|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  24  / 7 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عن معالم وجَماليّات فن العِمَارة النّمُوذجيّة ...!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

يبنونَ معالِمَهم وأمَاكِنهم المِعْمَارية السّكنية والتّجارية والصّناعية بأنساقٍ مُتّسِقة ومُنْتَظِمَة من حيثِ الأبعاد الطولية والعرضية والإرتفاعية فلا تجد بناءً معمارياً يرتفعُ عن الآخر إلّا بشكلٍ مُتناسِق ومتوافِق هندسياً وجمالياً بحيث يشيّدون ويُصَمّمُونَ تلك المبَانِي بأساليبٍ إنشائية وهندسيّة ، تراثية وحداثية وبألوان ذات طابع سيميائي خلاّب وجذّاب بحيث يأسر نظر المارّة إليه بسببِ جودة الإتقان وفرادة الإبداع في العمل البنائي الهندسي والطراز المعماري التشكيلي الفنّي الفسيفسائي، وإذا دقّقت النّظر في طريقةِ معمارهم استهوتك شكلانيته واستجذبتك خاصّيته الإنشائية بطريقة تصميمها وتنفيذها وذلكَ بمزيدٍ من الإعجاب والاستهواء ومن ثمةَ خلق حالة من الشعور الوجداني الروحي للإنسان المليء بالأمنيّات والتّطلّعات إن لم تكن في لحظةٍ ما أشبه بالخيالات والمآلات التي يتمنّاها الإنسان كما لو كانَ يحيى في كنفها أو يتملّكها ضِمنَ مستويات العيش المدني الحضَاري الرّاقي وكأنّها سرُّ الأسرار وقدسُ الأقدَاس التي يطمحُ إليها الإنسان لتحقيق منظومة عيشهِ التكامليّة في حياتهِ اليومية والمستقبليّة وحتّى ينعم بذلكَ العيش الرّغيد والتّنظيم الحياتي العَديد الذي يلامس شؤون حياته وفي جميع المَجالات والاتّجاهات للاستمتاع الوجودي بمعنى وقيمة الحياة الصّحيَحَة والاستشْعار بالمَناظر الفنية الجَمالية التي تُمظهِر المكان وتجعل منهُ مكاناً مدنياً وحضارياً راقياً من حيث شكل التنفيذ المعماري المُتَنَاسِق والمُتَدَاخِل بأجزاء بعضهِ البعض ممّا يجعله مُتميّزاً في شكلهِ ولونهِ وتصميمهِ التّشكيلي الرّفيع فمجمل هذهِ النّظم الهندسية مُستوحاة من التّصوراتِ الفلسفية العميقة التي ترتكزُ على الرؤية والتخصّص والدّراسة في التّصميم والتّخطيط والتشييد للمباني والمنشآت المُختلفة بكيفيةٍ تقنية، ولو أُتيحت لكَ الفِرصَة في يوما ما بأنْ تذهبَ إلى تلكَ الدول لِترى بأمّ عينيك مستوى النّظام المِعْمَاري والأنظمة البيئية في الجانب الحياتي لديهم لستهوتك منهجيتهم وطريقة أسلوب تفكيرهم الفني عن مدى إيلاء الاهتمام البالغ بهذه النّواحي الحياتية المختلفة، ولعلّ ممّن ذهبَ إلى تلك الدّول الغربية والشرقية منها أدركَ واقع حرص تلك المُجتمعات على سيرورة العزم والمثابرة والاجتهاد في تحقيق مزيداً من الرّقي والتّقدم في مجالات التنظيم المعماري.

وإذا أردتَ الحديث عن مُستوى هندسة الطرقات عندهم أخذتك الحيرة والدّهشة عن جماليات مستوى الرّصف الجمالي الخالي من أية تشققّات إسمنتية أو إسفلتية في الشوارع والملاحظ أنّ المطبّات الاصطناعية لديهم صُمّمت وهُنِدست خصّيصاً بتناغمٍ ابتكاري وانسيابي لكيلا تسبب أية ضرر على هياكل السيارات ووسائل النّقل الأخرى، ولو قُدّر لكَ أنْ تجد تشققات أو مطبّات في شوارعهم فهي إلى حد ما بسيطة لا تكاد تُذكر بل حتّى إنْ وجدت فهي بالشّكل الذي لا يسبب أية أضرار للسيّارات لأنَ مسألة الصّيانة والترميم والإنشاء والتنظيم حاضرةً عندهم وتحضى بأهمية ومتابعةٍ في المراقبة الهندسية من قبل المختصون والتقنيون.

إنّ الجسور التي أنشأُوها وعمّروها لهي في غايةِ الدّقة والمتانَة فهي مُتماسِكَة وصلبَة من حيث الحجوم والفراغات والتّداخلات الهندسية المُتشابكة مع بعضها البعض والمُتباعِدة فيما بينها عن بعض مع انسجام بُعد المسافات في خطٍ مُتوازٍ بحيث لا ترى إنشاءً اعتباطيًا ليس لهُ مدلول أو غرض مفهوم ما بل أنّ مستوى توزيع المسارات والطُّرقات يصبُّ في غايةِ الهدف لكي يصلَ بصاحبهِ إلى مبتغاه وفي أقصر وقت وبغير تكلّف ولا هدراً للوقت بل كسباً للوقت وكما هو معروف فإنّ وقتهم هناك ثمين يحرصونَ عليه فهو في نظرهم ثالث الأثافي في تقديمِ الأمم وتأخيرها، لذا تراهم يعملونَ ليل نهار في كيفيةِ اختصار المدلولات والمعاني والمفهومات التي تخدم الجانِب العقلاني الذي يختصرُ عليهم المسافات الزمنية.

ولو انتقلنا بالحديث عن جانبٍ آخر لا يقل أهميةً أيضًا عن الجانِب المعماري وهو الاهتمام بموضوع "النظافة" فليسَ لديهم قمامات مُبعثَرة كما هو الحال عندنا في الطُرقاتِ العامّة وحتّى أنْ وجِدت فهي قليلة، بل السائد عندهم هو الاهتمام التّام بهذا المَنْحى تنظيف وتنظيم براميل النفايات باستمرار وتكرار، ففي مدينة أوروبية مثل برشلونَه إحدى المدن الاقتصادية في اسبانيا ترى هنالكَ مظاهرَ للنّظافة في الطرقات وبين الأحياء والمرافق العامّة حيث سُخّر عمّال النظافة هناك لراحة المواطن وخدمته، وهذا ما يتوجّب علينا فعله بأنْ نُولي إهتماماً بالغًا لمثل هذه القضايا الحياتية فعدم الاهتمام بهذا المَنْحَى يجلبُ الأوساخ والقاذورات وبالتالي قد تكون تلك الأوساخ سبباً لجلبِ المكروبات الخطيرة التي تُسبّب الأمراض مما يستدعي التفكير في وضع الإنفاق المالي باتّجاه توفير العلاج اللازم وبالتالي تشعّب النّفقات الاقتصادية العامّة للدولة على مثل تلك الأمور.

ومن أساليب الرّقي التي عرفناها عنهم هو التعامل الأخلاقي السلوكي فيما بينهم فالاحترام هو العنوان الذي يتعاملونَ بموجبهِ مع بعضهم البعض فالتّرحيب وعبارات التقدير هي حاضرة بينهم ومع غيرهم من السّواح الذين يقصدونَ بلدانهم، وهذا الشيء إنّما يدل على مستوى وعيهم الحضاري والإنساني المدني في فهم واستيعاب مقومّات الاقتصاد للحياة الإنسانية في الجانب السياحي.

الحديث عن الجانب العملي والإداري لديهم مُنظّم أيضًا ومن المناسِب أن نتحدّث ولو بالشيء القليل عنهُ لأنّه يُشكّل المُنْعَطف الهام في تطوّر الأمم ورقيها إلى الأمام وبدونه يكون التأخر والتراجع عن إحراز الإنجازات والمكاسب المدنية لدى الأمم.

الجانب العملي والإداري أيضا مُسْتَوعَب لديهم بحيث يحرصونَ على الحضُور في أوقاتِ الدوام مبكراً ويستشعرون بالمُتْعَة عند الذّهاب إلى الأعمال فهي مأواهم الثاني بعد مسكنهم أن لم تكن مأواهم الرئيس لأنّ مراكز الأعمال هناك بعضها توفّر مقوّمات الحياة الشخصية ولعله كما أُخبرت من أحد الزملاء بأنّ شركة محرك البحث (Google) تحرص على توفير كامل الخدمات لموظفيها في كيفية إتاحة الفرص لممارسة حرياتهم الشخصية وهذا أنما ينعكس على مدى إنجاز الأعمال الإدارية والمكتبية بشكلٍ ينسجمُ مع أهداف الشّركة ودخلها المالي ولا يكون هنالكَ أيُ تأثيرٍ على وضعها المالي والاقتصادي بل بالعكس إنّ التّحفيز نحو توفير المرونَة في الأعمال هو الذي يجعل من الموظّف فاعلاً وعاملاً مُنتجاً يحقق الربحيّة والإنتاجية للشركة ممّا يكون له الأثر الايجابي على الوضع الاقتصادي العام على الشركة.

إلى غير ذلك من الجوانب المُهمّة الأخرى كالجانِب التّعليمي الذي هو الأساس عندهم في إحراز مثل هذه المكاسب الحضارية.
نتمنّى الوصول يوماً ما إلى تحقيق هذه المَكاسِب والانجازات فالقراءة المثمرة والفعّالة في ميادين الحياة هي التي تخلق واقعاً جديداً وعالماً مليئاً بالاكتشافات للأفكار الخلاّقة التي تنبثق من جوهر العلاقة بين الذات والآخر أو بيننا وبين الواقع بالدخول على القضايا الحياتية المختلفة من زوايا مختلفة وتوظيف مناهج وأساليب جديدة تتيح لنا سبر الأغوار عبر الفهم المُمْكِن والمُنْتِج.

ليس ما تقدّم ذكره من كلام حول إبداع الحضارة الغربية أو غيرها هو نفي أو إجحاف لِما حققته العمارة الإسلامية والعربية كما قد يتبادر إلى الأذهان، فقد كان للعمارة الإسلامية أيضاً وجهها الناصِع واللامع أيضا فيما يخص أشكال وأعمال النّقش والزخرفة من تزويقات جمالية ورسُومات إبداعية وهندسية في ميادين الفن الجمالي المعماري، ولكنّ هذه الأمور قد توقّفت في فترةٍ من الفترات لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية أو غيرها ولم يكن طريقها متواصلاً نحو استمرارية الإبداع المتواصل وما هو مأمول معاودة الاستمرار نحو استحضار فن العمارة الإسلامية بمزيدٍ من التّفعيل والتّوظيف للاستفادة منها في ميادين الإعمار المختلفة.

وفي هذا السياق يمكن لنا استعراض إحدى التّجارب الفذّة فيما يخص دولة عربية رائدة في هذا المضمار وهي دولة "الإمارات العربية المتّحدة"، التي قطعت أشواطاً عديدة وكبيرة للسّعي في تحقيق مكاسب وإنجازات معمارية رائدة على وخاصةً في مجال التشييد والتطوير البنائي الهندسي فهي اليوم تعتبر بحق من الدول النّموذجية العالمية التي يقصدها الكثير من السوّاح ومن أرجاء مُختلف دول العالم بسبب الجذبِ السّياحي الفائق التطوير والتنظيم لمشاريع البنى التحتية العملاقة التي تتميّز بالجودة والكفاءة وتقديم الخدمات الراقية للزائر والسائح.

ليكن من جميع بلدان العالم العربي انطلاقة حثيثة على غرار هذا النموذج الفاعل والمُثمر حتى يتسنّى لنا رفع وتحسين مستوى الدخل والاقتصاد الذي يعود على المواطن العربي بالخير والنّفع من خلال إحداث مشاريع حضارية عملاقة تتمثل في إرساء معالم وجماليات فن العِمَارة النموذجية.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter