|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  29  /  9 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (1)
" العلم بالشيء على قاعدة التفكير العلمي "

يونس عاشور *
(موقع الناس)

لم نكن نعرفُ شخصًا كمثل هذا الشخص الذي قد عرفناه وألفناه مؤخراً والتي تتميّز شخصيته بسماتٍ وخصائصٍ علميةٍ رفيعة وفريدة في نوعها ومضمونها ومحتواها الكمِّي والكيفي من حيث القدرة والفاعلية في تحقيق الغاية والمضمون وترجمة المفهوم إلى معلوم واقعي بما يحمل من مفاهيم ومضامين هادفة وواعدة تعمل على إزالة الالتباس والغموض واستبداله بمفاهيم الاعتبار والوضوح في الرؤية والنظرية المراد بسطها وترجمتها على أرض الحدث ومن ثمّة تبيان ما ينبغي تبيانه وتوضيح ما ينبغي إيضاحه للآخر وذلك من خلال توظيف العدّة العلمية التي تكمن في الاطلاع والنضوج العقلي والإنتاج العملي في آن واللذان يشكلان أهم الخصائص البنيوية في سمات شخصية هذا الرجل " صاحبنا " فهي إلى حدِّ ما سمات قيمية ونموذجية راقية سَنُحاول في هذه الحلقة والحلقات القادمة التطرّق إلى مضامينها وأبعادها الغائية وذلك من خلال سرد القراءة المتأنية التي ستبيّن لنا صفات هذه الشخصية التي أردنا من خلالها تقديم نموذجاً اعتبارياً يُستلهم منهُ الدروس والعبر ومن ثمة الاحتذاء بالأسلوب والطريقة والمنهج في كيفية تشخيص الموضوعات والتحديات التي ربما تلامس وتنطبق على واقعنا المعاصر، وكيف أنّ مثل هذه الأحاديث أو السير قد تساعد في خلق الموعظة والعبرة وأخذ الحيطة والحذر والفكرة الناجعة من العوامل والمتغيرات التي قد تُصادف الإنسان في إزاء هذه الحياة المليئة بالصّراعات والتجاذبات بين الحين والآخر. من هنا يقتضي على الإنسان توظيف مثل هذه الإمكانات والشواهد والمقارنات والفوائد من مثل هذه الموضوعات للاستفادة منها حتّى يتسنّى لنا الخلاص من المأزق أو العائق الذي قد يحيط بنا من خلال المواجهات والظروف الآنية والآتية.

وإذا تطرقنا إلى النّاحية العقلية في شخصية صاحبنا على سبيل الاختزال فهو يتمتّع بنشاطٍ ذهني لا يتوقّف عن البحثْ والمطالعة أو الاستقصاء والمتابعة في التحقيق والمراجعة للأمور الدراسية والعلمية حيث أنّه دائماً يلجأ للقراءة والكتاب والعمل على تنقيح العبارة في أساليب الخطاب، فيحاول الاستفادة من تجارب الناجحين والفاعلين العمليين في الحياة والاقتفاء بمآثرهم وطرائقهم المنهجية الفذة والجامعة لمعاني الحياة الإنسانية، إضافةً إلى ذلك فإنّ صاحبنا أيضاً لديه القدرة المعرفية والتحليلية في تحديد المستويات والمعطيات فيما يخص كيفية التعامل مع المستجدات والحيثيات المختلفة في معرفة الحوادِث والبواعث المتتالية التي تأتي من هنا وهناك وبناءً على تلك التنبؤات والتطلعات لتلك المعطيات والمستجدات كالتحديات الزمنية التي تتعلق بالتداخلات والتفاعلات المتعددة والمتجددة على صعيد الأحداث والأفكار أو التي ربما تتردد من الداخل والخارج إلى كيان المجتمع الواحد، فإن صاحبنا يمتلك الخاصية في تقديم الحلول والمعطيات لكل المعضلات والمشكلات من خلال ممارسة التفكير الهادئ وتوظيف الأسلوب الفعّال الناجع.

وإذا أردنا الحديث عن الجانب العملي لهذا الرجل فهو شخصُ لا يملّ العمل بحيث يسبق ضوء الشمس عند استيقاظه ونهوضه وذلك للانطلاق نحو العمل الدؤوب الذي يحقق إليه التبعات في تذليل الصعاب من أجل رسم خريطة محورية تُحدّد القواسم المشتركة الفعليّة والمعالم المُتّسِقة العقلانية التي ترمي بزمامها نحو بناء الإنسان بناءً علمياً ومعرفياً وثقافياً عمادها الملاحظة والتجريب والصياغة الرياضية والتكميم الحسابي الأداتي القائم على التوجهات والنصائح العقلانية التي تعمل على استحثاث العقل بالنظر في أمور الحياة وكيفية التعامل معها بعقلٍ منفتح ومنتج يندمج مع المكونات الرئيسة لماهية تفكيك ومعرفة الأسس والمرتكزات التي يقتضي توظيفها في المكان والزمان المناسبين، من هنا فإن صاحبنا حريصُ على توظيف الممكنات الذاتية بقدر ما هو نبيه في التعامل مع الإمكانات الموضوعاتية التي تتيح له دراسة الأبعاد والظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها لكي يتسنّى له ممارسة وجودة الذاتي على أرض الحدث والواقع من خلال حلقة الوصل والاتصال بأركان الاجتهاد المعرفي وتوظيفه على أساس الممكن والمنتِج في التعامل مع القضايا الحياتية على أساس العقل العقلاني.

إنّ صاحبنا اليوم يتصدّر الطّليعة.. بحكمته وحنكته.. وقواه العقلية ورؤاه الفكرية المختلفة ذي الأبعاد والمناحي التكاملية من خلال الجد والاجتهاد والعمل والانقياد للمراجعة والمتابعة باستمرار كما اسلفناه والعمل على تصحيح وتفادي الأخطاء التي قد تحصل نتيجة لعمل ما.

إن الكفاءة التي يتمتع بها صاحبنا جعلت منهُ إنساناً ذا مكانة رفيعة ومحترمة بين أوساط مجتمعه مما حضي بتبجيلٍ وتقدير واحترام متواصل بين الناس كلّ ذلك بسبب صفاته الأخلاقية وخصائصه الفكرية التي جعلت منه ذو مكانه مرموقة عند الآخرين ومحط إجماع وترحيب واحترام وتبجيل لكونه يتمتع بصفات نموذجية.

لم يكن صاحبنا يتطلع في مستهل حياته نحو إحراز المناصب والأوسمة والمكانة الرفيعة بين الناس ولم يكن يسعى لأن يكون كذلك، بل على العكس تماماً كان جلّ اهتمامه هو العمل على الاستفادة من علمه ومعارفه وتوضيحها إلى الناس بشكل يتناسب مع عقولهم وأفكارهم وحتّى يصل بهم إلى شاطئ البر والأمان بعزٍّ واستحسان عملي نافع لا يرتجي منه شيئاً إلا العمل في سبيل تطوير الإنسان ورفع مستواه العلمي والمعرفي وإيصاله إلى الدرجات العلا.

كان صاحبنا كثير النصائح والتوجيهات العملانية النافعة لأبناء مجتمعه وذلك من أجل الرقي بهم وجعلهم في حالة من التقدم والازدهار.

فمن ضمن توجيهاته وتعليماته كان يقول لمن حوله:
• أعملوا بجدٍ واجتهاد ولا تيأسوا أو تتقهقروا أمام التحديات، بل غادروا منطقة اليأس واجعلوا الأمل أمام نصبَ أعينكم وان راودتكم العوائق والمثبطات.
• لا تهدروا أوقاتكم في شيءٍ لا يعود عليكم بالنفع..
• لا تجعلوا المصالح المادية تتغلب عليكم وتنسيكم أهدافكم الحياتية..
• تطلعوا إلى الآخر بآفاق رحبة وبنظرة تستوعب أفكاره ورؤاه.
• خيركم من يحاول أن ينفع ذاته وينفع الآخرين من أبناء مجتمعه..
• اخدموا أوطانكم بالعمل الصالح وبنفس توّاقة للعمل على رِفعة الأوطان نحو السمو.
• إن كان هدفكم خدمة للذات الإنسانية فاجعلوا ذلك ضمن المقدمات والأولويات.
• إن العقل السليم هو ذلك العقل الذي تزول منه الشوائب والرواسب المتراكمة عبر تحقيق غايات العلم والمعرفة.

أتذكر بأنّ آخر كلمة قالها صاحبنا قبل أن يغادرنا، هي عبارته الشهيرة " التجارب ليس لها غاية والعاقلُ منها في الزيادة ". فكان يردِّدها كثيراً لمن يأتي لقصدهِ وزيارتهِ وذلك من أجل التوجيه والإرشاد والنّصح والإعداد الجيّد للانطلاق نحو حصاد تلك التّجارب على أساس «التفكير العلمي» وتلك هي القاعدة التي أراد صاحبنا أن ينظّر لها وجعلها في المقدّمات لمزاولة الأعمال المختلفة، وبالطبع فإن التجربة هنا هي التجربة المبنية على أساس تفكيرٍ علمي لا على شكل اعتباطي لا يفي بالنتائج والمعطيات.

 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter