|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  28  /  3 / 2022                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (10)
أهمية احتساب الاحتمالات في تحديد واتخاذ القرارات.

يونس عاشور *
(موقع الناس)

بينما هم يسيرونَ خارج الغابة وعلى سفحِ جبلٍ وإذا يلوحُ لهم في الأفق جزيرة، فاتّجَهُوا نحوها مشياً على الأقدام وبحثاً عن ملجأٍ آمنٍ لأخذ قسطاً من الراحةِ هناك، ومن ثمّةَ مواصلة سيرهم وسفرهم نحو مقصدٍ آخر، وقد كانت رِحْلَتهم هاته محفوفةً بالمخاطر ومليئة بالمغامرات التي واجهوها إبّان ترحالهم وانتقالهم من موطنٍ إلى آخر.
لقد أبصرَ صاحبُنا في بادئ الأمر بشيءٍ ما غريب وعلى بُعدِ مسافةٍ قصيرة، فقال لصاحبيه: ماذا هناك..؟!
فقال أبو دولامة كأنّه كَهْفْ!
لقد اقتربوا إلى ذلك المكان وإذا بحريقٍ هائلٍ يتصاعدُ من فوّهاته، فلاذوا بالفرارِ خَوفاً على أنفسهم.!
هُنا قالَ لهم صاحبنا: توقفا ولا تتراجعا فلربما يهدأ ذلك الحريق أو يتلاشى..!
فقالا أبو دولامة والشيخ المسن لصاحبنا ما تقول..؟!!
صاحبُنا: أقول لكم دعونا نقترب نحو ذلك المكان.!
فَضَحِكَا من قولهِ وقالا له: هل جَنَنْتَ يا هذا؟!
إنّ الحريقَ هنالك هائل، ولو اقتربنا منُه لأحرقنا وأهلكنا.!
وبينما هم يتحدّثُون ويتشاورونَ فيما بينهم وإذا بالحريق يضمحلّ.. فانتابهم العجب لما قد حدث.!
فقال صاحبُنا: ألم أقل لكما إنّ الحريق لربما قد يهدأ أو ينتهي..؟
فأثّرَ صاحبنا في نفوسهما أيُّما تأثير بسبب تكهنّاته وتنبؤاته لمعرفة حيثيات الحدث.!
لقد اقتربوا جميعهم في نهاية المطاف إلى مدخل ذلك الكهف.!
فقالَ صاحبُنا لهم دعونا ندخل هذا الكهف.!
أبو دولامة والشيخ المسن توقف لا داعي للدخول.!
وهل جئنا إلى هنا لكي نلقي بأنفسنا إلى التهلكة ..؟
صاحبنا: أريدُ منكما أن تكونَ لديكما توق في الاستطلاع والإقدام نحو المجهول واكتشاف مكنوناته..!
فتعجّبا أبو دولامة والشيخ المسن من قولة صاحبنا لهما.!
صاحبنا: يقتضي على الإنسان في هذه الحياة أن يكونَ مِقداماً ومتطلعاً إلى مفاهيم الحياة بحيث يتخطّى الحدود والمسافات والقيود في سبر القراءات حتى يصل إلى نظم احتساب الاحتمال في الإمكان على قاعدة بناء الدلالات والمعلومات أو الموضوعات والمفهومات التي تمكّنه من معرفة تقدير الأمور المقتضى إتباعها وانتهاجها بحيث يكون مُتّئِداً بحِكْمَةٍ وصواب في التصويب نحو تحديد القرار الهادف الذي يراه مُناسِبَاً والمبني على أسُسٍ حسابيةٍ ومنطقيةٍ لا اعتباطية غوغائية تنتهي بهِ إلى التخبّط والضياع.
فقالا أبو دولامة والشيخ المسن لصاحبنا: صحيح إنّ الإنسان يجب أن تكون لديه جرأة لكن ليسَ في كل الأوقات، فُهنالكَ ظرف قد يسمح للإنسان أن يكون متصفاً بالجرأة التي تمكنه من اتخاذ القرار وهنالك ظرف آخر قد لا يسمح له بأن يتخذ فيها قراراته وسياساته التي ربما تكون بمثابة مجازفة تؤدي به إلى هلاكه وضياعه.
صاحبنُا: قلت لكما يقتضي على الإنسان أن ينتهجَ منهجَ الحكمة والصواب في اتخاذ القرار عبرَ التأنّي والتطلّع في دراسة أبعاد المجهول بما يناسبه لكي لا يقع فريسةً وضحيةً للتهوّر الذي قد يرمي بهِ إلى التهلكة.
إنّ التأني في اتخاذِ القراراتِ لهو أمرٌ مُهم بالنسبةِ للإنسان، فالتهوّر هو نتيجة حتمية لعدم وجود القدرة على الصبرِ والتأني والحلم والموضوعية والحكمة في التعامل مع مقتضيات الأمور، كما أنّه أيضاً نتيجة للنزعة التسلطية والاستبدادية المُطلقة في الرأي والرؤية والخوف من الرأي الآخر، وتكمن إشكاليته في أنّ نتائجه وعواقبه لا يقتصر ضررها على صاحبه فقط بل يمس الجميع وهو ما يدفع بالمتضررين منه للتّصدي له ولصاحبه من منطلق الإحساس بالمسؤولية والحق المشروع في الدفاع عن الذات أولاً وعن الصالح العام الذي يهدّده التهوّر ثانياً، وبالتالي تصبح العلاقة متوتّرة والأجواء الإدارية مشحونة وقابلة للانفجار في كل الأوقات.
نعود إلى قضيّة صاحبنا فيما يخصّ هذا الاستطراد المختصر عن أهمية التأني في كيفية اتخاذ القرارات.
صاحبنا: لم أكن أتعلّم في هذه الحياة لو لم أكن مقداماً نحو سبر أغوار المجهول بتوظيف منهج الحكمة والتريّث والتصويب العقلاني في مختلف قضايا الحياة وذلك من شأنه أن يُكْسِبَ الإنسان معرفة وتجربة وخبرة عملانية فذّة.
لقد كنت كثير الأسفار وحبّ التنقل والاطلاع والرغبة في اكتساب أكبر قدر مُمكِن من التجارب والخبرات والانتفاع بها حتى يتسنى لي المنفعة من الإمكانيات المُتاحة لدى الآخرين.
غاية ما في الأمر "والقول لصاحبنا" إنّني اقترح عليكما الدخول إلى هذا المكان "الكهف" ولكن بتأنٍّ وحذر..!
أبو دولامة والشيخ المسن: القول قولك يا صاحبُنا ونحن في نهاية المطاف نتبنى رؤيتك وموقفك..!
فقال صاحبُنا لهما: أنا لا أريد إرغامكما على شيء أنتم له كارهون، أريدُ لكما أن تخيّروا أنفسكم بإبداء القبول أو الرفض بهذه الفكرة التي قد طرحتها عليكما إذا كانت تستوجب القناعة واليسر في رأيكما.
لا بأس تقدّم أنت أولاً إلى الداخل، ونحن نتبعك إن شاء الله.!
لقد تقدّم صاحبُنا إلى داخل الكهف ومعه أبو دولامة والشيخ المسنّ وإذا برياحٍ عاصفة تهبّ عليهم من داخل الكهف وقطرات ماءٍ تنبعثُ من كل مكان فتعجبّوا جميعهم وأخذوا يُتابعون السيّر إلى الداخل حتى قطعوا مسافة يسيرة، وإذا بطيورٍ غريبة الهيئة قد أبصرت بهم من بعيد، في بادئ الأمر لم تكن تلك الطيور قد التفتت إليهم، لأنّ صاحبنا وأبا دولامة والشيخ المُسن كانوا يختبئون وراء صخورٍ وأحجار داخل الكهف لكنّهم عند ظهورهم من بين تلك الأحجار تجلت هيئتهم للطيور المتوحشة.
لقد حاولوا جميعهم الهروب والعودة إلى شاطئ البحر للنجاة بأنفسهم من مشكلتهم هاته التي قد ألّمت بهم وقد عاب أبو دولامة والشيخ المسن على فكرة صاحبنا فيما بعد حول ما اقترحه عليهما في اللجوء إلى الكهف.
قال لهما صاحبُنا : تريّثا لدي فكرة ما؟
قالوا له وما هي فكرتك هذه المرّة ؟!
صاحبُنا: سنلقي حصاة باتجاه ذلك العمود حتى نغيّر وجهة الطيور المتوحشة إلى وجهة أخرى.
بالفعل ألقى جميعهم الحصىّ نحو أحد أعمدة الكهف البعيدة هناك وهم يتوجسون خيفةً من تلك الطيور المفترسة، وبالفعل تكللت فكرتهم بالنجاح واستطاعوا الخروج من الكهف والهروب والنجاة بأنفسهم مما قد واجهوه هنالك.
لقد استطاع صاحبنا هذه المرة استنباط قاعدة جديدة وهم في أحلك الظروف تلك القاعدة تمثلت في كيفية معرفة احتساب الاحتمالات(1) الممكنة التي ينطوي عليها تحديد واتخاذ قرارات واعتبارات عقلانية من أجل تشخيص الواقع ومعرفة الهدف المراد استثماره ضمن دائرة معالجة الأمور الشائكة التي تهيئ للإنسان إنقاذ نفسه والخروج به من المأزق الذي قد يحيط به أو يواجهه في الحياة..!
بالفعل كان الوضع مربكاً عندّما خرجوا جميعهم باتجاه شاطئ البحر إلى أن وصلوا إلى هناك، فقرروا الرحيل من ذلك المكان بأمنٍ وسلام.


(1)
مفهوم الاحتمال:
هو إمكانية وقوع أمر ما لسنا على ثقة تامة بحدوثه، ويلعب الاحتمال دوراً أساسياً في الحياة اليومية بالتنبؤ بإمكانية وقوع حدث ما وهو النظرية التي يستخدمها الإحصائي لتساعده في معرفة مدى تمثيل العينة العشوائية محل الدراسة للمجتمع المأخوذ منه العينة، وتنحصر قيمة الاحتمال بين الصفر والواحد الصحيح والصفر للاحتمال المستحيل في حين الواحد الصحيح للاحتمال المؤكد والاحتمال يبحث في ثلاثة مسائل هامة معتمدة وهي:
-1 حساب الاحتمال المتمثل بالتكرار النسبي.
-2 حساب الاحتمال بدلالة احتمالات أخرى معلومة من خلال عمليات مثل الاتحاد والتقاطع والفرق .
-3 طرق إجراء التقدير كالتوزيعات الاحتمالية.


 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter