|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30  / 4 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

النسق الفلسفي والاتجاه البنائي المعرفي في نظرية غاستون باشلار

يونس عاشور *
(موقع الناس)

غاستون باشلار هو أستاذ الأساتذة وفيلسوف الفلاسفة لدى الفرنسيين ما بين العام (1962-1884) كما يُعد من أكابر الفلاسِفة الظاهريين في حقل الدراسات العملية الإبداعية من زوايا المنهج الظاهراتي، كما يصفهُ أحدهم كما كانت أطروحاته تتّسم بقوة معنَى النّصْ وأصالةِ العرض لموضوعية الموضوعات ومتانة طرح الطرح في التّنظير المَعْرفي بتعدّد مسارات المناهِج الصادرة عن تنوّع منظوماتهِ الفكرية والفلسفية، ولقراءة نصوصهِ يجب التركيز والمراجعة لأنّ المصطلح يوظفهُ بمداخل متباينة ظواهريا وتجريبيا وعقلانيا ومثاليا وإيقاعيا وتحليل_ نفسانياً... إلى حد أنّ باشلار يشير في مؤلفاتهِ إلى ضرورة تأسيس منهج خاص بالقراءة. ومن جملةِ ما كانَ يوصفُ بهِ بالعصرية نسبةً إلى العصرنة (Modernization) التي كانَ يحاولُ تطبيقهَا كمنهج وتدريسها كمذهب شمولي في الحياةِ العامّة بمزيدٍ من التّناول البحثي والتداول المنهجي اللّفظي لبحث من أبحاثه هو في غايةِ الأهميّة الّتي يعتقدُ في أنّها ستشغل حيّزاً كبيراً في جوانب العلم والمعرفة الإنسانية على المنظور البعيد.

الجزء الكبير الذي كرّسه في حياتهِ هو الاشتغال في فلسفة العلوم من أفكار تميزّت في مُجْمَلِها بالمنّحى الابيستمولوجي من حيث كثافة التّوظيف واستمرارية التنقيب المفاهِيمي الجدلي لفلسفة العلوم، هذه تعريفة موجزة عن حياة هذا الفيلسوف سننتقل من خلالها إلى صلب الموضوع فيما يخصّ ماهية النّسق الفلسفي والبنية المعرفية لدى فلسفة باشلار.

يتميّز النّسق الفلسفي في الفكر الباشلاري بأنه ثورة على الفلسفات التقليدية الّتي حاولت التفكير في المعرفة العلمية بطريقة دوجماتية سعت من ورائها إلى استغلال نتائج العلم لصالحها وبالرغم من حجم الوعي الفلسفي الذي كان يتملك باشلار إلاّ إنّه خالف هذا المفهوم بنسقٍ آخر وهو إنّ مسايرة العلم المعاصر يقتضي إبراز القيم الابستمولوجية المتجددة للعلم، من النظرية وليس من الفلسفة وأن تبحث عن آثر المعارف العلمية في بنية العقل القابلة للتّشكل باستمرار، ولا يتأتى هذا إلا عن طريق القيام بتحليل نفسي للمعرفة الموضوعية.

نستنتج من خلال ما تقدّم ذكره بأنّ النّظام المعرفي هو نظام قابل للتوليد والتجديد أو العمل على صياغته بنحو التشكيل والتعديل المنهجي بالأسلوب النّظري الذي يُمكن لنا رسمه حسب ما يقتضيه الشيء أو الموقف الذي نحن بصددهِ من هنا تتجلّى القيمة المعرفية كأسلوب وكمنهج نظري قابل للاستمرار والانتقال من حالته الجمودية إلى فاعليته الوجودية المتجددة دوماً نحو ميادين البحث والاطلاع المنشّطة لنمو المعارف باستمرار وتكرار للنّسق الفلسفي العلمي الذي يوظفه باشلار ضمن منهجه التفكيكي للبناء ومن ثمّة إعادة الإنشاء من جديد من هنا يكمن الاتجاه البنيوي بمفهومه البنائي للمعرفة الناتج عن جميع مستويات التجريبية والتكوينية والعقلانية عبر مراحل التّطور الفكري المُمَنهج الذي يعتمد في طرحه على سيرورات المعرفة ذاتها مبنيةً على التّحليل والتّعليل أو على الآليات والإجرائيات أو الخلفيات والكيفيات السيكولوجية والإيديولوجية والسوسيولوجية والفيزيائية التي تتحكّم في بنية النصّ وإنشائه ومن ثمّة السعي إلى تطويره وبنائه على نحو التواصل الخلاّق المبني على جماليات القراءة والإبداع بمفهوميهما الشمولي.

المعايير والقيم الجديدة في هذا النظام والإتجاه المعرفي في الفكر الباشلاري هو ضرورة تحطيم كل ما هو مبني لإعادة بنائه وفق المعنى التركيبي للمفهوم المركب، بحيث يتحوّل من مقدمات وموضوعات إلى تصوّرات ومفهومات تضفي طابع الشرعية العلمية للنسق الفلسفي العقلاني الذي ينتهي بنا إلى النتائج والمحصّلات أو الخلاصَات والكفايات الظاهرية للتّفسير والتشريح والتي في أساسها تنبثق من بواطن وأعماق إعمال الفكر العلمي لاستخراج نظام معرفي ينشد الاكتمال والنهائية والتماسك الذي ينطلق من التناسق في النشأة والتطور للجانب المعرفي.

والسّمة الفلسفية في باشلار بأنّه لا يفهم حق الفهم إلا بما بعده، وهذا المابعد هو إطاره الحقيقي الذي يتجلّى في باشلار النقد وليس باشلار الحقيقة لأنّ من سمات هذه الأخيرة الانغلاق والنهائية بينما توظيف النقد هو الغائية واللانهائية في الفكر الفلسفي الجديد القائم على الإنفتاح والحضور المتواصل باستمرار نحو منهج حقيقي جديد.

هذه خلاصة متواضعة حاولنا من خلالها عرض وتحليل نظرية باشلار فيما يخصُّ منهج المعرفة كموضوع علمي ينطلق من إحداثيات الصياغة الذهنية والتي حاولنا أيضا توظيفها في هذا العرض الموجز للفائدة والمنفعة.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter