|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  27  /  4 / 2022                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المناحي الفلسفية الجديدة في تقويم علم المنهج.

يونس عاشور *
(موقع الناس)

1- القدرة العلميّة والفلسفيّة والمعرفية في تأسيس علم المنهج البنيوي.
لكي يتأسّس المنهج البنيوي بمقولاته وموضوعاته أو بمكوناته وتحولاته الموضوعية، يقتضي وجود قُدرات علمية وفلسفية ومعرفية يرتكز عليها من حيث مبدأ التأسيس في إحداث وتوليد سلطة النص ومتانة الأسلوب وأصالة المنهج وتعددية البنيات المنهجية التي تعمل على دعمهِ وتقويمهِ في منحى التكوين والصيرورة، ومن ثمة جلاء سيمياءه وديمومته والاتجاه بهِ نحو تحقيقِ مفهوم التقدم العلمي خاصةً في هذا العصر، عصر التحوّل الرقمي والمعلوماتي والبياني والاقتدار الذاتي المحض في كيفية تشكيل صياغات ميثدولوجية جديدة نستطيع من خلالها افتتاح آفاق علمية جديدة في مجال الرقمنة والمعلوماتية التي تختصر المسافات في تحديد الهدف والمبنى المُراد الوصول إليه والذي يرسمُ صورة الفرد والمجتمع بألوان السُمو والتقدم والرفعة في الجانب المعرفي لِيُصْبِحَ فيما بعد عِنواناً مثاليّاً ونموذجاً عالمياً يُحتذى به لدى الآخرين من حيث أنّه يتمايز تمام التمايز ويتباين تمام التباين عن غيره.

فالقدرة العلمية والفلسفية والمعرفية ثالوث جمعي تكويني وتقويمي بقدر ما هو جهاز مفاهيمي يُبنى على سيرورة إعمال العقل في ميادين الفكر المتجهة نحو سبر الأغوار في الاشتغال والبحث على مباني الفكر وتحولاته الرئيسة وذلك من خلال الدخول على المشاريع الفكرية الكبرى على غير سبق بنبشها وتفكيكها وغربلتها والعمل على إعادة تنظيمها أو تبوبيها وصياغتها في منظومة فلسفية جديدة تفضي في نهاية المطاف إلى خلق منهج بنيوي خلاّق يحقق لصاحبه قدرة وإمكانية فريدة بقدر ما يجلب له معرفة تكاملية وعقلانية جديدة ذات مركبّات مفهومية عديدة كوجود بُنى منهجية تستمد قوتها وفاعليتها ومحضيتها من أركان الثالوث التقويمي [ العلم – الفلسفة – المعرفة] حيثَ أنّ هذه المناحي تعمل على تفعيل المنطلقات والغايات الإنسانية في استحثاث مناحي العلوم الإنسانية فتتيح له الخروج من التماهي في التعامل مع الأفكار الراكدة بصفتها أفكار جامدة أو نصوص منتهية أو خطابات واهية لا تخدم الهدف والمقصد الذي نحنُ بصدده إزاء الأزمات الفكرية المتشعبّة أو الماهيّات الثقافيّة المُتَعَدّدة أو المعطيات الحياتيّة الراهنة والمتجدّدة دومًا على صعيد المُنتج الثقافي والفكري والفلسفي والذي يستلزمُ حضورًا كثيفاً وفاعلاً يعملُ على خلق قواعد وضوابط أو دراسات للمناهج بغيةً في زحزحة الثوابت الفكرية التقليدية العقيمة التي تعيق من سيرورة وفاعلية التقدم على أثرٍ رجعي وقهقري.
والخلق هنا هو الحاجة إلى سيرورة إبداع في كيفية دمجِ وتكوين مناهج وعلوم فلسفية عملانية لإتاحة العقل بأن يمارس حركته ونشاطه باستنتاج أفكار خلاقة وتمحيصاً للمقولات أو نقداً للمفهومات أو دراسةً للموضوعات النظرية في المنحى الإبيستمولوجي للخروج من دائرة التقوقع إلى فاعلية التفلسف القائم على جماليّات الإبداع المنهجي.

إن الإبداع المنهجي اليوم يتمثلُ في حصول الفرد على مكتسبات القدرة العلمية والفلسفية والمعرفية التي تتميّز بالاستفادة من التجارب المُنجَزة والقفز عليها ليس بتكرارها أو نسخها بل بقراءتها وإعادة بلورتها من جديد وخاصةً على صعيد المنحى البراغماتي الذي يترجم حقيقة وماهية المنهج إلى بُنيات عملية تساعد المرء في الانخراط التكويني للمشهد الثقافي أو غيره ومن ثمة رسم الواقع وتحقيق سرعة البديهة في اتخاذ القرارات النظرية وتحويلها إلى منحى عملاني يخدم المؤسسات والهيئات أو النقابات والمراكز العملية التي تعنى بشؤون قطاع التدريب والتأهيل للكوادر الناشئة ومن ثمةَ دفعها نحو الانخراط في طريقة التطوير والتحديث لكيفية توليد معاني الأطر لمباني الأسس المنهجية التي تحتاج إلى دعم ومساهمة من ذوي الشأن والخبرة أو من أهل العلم والمعرفة أو من ذوي الاختصاص في مجالات البحث والترجمة، ذلكم هم النُّخب العلمية التي تنتج مناهج مختلفة ومغايرة وفذّة من حيث تراكمية المفهوم وأصالة الأسلوب وحداثة النص النفعي بتعدد رؤاه ونظرياته المختلفة التي تخدم الطريقة.

2- بواعث الترّيث الفكري في تقويم علم المنهج.
إن بواعث التريث الفكري لمعرفة ماهية تقويم علم المنهج إنما يكمن في وجود حالة سيكولوجية ذاتية سوية من حيث الاتزان والهدوء الحضوري في ممارسة الفكر وحيثياته والوصول إلى بلوغ معاني الموضوعات بالنظرة التكاملية، وهنا يتطلب الأمر استجلاب العامل النفسي الإنطولوجي التفاعلي الذي يعمل على استيعاب المعطيات والكليات أو إدراك الماهيات والمتعاليات الفكرية المختلفة والتي تنشأ بين الذات والفكر والواقع على أكثر من صعيد، من هنا تكمن أهمية التريث الفكري في التعامل مع الأشياء التطبيقية في المنهج وعلم المنهج بتوظيف خصائص خلاقة تعمل على تشكيل العلاقة بين الذات والاتزان السيكولوجي في سيرورة البحث أو الموضوعات الشائكة أو المباني المترابطة أو الأصول البحثية المتفككة للعمل على إعادة تنظيمها ولملمتها في قالب مفهومي واحد على نحو ينطلق من القراءة الذاتية التأملية إلى المعرفة الموضوعية الكلية ومن ثمةَ استيعاب دلالاتها أو إشكالاتها أو مفهوماتها وتحولاتها الفكرية باعتبارها مَدْخَلاً لفهم المشكلة أو دراسة لتفكيك المُعضلة أو قراءة لتحويل الحدث من أجل معرفة العطل والخلل الناتج من الظروف والتحدّيات الكورنولوجية المُخْتَلِفَة التي تنتج الأحداث والوقائع أو تخلق الأزمات والحوادث الفكرية، من هنا تكمن الحاجة الماسة إلى أهميّة الترّيث الفكري المبنيْ على أسُسٍ علميّة وفلسفية ومعرفية في كيفية معالجة الأزمات وذلك من أجل الخروج من المأزق الماهوي للفكر لمعالجة الموضوعات ومزاوجة المشروعات الفكرية الناجِعة والعمل على قراءتها قراءة فعّالة ومنتجة ومن ثمةَ أيضاً صياغتها صياغة خلاّقة ممكنة وتحويلها إلى علاقة بنيوية قائمة على مُعطى ومعنى فلسفي.

3- القراءة المهنيّة للحدث.
القراءة المهنيّة للحدث أو كما يُصطلح عليها بالقراءة التقنية من منظور حسابي وأداتي يعتمد في مُجملهِ على سيرورة استدماج النظر بالفكر وإعمالهما في مجال القراءة الحسابية لفهم الحدث، باعتبارهما أداتين يُشَكّلّا قاعدة إسمنتية عريضة لمنطلق الفهم والإدراك من خلال القراءة الحضورية الفعالة القائمة والمقترنة بتقديم التكهُّنات والتنبؤات أو دراسة الحيثيات والمعطيات التي قد ينبني عليها الحدث ذاته سواءً كانت إيجابية أم سلبية، من هنا كانت ولا تزال منهجية القراءة المهنيّة لتفكيك ومعرفة الحدث تنطوي على جُملة من التصورات الفنية والقراءات المهنية والمفهومية التي تقوم على تقديم الحلول ومعرفة الأصول لمعالجة المشكلات الفكرية.

تعتمد القراءة المهنية على العامل الذاتي والنفسي الذي يتمتع بمساحات الاستقرار والاطمئنان لأن وجود الاستقرار والاطمئنان الذاتي يساعد في تقويم القدرة لدى الإنسان على التعامل مع الحدث بمهنية وحرفية عالية فيتجاوز العوائق التي قد تؤثر عليه خاصةً على صعيد قضايا الفكر وما نشهده في واقعنا المعاصر من تحولات في المشهد الثقافي والفكري.

كما تعتمد القراءة المهنيّة أيضاً على التفكير في تقديم تنازلات قيميّة مدروسة تعيد لصاحبها مركزيته ومكانته من جهة ومن جهة أخرى تعيد تموضعه الذاتي على أسس المعرفة والخبرة أو التجربة والترجمة لمعاني الموضوعات التي قد تحدث نتيجة لعمل ما، فالموقف العقلاني عند الإنسان هو الذي يُترجم ما يحدث ويتشكّل، ومن ثمة التعامل معه بكيفية علائقية ونموذجية حتى يستطيع الإنسان من خلالها النأي بنفسه من المآزق والمشكلات التي ربما تحدث له من هنا وهناك، ولعل القرارات العملانية والعقلانية الهادفة التي تُتّخذ هي التي تُساعد في عملية تحييد الإنسان عن كافة المشكلات الحياتية الراهنة من خلال ممارسة الأساليب التقنية للمنهج في جعل الخصم يتقوقع ويرتد ارتداداً بالغاً بحيث تقوّض مبتغياته وتطلعاته السلبية.

4 - حداثة التفكير الموضوعي.
حداثة التفكير الموضوعي ينطلق من إعمال ممارسة فكرية حداثية فذة تعمل على توليد الأفكار والنظريات المتميزة أو بدراسة المناهج والظواهر الفكرية من خلال إعمال العدة المعرفية في توظيف منهج المقاربات أو المقارنات النظرية وذلك لاختزال الفكرة أو اجتياف التجربة في مركب مفهومي حديث يعمل على معالجة ومزاوجة الرؤى والأفكار المُبَعْثَرة ولملمتها في قالب تفكيري حداثي يقوم على صياغة فكرية جديدة تمكّن صاحبها من الاستثمار الأمثل للوصول إلى حداثة التفكير الموضوعي بحيث يكون هذا التفكير قائماً على منحى حداثي يعتمد في صوغه على الأصالة والمعاصرة أو الكثافة المتكررة لماهية المفهوم والمعقول حينما يتسم مثلاً بخاصية البُعد النَظري والحس العَمْلي الذي يقود التفكير إلى منتهاه ومبتغاه الانطولوجي.

فالتفكير بما هو تفكير يقتضي أن يكون متّسماً بخصيصة آليات التغيير المتبدل أي الانتقال من قاعدة الجزء إلى شمولية الكل ليكون بذلك في طور الشمولية الكاملة التي تساعده في تركيب نظريات نسقية تراتبية متطابقة وبصبغة حداثية متوافقة المعنى بحيث تفرض قيمتها ومحتواها ومعناها الغائي لأنه بذلك يمكّننا من التعاطي مع الحدث بعلاقة إيجابية تجعل الشخص قادراً على التعامل مع التحديات بروح رياضية، هذه الروح هي التي تمتلك إمكانية التفكير النقدي الفاعل أو التفكير العملي المتواصل أو التفكير العددي المتفاعل مع القضايا المختلفة سوءا كان على صعيد الفصل بين الشيء الافتراضي والشيء الواقعي أو على صعيد الاتصال بين الشيء العملاني والمنحى العقلاني الذي يتصل بجوانب العقل وثوابته.

5- من صيرورة التفكير كمُنْتَج عقلي إلى ضرورة التطبيق كمَنْهَج عملي.
فتقويم علم المنهج يحتاج إلى سيرورات التفكير الناتجة عن إعمال العقل في الجوانب الفكرية المختلفة بحيث يكون قادراً على ملامسة تحديات المعطيات الراهنة للانتقال به من القيمة الكيفية الاعتبارية إلى الصيغة الكمية الإختيارية والتطبيقية المنبعثة من صيرورة توليد الأفكار والخاضعة لمبدأ القدرة التفكيرية التواصلية من خلال النشاط العقلي والرؤية العملية البينة حتى يكون فاعلاً ومؤثراً في اتخاذ القرارات وصوغ الإشكاليات وإعادة قراءة المعطيات المبنية على التفكير الهادف الذي يفضي في نهاية المطاف إلى منحى التطبيق والتفعيل والدخول على القضايا المختلفة والتعامل معها بكيفية مؤثرة للخروج من المأزق الذي قد يحيط بالإنسان عند حدوث أي مشكلة ما تواجهه على صعيد الفكر أو على مستويات التفكير أو في معطيات التجديد والتحديث للنظريات الفكرية وما ينبثق عنها من مقولات ومدلولات فكرية مختلفة.
من هنا فإن آليات القدرة على صيرورة التفكير إنما تكمن في التجربة على تأسيس قواعد وميكنزمات القراءة التواصلية والنظرة التفاعلية مع الموضوعات لوضعها في قالب معالجاتي ومن ثمة تحويلها إلى فكرة تطبيقية تلامس المنهج العملي بما يحتاجه من مقومات وعوامل تساعده في النهوض والارتكاز على مبادئ الصيرورة الفكرية للاستفادة منها في علم المنهج التطبيقي.

6- من فاعلية التحويل الفكري للمنهج إلى تكاملية التجديد المعنوي في المنهج.
فالفاعلية هنا هي القدرة الخلاقة على التعاطي مع الأفكار بمنطق تحويلي وتواصلي تتجدد معه الفاعلية بقدر ما تتعدد معه القدرة على خلق الواقع أو المساهمة في فهم وتفكيك الوقائع المختلفة من خلال ممارسة المنطق التحويلي، "فالتحويل فاعليه فكرية تسهم في تشكيل الخبرة بالوجود واندراج في العالم أو علاقة مع الواقع، بقدر ما هو علاقة باللغة وصناعة للذات أو إنتاج للحقيقة، وكل ذلك يحول المفهوم من كونه قاعدة أو قضية أو حتى ماهية، لكي يجري التعامل معه كشكل، والأحرى القول كجهاز مركب من العلاقات المتشابكة والملتبسة بين الرغبة والذائقة والمعرفة واللغة والسلطة".(1)

فالفكر بما هو فكر عبارة عن مفاهيم متشابكة ونصوص متداخلة بقدر ما هي ملتبسة وغامضة تحتاج إلى فاعلية تحويلية وتلك منشأها يكون من القدرة والإمكانية الذاتية في منهجية ممارسة التحويل الفكري لكي يتمكن الفكر من النشوء والارتقاء والصيرورة إلى التكاملية والوصول به إلى عتبات الحداثة المعنوية والبنيوية في المنهج المقتضى إتباعه بموجب النتيجة النهائية للفكرة والمعلومة أو الصورة الإجمالية للصورة المفهومة عن الموضوع وهنا يتكامل المنهج باتجاه المعنى والمبنى في الأصل كقاعدة يمكن قراءته وتصوره ومعرفته من الناحية الفلسفية.

 

هوامش:
(1) الماهية والعلاقة نحو منطق تحويلي- تأليف علي حرب، الطبعة الأولى1898- المركز الثقافي العربي / بيروت.
 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter