|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  16  / 6 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تفعيل الأهداف التكامليّة في المساراتِ التعليميّة والأكاديميّة

يونس عاشور *
(موقع الناس)

يُشكّل المُحيط التّعليمي والأكادِيمي بالنّسبةِ لطالبِ العلم أهميّة بالِغة على الصّعيد ألحياتي والإجتماعي فهو الجذر الرئيس في إشعالِ ثورةِ العلم والمعرفة وإفسال جوهر الإدراك والتّرْجَمة لمعانيهِ ومقاصده وغاياته، وبهِ يتشكّلُ النّظام المعرفي الابيستمولوجي والتدّرج العلمِي الهرمَي الميثودولوجي الذي بموجبهِ يتدرّج ويتدحرج طالب العلم نحو مساراتٍ وأهدافٍ تكامليّة تتيحُ له الوصول إلى أقصَى مراتِب العلم والمَعْرفة القيميّة.

يتنوّعُ في المراكزِ الأكاديمية تخصّصات ودراسَات وأبحاث ذات سياسات إستراتيجية هادِفة وواعية لأجل تنميّة الإنسان تنميةً علميةً صحيحةً مُنبثقةً من جذورٍ بنيوية عقلانيّة هذه البنيات تكمن في النُّخب والكوادرُ العلمية المُتخصّصة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة فَمِنْهم الأساتذة الأكاديميّون والدكاترة الزمنيون أو الأطباء والمهندسون التقنيون أو العلماء الفاعلون المهتمُّون في ميادين العلم والترجمَة للعلوم الإنسانية القديمة والحديثة منها، وبما أنّ المسار الأكاديمي يستوجبُ حضور مثل هذه الفاعليّات والطاقات أو خلق مؤسّسات وسياسات تنبثق من روح تلك المؤسسات والسياسات ذاتها فإنّ أهم عامل يقتضي استحضاره هو هذا الكادر من النُخَب المتخصّصة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة لكي نستطيع من خلالِ ذلك بناء جيل علمي يتميّز بالكفاءَة والخِبْرة أو الجَدارة والقدرة التقنية التي تمكّنه من الخوض في المسارات العلمية والعملية بأهلية صاعدة نحو الدراسات التطبيقية.

من القضايا المُهِمّة والمُلِّحة والمطرُوحة على طاولةِ البحث العلمِي هي مسألة "تدارس وتفعيل الأهداف والأبعاد والمبتغيات والمعطيات الاستراتيجية الغائية لماهية الأبعاد والأهداف والمخرجات في المسارات التعليمية والأكاديمية" على أنّها يجب أن تتضمّن مسارات تغرس في نفسِ الطالب مكونّات سيكولوجية وتربوية وتعليميّة واعدة وتستثمر فيه مقوّمات إيديولوجية ومفاهيميّة راشدة، ولعلّ المكان والمتنفَّس الوحيد هو هذا المكان الذي ينفّس فيه الطالب عمّا في جُعْبَتهِ من همومٍ ومشكلات ومن ثمةَ استظهارها وبوحها لزملائه وأساتذته على النّحو الذي يتيحُ له الإستدماج والتفاعل الاجتماعي المرن لأنّ المُحِيط التعليمي هو ميدان لِمُلتقى الثّقافات والتراثات وكافة التوجّهات والغايات الفكرية المختلفة لبني البشر حيث يشكّل تداخل وامتزاج سوسيولوجي دمث بين المكّونات والإتجاهات الفكرية للطلبة مع بعضهم البعض وبين أساتذتهم من جهة أخرى أيضًا ممّا يجعلهم مُنْدَمِجين ومُتَداخِلين ومُتفاعِلين وكأنّهم مُبرمجين ومهيئين بشكل انصهاري وحواري تفاعلي فالحديث هو دائم بينهم وبين تلك النُّخب العلمية بحيث إذا ضاقت بالطالب ضائقة ما داخل محيطة الأسري تراه يبوح بها في محيطهِ التعليمي والأكاديمي وتلك هي الفرصة السّانِحة لخلق حالة من التّوجيه والتّفقيه والإرشاد والتّصويب الصّحيح المبني على أسس وقواعد التّربية الصّحيحة والهادِفة لخلقِ جيلٍ واعٍ تقوم مبادئه وأسسه على التربية والتعليم العقلاني والابتعاد عن شتى معاني ومفاهيم التعليم الناقص اللاعقلاني الذي ربما ينتهجه البعض بسب ضيق الأفق في الرؤية والمفهوم، وربما تُصادف أُناساً يمتلكونَ عِلماً وتعليماً لكنهم يفتقدون إلى المخرجات الرئيسية للتعليم كخلق مفهوم النضج والإدراك التربوي والتعليمي إلى غيرها من المفاهيم التي سنحاول بسطها في هذه المقالة لتوجيه المسألة التعليمية توجيهاً قيمّياً هادِفاً ناجعاً:

في الحاجة إلى تنمية الإدراك التربوي وتوضيح الماهية للهدف التعليمي التعبوي:
يشكّل تنميّة الإدراك التربوي جوهراً رئيساً داخل بوتقة المسألة التعليمية فهو الوظيفة الأولى الذي يجب الانتباه إليه والتركيز عليهِ تركيزاً فعّالاً وعدم إغفاله أو إهماله إجمالاً لأنّه من خلالهِ يكون تنمية للإدراك والميول وتوجيههما الوجهة الصحيحة التي تتّفق وتنسجم مع صالح الفرد والمجتمع ، والهيئات التعليمية تتحمل مسؤولية بالِغة على هذا الصعيد، وما نشاهده الآن في وقتنا الحاضِر من انحرافاتٍ وتردٍّ في السلوك وتنكّر للمفاهيم والأخلاق التربوية القيمية إنّما هو نتاج الإهمال والقصور لتلك المخرجات الهادِفة لأسس التعليم ومنطلقاته الهادفة.

نحن بحاجة إلى تنمية إدراك الطالب عن طريق استدراجه واستقطابه وتوضيح الأسس والمرتكزات أو السياسات والمشتركات الفاعلة لماهية طرائق التعليم الحديث وتفعيل الجانب السلوكي والتربوي عن إدارة هذا التوجيه وتنمية الشعور لدى الطالب والاندفاع للعمل الايجابي في صالحه وحينما يكتسب الطالب هذه الخصيصة آنئذِ تكون هنالك القابليّة الفعلية لتلقّي بقية الأمور من معلميهم كالإعداد الصالح للحياة المستقلة من مختلف وجوهها ونواحيها وتقوية ملكاتهم وتهذيب أخلاقهم وتعهد غرائزهم وميولهم وغرس العادات الصالحة في نفوسهم وتربيتهم بالنّظم التي تتفق مع نظم مجتمعهم على النّحو الذي يجعلُ منهم مواطنين صالحين ومن ثمة فإن اللازم على الهيئة التعليمية أن توطد أسباب التعاون مع الطلاب حتى تتعرّف على مشاكلهم وسلوكهم وليس لها أن تتّخذ من منصةِ المُحاضَرات وإلقاء الدروس عرشاً تجلس عليه بل لا بد أن تندمج معهم بروحٍ من الأخوّة حتّى تُبصِرهم الحق وتقيم في نفوسهم حصَانة ذاتية من الوقوع في السبل الملتوية وهذا المعنى إنما يكمن في التطلّعات والرؤى والغائيات الكبرى لخلق جيل صالح يحقق الأمن والأمان الاجتماعي المنطلق من مستوى فهمه للإدراك التربوي ومدى فاعليته على الصعيد الحياتي والاجتماعي.

في الحاجة إلى نشر الوعي الثقافي الفلسفي:
إذا شئنا أن نتحدث عن هذا النوع من الطرح والتركيب الجديد (الثقافي – الفلسفي) وأثره على شخصية الطالب في المحيط التعليمي التربوي فإننا نتوجه بكل قوانا العقلية والعلمية على تنهيج هذا المنحى بثقافة عقلانية عريضة ومن ثمة تصويبها نحو الطلاب على نحو حسابي وقياسي فعّال بحيث يستلهمون العناصر والأسس التي بدورها تساعدهم على كيفية الخلق والتشكيل أو الإبداع والتأسيس النظري والعملي في بناء الجانب التربوي والسلوكي داخل كيان شخصية الطالب.

يعتبر نشر الوعي الثقافي والفلسفي من الأمور والعناصر الفعّالة إذ إنّه المقياس لتقدّم الشعوب والمجتمعات في كل عصر إنّما هو بمقدار ما يتهيأ للأفراد من الفرص التثقيفية والتعليمية أو التربوية والفلسفية فإنّ ذلك من أعظم الثّروات التي تملكها الأمة، والتّعليم يجب أن يستهدف نشر الوعي الثقافي الفلسفي بشكل مباشر المبني على إدراك الفرد للظروف المحيطة به وقدرته على التعامل مع مختلف القضايا والتحدّيات المعاصرة ومن ثم تحسين تلك الظروف وهذا ما يقتضي على المؤسسات التربوية والتعليمية أن تولي له اهتماماً بالغاً بأن تعمل على إنماء الروح التعليمية عبر استخدام الأساليب التثقيفية الفلسفية المختلفة .

في الحاجة إلى التعرف على المشاكل الاجتماعية:
من اللازم على الهيئات التعليمية أن تحاول قدر الإمكان كشف بعض الأمور التي تتعلق بالطالب ومحاولة إيجاد حلول ناجعة للمشاكل التي ربما يواجهها الطالب في محيطه التعليمي أو الاجتماعي أو الأسَري لأنّ ذلكَ يُشكّل مُنْعَطفاً هامّاً على الصعيد التربوي والتعليمي، فالقصور المعرفي أو التعليمي مثلاً قد يحدث نتيجة المحيط الأسري فالمشاكل الأسرية تؤثر سلباً على المسألة التربوية والتعليمية للطالب بشكل مباشر وإذا كانت هنالك هيئات أكاديمية تسعى بدورها للحفاظ على شخصية الطالب من الانبعاثات السلبية التي تؤثر على شخصيتهِ فإن ذلك منتهاه النجاح في صقل وتقويم شخصية الطالب على أساس مفهوم التربية والتعليم السليم.

تحقق الهيئات التعليمية التي تحاول جاهدةً التعرف على المشاكل الاجتماعية لدى الطالب هدفاً جوهرياً حول الخلفيات والماهيات لأساسيات التعليم ومنطلقاته القيمية وهدفه سيكون خدمة الطالب وتنشئته وبالطبع أن ذلك يتأتى من خدمة الجميع أيضًا إذا استطعنا إيجاد حلول لبعض المشاكل التي قد يواجهها أبناؤنا الطلاب فهذا الأمر إنّما هو بادرة خير تعود علينا بتحقيق الأهداف المتوّخاة، إلى غير ذلك من الأمور الهامّة التي تحقق لنا الأهداف التكاملية في المسارات التعليمية والأكاديمية واستيعابها من جميع مدخلاتها ومخرجاتها أو في اتجاهاتها ومساراتها المثمرة، وبإمكان الهيئات التعليمية تفعيل هذه الأمور من المراجع والمناهج التربوية والتعليمية التي تُعْنَى بمثلِ هذهِ الأمور الهامة.


 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter