|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  18  /  7 / 2023                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (16)
(الثّقة بالنّفس) عامل للتقدم والنجاح ..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

لقد أستطاع صَاحِبُنا ورِفاقه النّجَاةَ بِأَنفُسِهِمْ من أزمات وعقبات كادت أن تفتك بهم على ظهرِ تلكَ الجزيرةَ التي كانوا يَبحثونَ فيها عن مُنقذٍ لهم، تمثّلَتْ تلك المُشْكِلات في مواجهةِ الأخْطَار والصعاب الجمّة التي أُحْدِقَت بهم من كل جانب، حيثُ كانَ آخرها النجاة من ذلك الشيخ عبْسَوي المتمرّد والإفلات منه نحو خارج الغابة ومن ثمةَ إلى شاطئ البحر، وبالفعل وصل الثلاثة عند الشاطئ، وأخذوا يفكرون في عملِ قاربٍ لهم من الخشب وليحان الأشجار التي كانت ملقية هناك للخروج والرحيل من الجزيرة إلى واجهة أخري، علّهم يجدونَ ضالتهم المنشُودة فيما يبحثون عنه.

لقد واصلوا العمل من أجل صنع قاربٍ لهم وتحقق ذلك الأمر مما دفع بهم لتجاوز المحن التي صادفتهم إبان ترحالهم وخلق حالة الثقة بالنفس التي كان يلازمها الأمل والتطلعات الانسانية المتمثلة في تحمل المسؤولية بصدقٍ وإخلاص وصبرٍ وثباتٍ وتفانٍ في العملِ الذي يهدفُ إلى إصلاحِ وتربية وتهذيِب النّفسَ البَشَريّة على أساسِ السُّلُوكَ الخيّر الذي يجعلُ منها نفساً صَالحةً ومُؤمِنَةً بِمَبَادِئَ وقِيم روحيّة من أهمّها وأسَاسِهَا غرس الفضيلة الأخلاقية في النّفسِ حيثُ يكون اهتمامها مُنْصَبَّاً نحو القيام بأعمالِ الخَيْرِ والصّلاح ونبذ كلّ أفعال الشّر من أجلِ النجّاحِ والفوز والفلاحِ بمعاني القيمْ النّابِعّة من الإيمانِ الحقيقي للوصول إلى الأهدافِ التكاملية التي تحققُ للنّفس السُّمو والإقناع بالرّضَا والشعور بالمسؤولية اتجاه الذات والآخر.

حِينَمَا استقلُّوا قارِبَهم الذي قد صَنّعُوهُ بِأَيْدِيهِمْ أخذوا ينظرونَ إلى كِبَرِ مساحة البَحْر بأمواجهِ المُتَلَاطِمَة وأعماق مياهه الغَامِرَة حيث أخذوا يُفَكِّرُونَ في كيفية البحث عن ماهيّة الطريقة التي تُؤمّنَ لهم حياتهم وتُوْصِلهم إلى مقار إقامتهم سَالمِينَ غَانِمينَ مُحققينَ في ذلك رسالتهم ومسيرتهم من أجل بلوغ الهدف المنشُود المُتَمثّل في منهجِ النّصْحِ والتوجيهِ بالحكمة والكلمة الطيبة التي تعود بالنفع على الانسان وعلى الآخرين فهي مصدراً للتعايش بين بني البشر على أساس الاحترام والتقدير المتبادل وحسن الجوار الاعتباري البعيد عن التوترات والمهاترات الكلامية التي قد تنشب نتيجة لكلمة سيئة يكون مبدأها وأساسها الكلام الغير عقلاني واللامسؤول وقد نبه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الحكيم بقوله " وقولوا للناس حسنا ".

عِنْدَمَا أبحروا بقاربهم قالَ صاحِبُنا لرفاقه هيّا توكّلُوا على الله وسَنَجِدُ بعونه تعالى ضالّتنا المَنْشُودة.!
فقالَ الشيّخُ المُسن لِصَاحِبُنا، وكيف سَيُكْتَبُ لنا النّجَاةَ ونحنُ في بحرٍ لُّجِّيٍّ وبين طُرُق مِلاحيّه مُبهمة مُتَرَامية الأطراف لا يتسنّى لنا معرفة مساراتها واتجاهاتها، أليسَ كذلكَ يا أبا دولامة؟!
فقالَ أبو دولامة : صدقتَ.! هذا البحر كبيرُ جداً .. مساحته شاسعة..!
كيف سيتسنّى لنَا معرفة الإبْحَار والأمن الملاحي..!؟
صاحِبُنا لرفاقه: لا بأس سأتولَّى أنا التوجيه قدرَ الإمكان بما يتوفرُ لي من تكهنات حولَ معرفة الإبحار حتى لا نفقد الأمل أو ينتابنا يأسُ وإحباطُ! لِنَكُن على ثقةٍ بأنفسنا بأنّنا سَنَعُود إلى أوطاننا وسَنَتَخَطّى الصِّعاب إن شاء الله، وأول ذلك الشرط هو ضبط النفس وإعمال الهدوء النفسي.

إن تهيئة الذات باستخدام "نظام التهدئة الفوري" للنفس لهو من الأمور الهامّة على صعيد المُعالجات النفسية من أجل التّسوية والثّبات الفكري فذلك يساعدُ على التنظيم، فهو يُعْتَبَرْ نُمُوذجاً عمليّاً للسّيْطرة على الصُعُوبَاتْ والمُعَوّقَات، كما أن السيطرة على الذِّهن هو الذي يخلقُ ثباتاً للتفكير، لأنّه بدوره يُسيطرُ على الانفعالات النفسيّة التي قد تحدث جرّاء أي مشكلة قد تواجه الإنسان، ولتفادي المشكلات والانفعالات نحتاجُ إلى مراجعة الموقف من زواياه المُتَعَدِّدة، وأن كل مُشْكِلة ما توجدُ لها فرصة لاكتشاف الحل المُناسب لها الذي يُشعر الإنسان بأن ما يؤدِّيه من أعمالٍ لهُ أهميّة كبيرة في تحقيقِ أهداف وغايات العمل الذي بدوره يعملُ على تهيئةِ الذّات لِمواجهة أي عائق أو طارئ من خلال التفكير الايجابي الفعّال كتفعيل مفهوم الصبر على الإحْبَاطَاتْ والمُثبّطَاتْ لِكيْلا تتوغل الشكوك إلى ذات الإنسان.

وللوصولِ إلى منهجِ النجاحِ في الحياةِ لهو بحاجةٍ إلى خلقِ ثقةٍ بالنفسِ لأنّهُ بمثابةِ المفتاح للوصول إلى الأهدافِ والغايات، فهذا الجانب يُحَقِّق الهدف المنشُود ويقومُ بنزعِ المثبّطات والعوائِق من النفسِ ممّا يَجْعلها مستمّرة في حالةِ الرقي والتقدّم والنجاح على أساسِ العملِ المرجو فعلهُ وتنفيذه.


 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter