفية واضحة لجهات العمل والعاملين ممن يتلقون تدريباً أثناء الخدمة إضافة إلى ربط التدريب بمسارات وظيفية مستقبلية للعاملين أنه الأمر الذي يساعد على تحقيق عائد وأثر إيجابي مزمع من العملية التدريبية بما ينعكس إيجابياً على تطوير أداء العاملين وكفاءة العمل بتلك المؤسسات وأيضاً عملية تحديد الاحتياجات التدريبية والمسارات الوظيفية والتدريبية بشكل علمي ومنهجي هو الذي له أهمية بربط العلاقة بين التدريب والمسار الوظيفي:

1. لان التدريب يعتني بتطوير قدرات المتدربين وإكسابهم مهارات ومعارف جديدة تنعكس ايجابياً عليهم وعلى المنظّمات التي يعملون فيها، جاءت الفكرة نحو تنظيمه في المنظمات ضمن إطار مؤسسي يعرف ب "المسار التدريبي للأفراد" والهدف هو: ترسيخ أهمية وقيمة التدريب في حياة المنظمة لدى مراكز القرار من خلال وثيقة "المسار التدريبي للأفراد"، للاستفادة من الطاقات الكامنة لدى جميع أفراد المنظمة، للنهوض والارتقاء بالمنظمة وكادرها. ولذلك فإن التدريب موجه لجميع العاملين على مختلف مستوياتهم التنظيمية وضمن الحد الأدنى المقبول.
2. ترسيخ أهمية وقيمة التدريب لدى العاملين في المنظمة بغض النظر عن تفاوت مستوى تأييد التدريب بينهم.
3. يلزم المسار التدريبي الموظفين/ الأفراد المستهترين إلى المشاركة وعدم التهرّب من التدريب، ويساعدهم التدريب على تغيير نمط تفكيرهم نحو الايجابية بدلاً من السلبية.
4. يساعد المسار التدريبي العامِل/الموظف الخجُول أن يشاركَ في التّدريب لتطوير نفسه من دون أن يطلب.
5. يساعد المسار التدريبي الموظفين/ الأفراد الذين ينسون أنفسهم في غمرة العمل على تجديد معلوماتهم وتنشيطها وتطوير أنفسهم.
6. ومن منافع المسار التدريبي، إنه لكونه موجه نحو كافة أفراد المنظمة ومرتبط بالمسميات الوظيفية لا بالأشخاص، فأنه يمنع المحاباة ويعزز قيم العدالة في التدريب، ويحقق درجة من الرضا الوظيفي تساعد على منع الكولسات (1) أو الشللية ضد القائمين على التدريب أو الإدارة في هذا الجانب.
7. العامل الوطني أو الإنساني: إن تطوير قدرات ومهارات ومعارف العامل/الموظف من خلال التدريب له انعكاسات ايجابية على:

أ‌. البيئة المحيطة به (الزوجة، الأبناء، الإخوة، الأصدقاء، الجيران…)
ب‌. تعزيز مكانته الاجتماعية بالمهارات والمعارف والإمكانات التي تم الاستفادة منها من خلال التدريبات العملية المختلفة.
نحن اليوم بحاجة إلى الكثير من الموظفين القياديين الإداريين الذين يتمتعونَ بالقّدرة المهنية والإمكانية في الفاعلية على إدارة وتنظيم الأعمال الإدارية المختلفة حتى نستطيع دعم هذه العجلة نحو التنمية البشرية الصحيحة بما يخدم ويحقق الغايات والأهداف الفلسفية العامة.



مصادر الدراسة:
1- (أهمية ربط المسار الوظيفي بالتدريب). الأستاذ أحمد الكري.
2- (البرامج التدريبية تهدف إلى تطوير الكفاءات) يونس عاشور.

(1) الكولسات - الكولسة : "هو أسلوب يسلكه طرف أو أطراف من داخل المؤسسة، لتوجيه آفاق اللقاءات والتجمعات، والتحضير المسبق الخفي مع الأفراد المعنيين للتأثير على النتائج التي يمكن أن تؤول إليها القرارات سواء في المواقف من القضايا المستجدة أو المشاريع الإستراتيجية أو تشكيل الهيئات أو الترشيح لتولي المناصب والمسؤوليات..".
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter