|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  29  / 7 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أين تكمن الخِبْرَة البرغماتية في المسار الوظيفي؟

يونس عاشور *
(موقع الناس)

من خلالِ ممارسةِ الأعمال الوظيفيّة والإدارية والأكاديمية المُختلفة التي كنّا قد تمرحلنا بها عبر مسارات وتدرّجات وظيفية وإدارية وأكاديمية لِسنواتٍ عديدة، وما قد لمسناه من قصورٍ وظيفي لدى بعض الموظفين الإداريين حيث الاكتفاء بمستوياتٍ إدارية روتينية رتيبة وعدم الرّغبة في الدأب للانطلاق نحو مفهوم التأهيل والتّطوير والتّدريب للكادِر الوظيفي وتزويده بِمُؤهلات وتدريبات وقُدرات جوهرية في المعنى والمفهوم بحيث تساعدهُ على إيجاد قواعد بنيوية أولية لتطوير كفاءاته وقدراته ومساراته الوظيفية ومن ثمةَ الاتّجاه نحو البوصلة لتقلّد المناصب والمراتب الإدارية العليا المتمثّلة في قيادةِ المناصِب ورئاسة المراكز والإدارات المهنية المختلفة، فقد رأينا أنفسنا معنيّين ومُلْزَمين بالحديث عن توظيف عامل رئيسي هام في كيفية تقويم المسار الوظيفي وهو "كيفية اكْتِسَاب وإحراز مفهوم الخبرة العملية".

يتداول الكثير من النّاس مُصطلح "خِبرة" (Experience) أو خَبير (Expert) فَيُقال إنسان عندهُ خبرة أو لديه تَجربة عملية في الحقل الكدائي، والمقصُود هنا هو التّجربة الفنية الفذة التي تنبثق من سيرورة التدريب والتجريب والتنفيذ العملاني الاستراتيجي الذي يستندُ في كلّ الأحوال على قواعد وخلفيات سيرورة الطابع التقني ذي النجاعة الفاعلية والبراعة الهندسية في كيفية إعمال التخطيطات والتنظيمات والتطبيقات العملية والإدارية الصحيحة وتوظيفها في المسار الصحيح. وعلى حد تعبير الدكتور عبد العزيز ساتــي فإنّ الخبرة هي العلم بالشّيء، يقال خبر الشيء إذ علمه وعرف حقيقته، من هذا المعنى العام تعدّدت الاستخدامات فاستُدِّلّ بلفظ الخبرة على كل حذق أو إجادة لمهنةٍ أو عملٍ ما أو تخصص في علم من العلوم باختلافها وتدل أيضاً على طول المُمَارسة التقنية الميثدولوجية وكثرة الدخول في التّجربة المعينة كما ويطلق اللفظ على تراكمية المعارف الوجدانية والأدائية وكمية الإلمام بالأمور الحياتية المُختلفة في ميادين العلوم الانسانية من غير تخصص في علم محدد، والخبير بالشيء: العالم بهِ بصيغةِ مُبالغة، مثل عليم وقدير واستعمل في معركة كنه الشيء وحقيقته، قال تعالى بسم الله الرّحمن الرّحيم (فاسأل به خبيراً) الآية - الفرقان 59-.

ويمكن لنا تعريِف الخبرة من منظور فلسفي آخر بأنّها ثمرة التفاعل والتداخل الذي يحدث بين الإنسان والبيئة، بين الذات والاحتكاك بالخارج، والخبرة هي التّجربة الحيّة التي يعيشها الإنسان في مواقف حياتهِ المُتَعدّدة أو هي عملية تأثير بين الفرد والبيئة حيث يربط بين ما تقوم به من عمل وما يحصل عليه من نتائج فيستفيد من ذلك في تعديل سلوكه والفلسفة التي تقوم عليها الخبرة هي أن الإنسان لا يتعلم إلا نتيجة للتفاعل المستمر مع البيئة واتّخاذ الخبرة أساساً للتعلّم لذلك أنّ التربية الحقيقية تتحقق عن طريق الخبرة.

لقد أصبحت الخبرة في وقتنا المعاصر لها مؤثراتها البُعدية والهدفية على زحزحة المسار الوظيفي والعملي Career Path من صيغته الثابتة إلى سيرورته النافذة بشكل فعّال، وبدون الخبرة يكون العمل ناقصاً لا يؤدي جدواه ومنحاهُ التكاملي الذي يهدف إلى وضع الخيوط العريضة ورسم الاستراتيجيات الدقيقة التي تقوم ببناء منهج إداري يلامس القفزات الكمية والنوعية للخبرات والقدرات الوظيفية ومتى وجدت هذه الأهداف كان لها النّصيب الأوفر والمنهاج الأمثل في إحداث النّقلات النوعية الإدارية نحو التطوّر والسّمو الإداري الخلاّق على أنّه مفهوم يعتمد على الفكر الإداري الخلاق أيضاً، من هذا المنطلق يقتضي علينا أن نولي هذا المنحى إهتمامًا بالغاً على الصّعيد النظري والعملي، والإنسان بدورهِ يجب عليه أنْ يكونَ ديناميكياً ينطلق من مسارات تقنية عديدة واستجلاب أفكار خلاقة جديدة قِوامها التدريب والتطوير أو التجديد والتغيير البراغماتي الهادف إلى بناء مناهج وتجارب تكون بمثابة المصدر والمرجع لكيفية الدخول في مضمار الأعمال الإدارية والتقنية منها. سواء كان ذلك عبر عقد الورش التدريبية المكثّفة أو اللقاءات الحوارية المتلفزَة واستثمارها على ارض الواقع بالاستفادة من وسائل الاتصال وخلافة الذي يسهم هو الآخر في طرح الموضوعات التدريبية المتفرعة في هذا السياق.

إنّ الجمود الإداري الذي يفتقد للخبرة وللتّجربة لا يمكن له خلق منهج قائم على معرفة التحولات القيادية وإيجاد كافة الحلول للمشاكل الإدارية المُختلفة فما هو مطلوب هو تكثيف عقد البرامج والمناهِج الإدارية الفعّالة بأسلوب يتناغم مع مبتغيات العصر الحديث ولعل عقد الدورات التدريبية سواءً كانت محليّة أو خارجية فيما يخص شأن المؤسسة بإمكانها صنع حالة من الثّقة لدى الموظف وبالتالي دفعه إلى الحرص والاجتهاد والتفاني في روح العمل من أجل الإسهام في تطوير أساليبه وبرامجه الإدارية.

أن النّجاح الإداري إنما يتأتى من تلك المواصفات القيميّة كالعلم والمعرفة والتجربة التي يجب أن يتّصف بها الموظف في عمله فالانضباط الوظيفي القائم على روح الإخلاص هو الذي يُساهم أيضاً في تشكيل وصقل شخصية الموظف وجعله ناجحًا على أنّ اندفاعه نحو الأعمال يشكّل توجهاً ذاتياً ينطلق من بواعث الرّغبة في إنجاز الأعمال بمهنية عالية ومن هذا المنحى تتولد سمات الخبرة الناجحة والاتصاف بها.

ويمكن لنا توضيح وتصنيف أهم الخصائص المنميّة للخبرة التي يجب أن نتعرّف عليها من خلال عرض القراءات المنهجية لبحث الأستاذة إيمان محيى عيسى حول دراستها القيمة للمبادئ العامة للخبرات التعليمية والقانونية (1) وهي على النحو التالي:

1- تقوم الخبرة على أساس التفاعل: الخبرة حصيلة التفاعل بين الفرد وبيئته، وهى تقوم على نشاط وإيجابية المتعلم والنشاط هنا هادف وغرض والمناهج الجيدة تقوم على أساس دراسة علمية لحاجات الموظفين ومتطلبات نموهم وأغراضهم ونشاطهم وتفاعلاتهم والبيئة العملية الحديثة تقوم الدراسة بها على أساس النشاط، الذي يعتبر جزءاً من المنهج الوظيفي.

2- توصف الخبرة بالشمول: لا تقتصر الخبرة على الجانب المعرفي فقط، ولكنها تتضمن الجانب الوجدانى والجانب الأدائي حتى تنمى التفكير البناء وتكون الاتجاهات والميول والمهارات المناسبة واللازمة للنجاح في الحياة العملية.

3- توصف الخبرة بالاستمرارية والتكامل: الخبرة التي تكتسبها من موقف ما تقوم على ما قبلها وتمهد لما بعدها لأنها بناء متماسك مع غيرها لذلك فإن عند تهيئة مواقف الخبرة الجديدة أمام الموظفين، ينبغي أن يكون لدينا تصور واضح عن خبراتهم السابقة، حيث نعمل على تصحيحها وتوجيهها، ولذلك نراعى تماسك المناهج وترابطها وتكاملها من درس إلى درس، ومن مادة إلى مادة ومن مرحلة إلى مرحلة، وكذلك ينبغي ربط خبرات البيئة الوظيفية بخبرات الحياة التي يعيشها المتعلم والمتدرب والموظف.

4- الاتجاهات الإيجابي والسلبي منها للخبرة: الاتجاه الإيجابي للخبرة هو ما يحقق نمو الفرد وتقدم المجتمع، أما الاتجاه السلبي فهو الذي يعوق تقدم الفرد والمجتمع، ومن هنا وجب توجيهه الخبرة توجيهاً اجتماعياً لتحقق للفرد إمكاناته وللمجتمع تقدمه ورفاهيته من خلال تكوين القيم والمثل العليا، التي توجه السلوك وتكسبه نوعاً من الثبات. (التجارب ليس لها غاية والعاقل منها في الزيادة).

إذن هذه الخصائص التي عرضناها تشكّل عملية استنساج (Networking) فكري مترابط مع بعضه البعض، ومتداخل مع البنيات الأساسية التي تكمن في توليد الخبرة البرغماتية والقيمية في المسار الوظيفي الفعّال فالمؤسسات والشركات والهيئات والمراكز العملية الوظيفية تبحث عن الموظفين الذين تتوافر لديهم الخبرات والتجارب والقدرات الإدارية الجيدة المستندة على التكتيكات والأساليب والمفاهيم الإدارية الحديثة مما يساعدها على الانطلاق إلى مستويات متقدّمة في الجانب الأدائي البراجماتي.

وفي نهاية هذه المقالة الدعوة إلى التزود بالتجارب العملية الصحيحة بحيث تكون تجارب تراكمية لا تقف عند حدٍ محدود أو أفق مسدود. وقد قيل في هذا الصّدد بـأنّ "لتجارب ليس لها غاية والعاقل منها في الزيادة".


الهوامش:
(1) بحث في (أنواع الخبرات التعليمية) مقدمة من طالبة ماجستير الأستاذة/ إيمان محيى عيسى.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter