|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  24  / 6 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في الأساس الفلسفي المعرفي لماهية المنهج..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

إنّ منظومة الأساس الفلسفي المعرفي لماهية المنهج إنما تكمن في الرؤية ألاستراتيجيه الصحيحة القائمة على النظام المعرفي والمبادئ الفلسفية الواعية التي ترسم معالمه الواضحة وتفكّك معانيهِ المُتَشابِكة وتبيّن آلياته الأسلوبية المترابطة في القول والفعل المنطقي اللذين يشكّلان أداتَين رئيسيّتَين ومقوُّمَين فاعلين ومُعطيَيَن في انبثاق منهج الطريقة من جوهرها الغائي المَبنِي على أساس فلسفي معرفي من حيث الصياغة والتشكيل أو في ماهية العلاقة بين النص والقراءة الفاعلة والمثمرة التي تستند على ركائز البحث المنهجي الموضوعي الذي تنطلق بواعثه من الأسس القاعدية المعرفية نحو المطلب والمقصد والهدف المستهدف المرجو إتّباعه ومتابعته متابعة حسابية وعقلانية تهدف بدورها إلى التّشريع في آليات معرفة المنهج معرفة حسابية وأداتية قيميّة بالانتقال من المجهول إلى المعلوم ومن التفكيك إلى التركيب ومن الغموض إلى الوضوح في الرؤية الشمولية [فما يميّز المعرفة العلمية عن المعارف العامّة هو الالتزام الفعلي بالمنهج والانتظام البحثي والنَسق التراتبي للمنهج الذي يتمثّل في جملة من المبادئ النظرية، والخطوات الإجرائية الدقيقة، ويستخدم مفهوم المنهج بدلالات متعدّدة، حيث يترادف أحيانًا مع مفهوم النظرية والنموذج المعرفي، ويتحدّد أحيانًا بجملةِ الأدوات والتكنيكيات البحثية Techniques، ويختلط كثيرًا بمفهوم العلم الذي يدرس تكوينه وبناءه المنطقي والمعرفي (Methodology) الذي يعرف بالمنهجية ] (1)

المقترح النظري الذي نريد بسطه ومداولته في هذا البحث المختزل حول أهمية إيجاد القاعدة التي يجب أن ينطلق منها المنهج لمعرفة ماهية خلفياته ومرجعياته الأيديولوجية هو القيام بعملية تنظيمية وترتيبية وتزامنية فكرية لكيفية تصنيفه تصنيفاً منطقياً وتبويبه تبويباً جمالياً من حيث النظرية التي ترتكز على إحكام قيادة العقل والبحث عن الحقيقة لإضفاء صيغة منهجية في تقنية الوضوح والإخراج النهائي لهذا المنهج الذي يكمن في الأطر والآليات الفلسفية التي تقوم بدعمه نحو المعرفة التكاملية الواعية.

يمكن لنا التطرّق عن أهمية تفعيل التنظيم المنطقي للمنهج الذي يهتم بوضع المعارف والحقائق في أطرها الكورنولوجيه بحيث يبنى بعضها مع البعض الآخر بصورة علائقية وتكون الأساس لما بعدها أي جعل الموضوعات مقدمات لنتائج تشتق منها موضوعات أخرى، والتنظيم المنطقي يهتم بالاتساق الداخلي للأفكار والوحدة الداخلية للمادة.

وثانياً في التنظيم النّفسي والسيكولوجي للمنهج بالاهتمام نحو ربط المادة الدراسية باهتمامات وميول الباحث في منهج ما لأن حضور العامل النفسي يشكّل هنا أيضا عنصراً هاماً للشخصية المستقلة والتواقة للبحث العلمي بحيادية وموضوعية تامة تمكّنه من الوصول إلى نتائج متوخاة.

التجديد الموضوعي للمنهج يضفي أيضاً مشهداً تكاملياً وتحسيناً إبداعياً في الحصول على إزالة الالتباس والشكوك التي قد تعترض الباحث أثناء التقصّي والاطلاع على المناهج فالقواعد التي تقوم على إضفاءات وقراءات منهجية تعطي معطيات ودلالات ذات أبعاد غائية نستطيع من خلالها تخطي الصعوبات في الوصول إلى ما نصبو إليه سواءً كان ذلك عبر تشخيص النّص بالفحص والنقد أو بتفكيك الآليات ومعرفة الخلفيات أو بترميم الأفكار وتوجيه الأنظار نحو الاستدلالات المنهجية التي تمكّننا من الحصول على معارف جديدة منطلقة من تلك الإحداثيات.

ربما يقودنا هذا البحث في مُجْمَلهِ إلى كتاب "مقال عن المنهج أو خطاب المنهج" للفيلسوف رينييه ديكارت الذي يبين فيه الكيفية والماهية لبناء صرح فكري منهجي سواء كان علمياً أو فلسفياً عبر إعمال الحدس والاستنتاج وقد أطلقنا على هذين العنصرين الأساسيين المتوازيين والمترابطين بالقواعد للخطوات المقتضى إتباعها في مسارات البحث المنهجي، والتجديد الموضوعي للبحث المنهجي النموذجي بأنّ عامل الإدراك واليقين للأمور البحثية كما هو الحال أيضا في استخلاص النتائج الذي بموجبها توصل الباحث إلى معرفة ماهية المنهج على أساس الحدس والاستنتاج الذهني.

يخلص أندرييه لالاند بأن فكرة المنهج هي على الدوام اتجاه قابل للتّحديد ومتابع بانتظام في عملية العقل. فهل يمكن قبليّاً، تحديد منهج، بمعزلٍ عن تطبيقه، وصوغه مسبقاً واستعماله برنامجاً لعمليات إجرائية لا تبدأ إلاّ بعد صياغة قواعد المنهج؟ أم إنّ المنهج ليس له قيمة نافعة، ولا يمكن اكتشافه إلا من خلال عملية فعلية، تكون منه بمنزلة التصميم المبسّط إلى هذا الحدّ أو ذاك؟ هنا سجالٌ اعتقاديٌّ بالغ الأهميّة ينقسم فيه منظّرو المعرفة، لكنّه سجالٌ يدور، مبدئياً على الأقل حول تكوين فكرة المنهج أكثر ممّا يدور حول دلالته.

من أندرييه لالاند إلى سقراط ثمة تبيانات في الرؤية حول فكرة المنهج وقواعده من حيث مستوى التنظير الابيستمولوجي يمكن لنا أن ندعو هذا الاتجاه أو المسار بالاجتهاد الفكري أو التجديد المعرفي أو التحديد الموضوعي للمعرفة (الابيستمولوجيا) الذي ينحدر من الإستنباط العقلي للمشكلات الفكرية والفلسفية المختلفة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة.

المقارنات والمقاربات الفكرية تساعد على الاستفادة من الرؤى والتوجّهات في ميادين العلوم الفلسفية وتطبيقاتها العملية من هنا أردنا أيضا ربط مسار فكري آخر بِصلة البحث وهو المسار الفكري للفيلسوف سقراط حول "فكرة الأساس الفلسفي للمنهج".

كان سقراط يعتمد في منهجه على الحوار الاستنباطي القائم على التهكّم والتوليد وذلك من أجل الوصول إلى تحديد الماهيات. فهو صاحب الحد الكلي ومنهج الاستقراء، وهو الانتقال من المحسوس إلى المعقول، ومن صغار الأشياء إلى كبار الأشياء للوصل إلى المعنى الكلّي أو الماهية أو ما يسمى بالفلسفة التّصورية لماهية المنهج (
conceptualisme) التي تنطلق من معرفة الأشياء والجزئيات إلى معرفة الماهيات والكليات فالمنهج الجديد بالنسبة إليه هو مفهوم "التوليد والتجديد الفكري" لمعرفة ماهية المنهج. نكتفي بهذا القدر من هذه الدراسة الفلسفية التي تشكّل مدخلاً رئيساً لعلم المنهج نستفيد من خلالها في معرفة الكيفية أو الماهية للكمية المعرفية الواجب اتّخاذها عند عملية البحث والتنقيب لشتّى المُشكلات الفكرية التي نواجهها أو نصطدم بها في عالم الفكر والمعرفة.



(1) نصر محمد عارف، (نظريات السياسة المقارنة ومنهجية دراسة النظم السياسية العربية: مقارنة ابستمولوجية) جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية، ليزيرج/فرجينيا، الطبعة الأولى، 1998م، ص73-74.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter