|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  23  / 4 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تفعيل مفهوم التقدم العلمي.

يونس عاشور *
(موقع الناس)

مفهوم التقدم العلمي (Scientific Progression) هو مسؤولية جماعية واجتماعية، حيث تقع مسؤوليته أولاً على عاتق العلماء والمفكرين الذين بدورهم يستطيعونَ وضع السبّل ورسم النُّظم لمعانيه ومفاهيمه التي تكون منطلقاً ومرتكزاً لسيرورة وصيرورة التقدم العلمي.

وهذا الأمر يتطلّب أكثر جدية وفاعلية دينامية من قبلِ المشتغلين والعاملين أو الباحثين والدارسين في ميادين العلوم الإنسانية. فهم وحدهم يدركون الكيفية التقنية المنهجية التي يقتضي أن تُرسم للوصول إلى عتبات التقدم والرقي العلمي والمعرفي والتي تكمن في طرح الأبحاث والدراسات ذات البعد الغائي والاستراتيجي الذي يتضمّن سمو الرؤى والنظريات والأفكار الجديدة التي بدورها تقوم بعملية تقويم وتكوين التقدم وملامسة حقيقته وفاعليته وغائيته .

ويمكن لنا القول أيضاً أنّ الفاعليات المؤسساتية والمراكز الأكاديمية والجمعيات العمومية والندوات الثقافية يقتضي بدورها هي الأخرى المشاركة في عملية الدّعم والمساهمة بشتّى الأشكال والاتجاهات التي يحتاجها التقدم العلمي من إمكانيات وآليات فيما يخص تقديم الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة التي من شأنها أن تعمل على تعبيد وتمهيد الإرشاد والتوجيه وايلاء المنهاج الصحيح الذي بدوره يكفل لنا مُلامسة تفعيل مفهوم التقدم العلمي.

وما تحتاجه الأجيال في عصرنا الراهن هو الانخراط في كافة المجالات العلمية والسّعي نحو تحقيق اكتشافات علمية جديدة في ميادين العلوم الطبية والتطبيقية منها لأنها تشكل القاعدة الأساس في محاربة الأمراض والعاهات المتجدّدة والمختلفة أيضا وعندما يُحقق المجتمع أدواراً علمية صحيحة آنئذٍ يصبح في منطقة الأمان الصحي والمهني الذي يكفل له تقديم أرقى الخدمات العلاجية والتطبيبية ولعل هذا الجانب قد أُهمل مؤخراً إهمالاً تاماً مما تسبّب في استشراء واستفحال أمراض مُستعصية شكلّت وتُشكل أخطاراً جسيمة على حياة الإنسان المعاصر.

ويمكن لنا الحديث أيضًا عن أهمية الجانب الاقتصادي وتطويره تطويراً حداثياً فهو يشكل محوراً هاماً بالنّسبة لحياة الإنسان وتدبير أموره المعيشية، فدراسة الاقتصاد والسعي إلى تحديث نظريات اقتصاديه حديثة وجديدة من شأنها أن تمدّ الإنسان بالمعارف والأفكار التي تجعل منه إنسانا قادراً على إدارة شؤونه المالية بكيفية مُحترفة بحيث تمكنّه من التعرّف على كيفية نجاح وتفوّق الاقتصادات العالمية الأخرى على غيرها من الاقتصادات الهشة والركيكة التي لا ترتكز على مقومات ونظريات علمية صحيحة.

وثمة أمور وعوامل كثيرة لا حصر لها تساعد على صيرورة التقدم العلمي وجعله هدفاً ملموساً ، فمثلاً تحقيق الانجازات الاجتماعية والصناعية والزراعية تساعد على عملية البناء في تحقيق صيرورة التقدم العلمي فوجود مسارات وقنوات رائدة تهيئ البيئة المواتية في الدعم والمساندة ومن ثمة صعوده إلى دفة المركزية التي تتحكم بمدى تطوره واستمراره نحو غايات وأهداف كبرى.

بالطبع تلك الأمور بحاجة إلى استكشاف ودراسة موضوعية تبين أوجه العلاقة الهادفة والمنشودة بين تقدم العلم والبنية القاعدية التي يقتضي أن ينطلق منها، فواقعية التقدم هو كيان دائم النمو من المعارف والأفكار المبنية على تتابع التطورات والتحولات الحياتية، بل أيضا تعاقب خبرات وتصرّفات سيل عظيم من المفكرين والعاملين أو المثقفين والفاعلين.

أن التقدم العلمي إذا أردناه أن يكون ملموساً فعلياً فعلينا أن نجعل له طريق صواب وان نقيم له نظام قوة لتناسقه واتساقه في كيفية تقدم العلوم إلا انّه يستدعي طريق الصواب قبل تحديد الهدف نفسه ووضعه في المكان الصحيح وما تحتاجه العلوم هو الفلسفة وتحليل الشاكلة العلمية وتنسيق الأهداف التكاملية وكل علم بغير هذا يكون بطيئاً ومتأخراً، فالفيلسوف بيكون يقدم شهادة على ذلك بقوله أنّنا لا نستطيع مشاهدة منظر المدينة تماماً من مكان منبسط أو منخفض، كذلك من المستحيل اكتشاف الأجزاء الشاسعة والعميقة للتقدم بالوقوف على مستوى العلم نفسه .

ليس ثمةَ شك بأن العالم استطاع في العصر الحديث أن يُحرز تقدماً مذهلاً في ميادين العلم وتطبيقاته العملية حيث اكتشفت مجاهل الكون بمجراته اللامتناهية ولا نهائيته في الزمان والمكان وتمططه الدائم وسياحته الفضائية اللامتناهية واكتشفت الثنايا اللامرئية للمادة الجامدة من اليكترونات ونيترونات وما يكتنفها من حركية دائمة واكتشف ثنايا المادة الحية بمكوناتها الأساسية والثانوية لدرجة جعلتها تشارف التحكم في عناصر الحياة مما مكّنها من تسخير العديد من المخترعات لصالح الإنسان فقد طوّر التقدم العلمي أشكال الإنتاج المختلفة بما في ذلك إنتاج بعض الكائنات الحية (الاستنساخ
Cloning) وزود الإنسان بقدرات وطاقات كانت في الماضي من قبيل السحر والطلاسم، وفي ميدان الطب والعلاج استطاع التقدم العلمي القضاء على العديد من الأمراض المزمنة واستئصال العديد من الجوانح التي كانت تحصد سنوياً ملايين الأرواح ، ومن الصعب اليوم القيام بجرد حسابي دقيق لما حققه التقدم العلمي والتعليمي في المجالات الأخرى .

ونحن بدورنا بحاجة إلى الخوض في معترك تلك الاكتشافات والاعتكاف على دراستها والاستفادة منها وتطويرها عبر المساهمة الفعّالة من قبل النابهين من العلماءِ والمفكرين أو الأساتذة الأكاديميين بمختلف توجّهاتهم العلمية والفكرية التي يُستفاد منها في هذا الجانب، حتّى نستطيع قطع المسافة التي تفصل بيننا وبين سائر الأمم والمجتمعات الأخرى، لنساير ركب التطور العلمِـــــي الحديث فمن يتخذ العلم هدفاً له يفز .
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter