|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  14  / 7 / 2020                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أهمية التّفكير الفلسَفِي في إيجاد "مُجْتَمع ثقافي مَدنِي وعالمِي".

يونس عاشور *
(موقع الناس)

فكرة العِنوان الآنف الذّكر كانَ يصول ويجول في خاطري كثيراً نظراً للحقبة الزمنيّة الطّويلة التي قطعنَاها نحن العرب وما تمخّض عنها لدى المُجتمعات الأخرى من تحولات علميّة وصناعيّة وتقنيّة كبرى على مستوى صعيِد الفكر التّواصلي والعلوم الإنسانية من تحقيق للإنجازات والمكتسبات الحضارية المختلفة في ميادين العلوم الفلسفية التي انبثقت من أركان التفكير الفلسفي المدعوم عقلياً من "بنية تفكير العقل البشري" المُنْتِج للأفكار والنّظريات التي تُرجِمت على الواقع العملي فتحوّلت إلى مكتسبات وإنجازات ووقائع على صعيد المعنى والمفهوم أو على تجديد النظرية والمضمون الكلّي للمفهوم ذاته، وبإمكاننا توظيف التأمّلات والقياسَات أو الحسابات والتحوّلات الزمنية التي كانَ لها التأثير البراجماتي الواقعي في صُنع الثّقافة والنّهضة أو تحقيق مفهوم المدنية واليقظة لأهمية وأبعاد التفكير الفلسفي وما قد ينتج عنهُ من تحقيقٍ للإنجازات والعطاءات الإنسانية وذلك بتحديد ودراسة المفارقات ذات البُعد الزمني بيننا وبين تلك المجتمعات الأخرى التي استطاعت أنْ توجد نفسها في أحضان الحداثة الفلسفية العلميّة حيثُ التطوّر العلمِي والصناعي والتقني ومن ثمةَ انعكاسه الحضاري على مستوى العالم الذي أخد يتحكّم بزمامِ الاقتصاد والتّجارة والصّناعة والتّعليم المعتمَد وإكسابه صبغة إعتماديه للتمشّي بموجبهِ حتى تتحقّق أنظمته الشّمولية التي تدعم مسيرة تكاملية التعليم والتّدريس المبني على الصيّغ والمعادلات أو النّظم للمتغيّرات المنهجية للمناهج التعليمية التي تهدف إلى بناء تعليماً ناجحِاً ومُتكاملاً وتستطيع عزيزي القارئ أن تُحدّق بعينيك لترى أنّ الأنظمة التعليميّة العالمية قد أصبحت معتمدةً اعتماداً أكاديميًا عالمياً من حيث التصنيف ومن قبل جهات ومؤسسات وتخصصّات تكون لها الأهلية والإعتماديه في إيلاء الشّهادات والتّصديقات للجِهات التي تريد أن تكون جهةً تعليميةً معتمدةً ومرموقةً من حيث التّجهيز والإعداد للمناهج والتشكيلة الأكاديمية للبنية الأكاديمية التي ينبغي أن يرتكز عليها التعليم الناجح.

إن توضيحَ المفاهيم الواقعية والبراجماتية التي حُقِقَتْ خاصةً في ميادين "العلوم الفلسفية وتطبيقاتها العملية" لدى المجتمعات الأخرى تستلزم منّا الإلحاح على طرحها وفتح ملفاتها من جديد وتوظيفها بالأطر الوظيفية للفلسفة نفسها ومن ثمة استثمارها وصرفها وتحويلها إلى منهج ومُنتَج عملاني يتيح لنا الانطلاقة الخلاّقة نحو تحديد الهدف المستهدف لخلق مجتمع ثقافي مدني عالمي يقوم على بناء التطلّعات، وإحداث الإحداثيات العقلانية لغائيات منهج التفكير الفلسفي بحيث يكون داعماً ومؤسساً له، وبتوظيف المرتكزات الجوهرية التي يجب أنْ تنطلق من مفهوم الاستقراء النظري إلى تطبيق المنهاج العلمي والعملي، ومن القراءة الثقافية إلى الصياغة المعرفية، ومن التأمّل الناقِص إلى التفكّر المتكامِل ، ومن التنظير السطحي إلى التفكير المنطقي على نحو يساعد في تحويل المجتمع وقولبته إلى مجتمع قابل للمدنية وفاعل لبناء المعالم الحضارية بحيث يكون تصنيفه تصنيفاً ثقافياً ومدنياً عالمياً من قبل الغير ويُنْظَر إليه على أنّه مجتمع توليد الكفاءات والقدرات وتجديد للمهارات في كل الفترات الزمنية التي يمر بها وينخرط بشكل متواصل لا يتوقف أو يتقهقر.

إن السّباق الحضاري اليوم يعتمدُ على التفكير النّابِع من الرؤى الخلاقة الواعية والهادفة لقيمة الفرد كفرد وتحويله من عنصر جامد إلى متحرك ومن مستهلك إلى فاعل ومنتِج ومن محلي إلى مدني وكوني وعالمي بحيث يمارس حضوره كلياً على مسرح التحولات والتطورات العلمية المنبثقة من مفهوم التحّول (التحويل) باعتبار هذه الصيغة الرياضية الفلسفية هي صيغة مُمْكِنَة ومُنْتِجَة كما هو مطروح ومتداول في الأبحاث الفلسفية المعنية بهذا الشأن.

يشكل "منهج التفكير الفلسفي" اليوم موضعاً هاماً على الصعيد التدريسي المدرسي وفاعلاً أساسياً في كيفية توليد محتويات علمية جديدة ومعطيات فعليّة مفيدة نستطيع من خلالها تخطّي الصّعوبات والتحدّيات التي نواجهها أو نصطدم بها على أكثر من صعيد وفيما يخصّ المناهج التعليمية اليوم أو المِنهاج بشكل عام فهو بِحاجة إلى إعادة نظر وتحويل هذا الكم الهائل من المخطوطات والمكتوبات إلى ورش عمل تلائم مستويات وعقول هذا الجيل الجديد المنفتح وتلك هي الفرص السانحة اليوم لدعم هذا الجيل بما يلائمه والعمل على تطويره تعليمياً وعلمياً على صعيد الرغبة والتخصّص التعليمي والأكاديمي حتّى نستطيع قطع المسَافة التي تفصل بينا وبين سائر المجتمعات الأخرى.

وما دام الكلام وسياقه يتمحور حول أهمية التفكير الفلسفي في خلق التحولات الثقافية والمدنية بحيث يتّسم بالمدنية والعالمية فإنّنا من المناسِب التّطرق والحديث عن ميكانيزمات هذا المنهاج على نحو الإيجاز لكي يتسنّى لنا الدّخول في معترك الحياة بأساليب وسياسات تقنية تساعدنا على كيفية حل المشكلات الحياتية:

1- الشمولية (التوتاليتاريه): والمراد بها دراسة الكليات لا الجزئيات، أي الاهتمام بما هو شمولي عام والابتعاد عن الحالات الفردانية المعزولة في الزمان والمكان.
2- النسقيّة: وهي من جهة التنظيم والترتيب المنهجي المحكم للقضايا والإشكاليات والأفكار ومن جهة ثانية الاتّساق وعدم التّناقض مع الذات.
3- الصرامَة المنطقية: وتتمثل في التدّرج في عرض الأفكار على شكل سلسلة مترابطة ومتناسقة الحلقات حتّى يتم فيها الانتقال من البسيط إلى المركب ومن السهل إلى الصعب ومن المعلوم إلى المجهول وسبر أغواره ومعرفة مبادئه وخلفياته ومن ثمّة استخلاص النتائج والمعطيات والعِبَر المترتّبة عنها وتبريرها منطقياً.
4- الموقف النّقدي: وهو إعادة النّظر الدائمة في القضايا والأفكار والقيم القديمة السائدة حول موضوع ما.
5- التساؤل المستمر: وهو في الوقت ذاته نتيجة للموقف النقدي وسبب له فالأسئلة في النظام الفلسفي للتفكير أكثر أهمية من الأجوبة، وكل جواب يصبح بدوره سؤالاً جديداً.
6- الاهتمام بقضايا الإنسان: وذلك بالبحث فيه من حيث أصله وطبيعته ووظيفته ومصيره ومختلف علاقاته مع نفسهِ والآخرين.
تلكم كانت بعض النقّاط والسّمات "لخصائص منهاج التفكير الفلسفي" تحتاج منّا إلى المُراجعة والتوضيح والتفصيل والتصحيح والإسهاب في معانيها ومفاهيمها على نحو يتيح الفرص للأجيال الصاعدة في التفكّر والتفكير لتوظيف هذه المفاهيم على قاعدة المفهوم الكمي والكيفي للمعنى الأصل حتى يتسنّى لنا خلق المشاركة الفعّالة في عميلة الإنتاج الممكن.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter