|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  22  /  1 / 2022                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مفهوم التواصل عند الإنسان المعاصر..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

لقد أصبح مفهوم التواصل في وقتنا الحالي يتخذ أشكالاً ومناحي هجينة فهو على ما يبدو ليس كما كان عليه من ذي قبل، لأنه قد خضع لِنُظم ومعايير جديدة عبر وسائل التقنية الحديثة التي غدت الآن في متناول أيدي الجميع مما حدا بهذا الإنسان إلى مزاولة هذه الأنشطة التقنية المختلفة بإفراط بحيث لا ينفك عن التوقف في البحث عنها فقد أصبحت ضرورة يومية لا غنى عنها، واحدة من هذه الوسائل هي ظاهرة استخدام " الهاتف الجيبي " الذي يقوم بنقلنا في هذا الفضاء الرّحب مع الآخر والتواصل معه على نحو الاستماع والمشاهدة الحية (A live ) في عملية الإرسال والاستقبال والاتصال لدى الطرفين فهو يعمل على مد الجسور مع الآخر كما يتيح للإنسان تمثيل ذاته على الشاشات الكترونية حديثة، وقد شكل هذا النوع من الاتصال إدماناً خاصاً لدى الإنسان بحيث تراه إذا فقد وسيلته الاتصالاتية بدأ يشعر بالانتقاص والخوف وكأنّ شيئا ما قد نقص في حياته، وهذا ما يُطلق عليه بالشعور " بالنوموفوبيا " أي الشعور بالخوف من فقدان الهاتف المحمول أو التواجد خارج نطاق تغطية الشبكة، ومن ثمةَ عدم القدرة على الاتِّصال أو استقبال الاتِّصالات، ومع الرغبة الطافحة في استخدام الهواتف المحمولة، استشرى هذا النوع الجديد من الرهاب (Nomophobia) وهو عبارة عن مرض يصيب الفرد بالهلع لمجرد التفكير بضياع هاتفه المحمول أو حتى نسيانه في المنزل. وأشارت دراسة أجرتها شركة «سكيوريتي انفوي» المتخصصة في الخدمات الأمنية على الأجهزة المحمولة، إلى أن 66% في المائة من مستخدمي الهواتف المحمولة في بريطانيا وحدها يعانون من الـ"نوموفوبيا" الذي لم يعد اتصالاً فعلياً أو تواصلاً حقيقياً ملموساً كما يستشعر هؤلاء، إذ لم يعد قريبكُ اليوم في الوقت الراهن هو القريب منك، بل قريبك اليوم هو البعيد عنك، ليس هو جارك وابنَ حيّك الذي تقطن بجواره، ذلك بسب وجود مسائل ووسائل التقنية الحديثة التي غدت حاضرةً معنا في كل وقتٍ وحين مما ساعدت على خلق هوة بيننا وبين الأشخاص الآخرين الذين نعرفهم أو ننتمي إليهم.

فالوسيلة الناقلة للتواصل الآن في العالم هي الهاتف الجيبي أو كما يدعوه احد الدارسين بالهاتف النقال الذي أصبح ينقلنا في هذا العالم الرحب وعلى حد تعبير الفيلسوف عبدالسلام بنعبدالعالي ، إذن وسيلة النقل والاتصال في هذا العالم هي " التليعالم" الذي يجعلنا متواصلين مع الآخرين، لكن ما هي نوع القرابة أو الاقتراب الحقيقي الذي يحققه هذا الهاتف (النقال).!؟

فهذا الإنسان الكوكبي إذ يحاول أن يعيش في العالم وان يقترب من الجميع لا يقترب من أحد وهو إذ يحاول الحضور في كل مكان يغيب عن جميع الأمكنة بل هروبه في حقيقة الأمر هو هروبه من ذاته.

في كتابه الأخلاق والتواصل يحدد يورجن هابرماس حقيقة معنى التواصل بقوله " لقد أصبح التواصل الصوت الوحيد القادر على توحيد عالم فقد كل مرجعياته لنتواصل، ولنتواصل بالأدوات والتقنيات التي تضعف التواصل نفسه هذا هو جب التناقص الذي وضعنا فيه "، بحيث التجأت المجتمعات الحديثة إلى إعلاء القيمة المركزية للتواصل لمعالجة المشاكل التي نتجت عن خيارتها الأساسية، وعقدت البشرية الأمل على عصر الاتصال. غير أننا في الوقت نفسه أصبحنا نعاني فيه من اللاتواصل بين الذوات على ارض الواقع: والمفارقة إن كثرة وسائل الاتصال ألغت التواصل وغيرت من سماته، حيث يعاني الإنسان المعاصر من الإحباط والعزلة وعدم تماسك النسيج الاجتماعي، ومن العزلة والاغتراب والقيم المعرضة للاندثار.

ويؤكد هابرماس في هذا السياق بأن العلاج لمعنى التواصل الشمولي هو امتزاج سيرورات التأويل الثقافي والمعرفي والتوقع الأخلاقي القيمي والتعبير الحضاري اللغوي الذي بإمكانه أن يوفر القواعد الأساسية المشتركة لتأسيس مفاهيم التواصل الحقيقية والواقعية لدى الإنسان المعاصر.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter