|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  2  /  6 / 2023                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التسيّب الوظيفي وأثره السّلْبي على أداء الإنتاجية في العمل.

يونس عاشور *
(موقع الناس)

من المعلوم إن استمرارية أداء الإنتاج العملي إنما تكمن في درجة تحقيق وإتمام المهام المكونة لوظيفة الفرد ومواصلته العطاء لتلك المهام المنوط به وذلك من خلال سيرورة الأداء المنتظم الذي يخضع للمثابرة والمواظبة وزيادة الفاعلية في الانتاج، وما عدا ذلك يعتبر ضعف وانقطاع وتقاعس وتأخر في عملية الحضور الوظيفي الدائم لزيادة وتحسين الأداء، في حين إنّ المؤسسة أو الجهة العملية التي تتطلع إلى النجاح تحتاج إلى مقومات وعناصر ومكونات تدعم توجهاتها وتطلعاتها كالعناية الدائمة بمؤشرات قياس الاداء الذي يكمن في التحسين والتطوير والفاعلية والتجديد لنشاط الانتاج وبالتالي النجاح المرهون والمرتقب التي تنتظره المؤسسة بما ينعكس عليها إيجاباً في مجال النمو وكسب مقومات القوة الإدارية Administrative Power في تحقيق المنفعة الربحية وخلق المنافسة الممّيزة التي تنعكس على دوافعها وغاياتها خاصةً في مجال التسويق والترويج للمنتجات والصناعات التي يكون من خلالها إظهار الجودة والمقياس والخدمة في المنْتَج الذي سيولد فيما بعد من رحم المهارات والكفاءات إضافةً إلى زيادة ورفع القدرات والطاقات وتكريس الأهداف والقرارات الوظيفية الناجحة لدى الموظفين بما يتلاءم مع احتياجات السوق ومتطلباته.

ومن خلال استطراد هذه الديباجة الآنفة الذكر، أردنا أن نتحدث عن مفهوم التسيب الوظيفي (JOB IDLENESS) لما يشكله من خطر سلبي على المؤسسة أو الشركة او الجهة التي تهدف إلى تحقيق نجاح مستدام على صعيد التميّز الاداري والوظيفي. وخاصةً أن مثل هذه المفاهيم تحتاج إلى مناقشات ومعالجات وظيفية وتربوية وتوجيهية وتوقف لاتخاذ إجراءات مناسبة عملية تكفل لصاحب المؤسسة أو الشركة تلافي الضعف والفشل من خلال هذا التسيّب الذي قد يُلاحظ استشراءه بين الموظفين بشكل مُستفحل في اوساط المهن الوظيفية عبر اختلاق ذرائع مختلِفة يفتعلها الموظف المتسيّب لذاته ولزملائه ولمرؤوسيه عبر تقديم حجج واهية وأكاذيب من سلوكيات لا تمت إلى أخلاقيات المهنة بل تمت إلى توظيف المماطلة والكسل والتغيّب المتكرر والهروب عن العمل تحت ذرائع ليست حقيقية للتخلص من أعباء الوظيفة، فهو عندما يختلق المبررات أي (الموظف المتسيب) حينئذ يريد بذلك استعطاف رغبات الغير لإقناعهم وإرضائهم بمشكلاته، هذا إن كانت لديه مشكلات حقيقية في أصل الموضوع وإلا الجذر الأساس هو عدم الرغبة في تحمّل المسؤولية وتحقيق مفهوم الانضباطية في مناخ العمل اليومي كبقية زملائه المنضبطون وممن يعملون معه بإخلاص وتفان في نفس الحقل والمجال.

إن القيام بالتّصرفات اللامسؤولة حيال الوضع الوظيفي كالغياب المتكرر واختلاق الأعذار التي تساعده في عدم الذهاب للعمل وتسجيل الحضور والانصراف بمساعدة الآخرين دون أن يقوم بأي عمل وكذلك التأخير في الحضور للعمل وعدم الالتزام بالوقت والخروج مبكراً دون انجاز أي مهام، أو ظاهرة الاستئذان بشكل متكرر بحجة الظروف الخاصة وغيرها من الأمور التي تندرج تحت مفهوم التسيّب الوظيفي كممارسة الأعمال الحرّة داخل البيئة العملية، وغيرها من الأعمال الخاصة التي تخص الموظف مما يشل حركة الانتاجية وبالتالي التعطيل الوظيفي والانشغال بغيره خارج النطاق الوظيفي إنما ذلك ينم عن روح الضعف والتقاعس والبلاهة والسلوكيات التربوية الخاطئة التي تساعد على شل قدرات الموظف، وسوف نناقش فيما بعد أهمية معالجة هذا الموضوع بالطرق السلمية والتحفيزية التي تكفل لنا معالجة هذه الظاهرة حيال مثل هذه الازمات الادارية والعملية التي قد تمر بها المؤسسة المعنية وكيف يجب عليها أنْ تتصرّف تصرفاً حكيماً إزاء ذلك الموضوع لكي تضع حداً لمثل هذه التصرفات التي تؤثر سلباً ومباشرة على المناخ الاداري والمالي وبالتالي الخسارة المتوقعة التي لا تحمد عقباها.

إن نتائج التسيّب الاداري تكون جليةً للعيان فيما يخص إلقاء أعباء المسؤوليات والمهام على الاخرين، فهو عندما يتغيّب أو يتكرر في عملية الاستئذان فإن عمله سيقع على عاتق زملاءه الآخرين ممن يعملون معهُ وبالتالي يفقد الوضع الوظيفي توازنه مما يجعل هنالك اختلالات وظيفية Imbalances وتراكمات عملية من حيث تراكمية حجم العمل، فالموظف بدلاً من أن يقوم بعملٍ واحد فحينئذٍ ستكون له عدة مهام ملقاة على عاتقة بسبب عامل التسيب الوظيفي الذي سيتحمله نتيجة غياب أحد الموظفين.

لأنّ هذه الأعباء والمسؤوليات والمهام Tasks ستصبح عبئاً آخر على زملائه بدون أي مبرر يُذكر سوى أنّ هذا الموظف لديه أعذار واهية جعلته يطلب الإذن والخروج المتكرر من عمله وهذا التصرف هو قمة الاستهتار وعدم الانضباط في المجال الوظيفي خاصة إذا كانت قضايا الموظف تافهة أو غير صحيحة ولا يوجد حد فاصل لها.

ولعل السبب الرئيس الذي يجعل من الموظف متسيباً في مهامه ومسؤولياته هو الضعف بقواعد ومستلزمات الوظيفة التي تتطلب منه أداءً وانضباطاً في الحضور، كما إن عدم القدرة في ضبط الوقت يساعد ايضاً في عملية التسيب الوظيفي، من هنا فإن كثير من الأشخاص الذين لا تتوفر لديهم خبرات وقدرات في الحياة تراهم لا يكترثون بمسألة الوقت ولا توجد لديهم إرادة أو قدره في كيفية تنظيم حياتهم اليومية بما في ذلك الشأن الوظيفي الذي يتطلب حضوراً واهتماما بالغاً وقد تسمع من البعض مقولة لا يهمك العمل ولا توليه أي اهتمام.

إن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة (التسيب الوظيفي) تحتاج إلى وعي إداري يتّسم بالنظرة الشمولية لمعرفة خصائص وصفات التميز والتفاضل وعملية الفرز بين الموظفين الناجحين والفاشلين منهم، فعندما يكون المسؤول او المدير قادراً على فهم واستيعاب موظفيه آنئذٍ تتحقق له الرؤية الوظيفية الصحيحة في طريقة التقييم العام للموظفين لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ما يمكن له أن ينظر اليه بعين العقل والواقع وإن المدير الناجح يجب ان تتوفر لديه الامكانية الإدارية في عملية النظرة الشمولية لموظفيه وذلك عن طريق الضوابط والقواعد التي تتوفر في الجانب الإداري الصاعد بحيث يكون هنالك دراسات ومراجعات للجوانب الإدارية فيما يتعلق بنظم التطوير والجودة والذي يستهدف في الأعم الأغلب الأجور والمرتبات والحوافز الإدارية التي تصرفها المؤسسة على موظفيها فمتى ما كانت الأجور متدنية كان هنالك التسيب الواضح والجلي متفشياً في الحقل المؤسسي والإداري من هنا يقتضي على المؤسسة بين فينة وأخرى الاتجاه نحو الاهتمام والمراجعة لهذا الجانب الهام فهو أحد أسباب عزوف الموظفين عن الوظيفة التي قد لا تكون ملائمة من الناحية المادية والتحفيزية إضافة إلى الحوافز التي تتمثل في المكافآت المادية والمعنوية التي تحفز الموظف وتجعله مواظبا ومثابراً بل ومحافظاً على عمله وهذا هو منحى من مناحي استقطاب الموظف وولاءه للبيئة العملية الناجحة فمن الأهمية بمكان إيلاء هذا الجانب أهمية بالغة بحيث توضع الخطط والاستراتيجيات للتغلب على التسيب الوظيفي عبر تفعيل منهجية التطوير الإداري الذي يهدف الى تكريس روح الاندماج بين مكونات عوامل النجاح والتقدم والتي تنعكس إيجاباً على الموظف ذاته حينما يكون هنالك أجندة واضحة تهدف للنجاح المأمول والمرتقب وذلك من اجل تخطي عقبات التسيب الوظيفي وأثره السلبي على الأداء والإنتاجية في العمل.

إن من أهم عناصر استقطاب الموظف لبيئة العمل هو خلق بيئة متكاملة الخدمات توفر مجمل احتياجات الموظف لتجعل منه موظفاً منتجاً وفاعلا ومعطاءً على جميع الصعد العملية، هذا إذا كانت للمؤسسة العملية تطلعات وغايات صادقة اتجاه موظفيها بحيث يكونوا الاستثمار الأمثل لها في عملية التطوير والتحفيز وبالتالي النجاح والتقدم لكلا الطرفين الذي ينعكس على بقية المؤسسات التي تتطلع الى منهجيات التغيير والتطوير الإداري الأمثل في الحد من مظاهر التسيب الوظيفي.

 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter