|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  12  / 2 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

جوهر الفلسفة المثالية في مراتب المعرفة الكمالية..! (1/2)

يونس عاشور *
(موقع الناس)

تلك هي الطريقة المُثلى التي تَعَلَمْتُمْ من خلالها مَعْرِفَة الأخلاقْ وابتعدتمْ عن النّفاقِ والشّقاقِ بفضلِ وعيكم ومستوى فهمكم لماهيّة التفكير الأخلاقي العقلاني، وقد كانَ لكمُ الفضل في توحيدِ كلمتكمْ والاتفاق فيما بينكم والنأي بأنْفُسكم عن الفرقةِ أو الافتراق إن جازَ التعبير، ولم يكن أحداً منكم يتطلّع إلى توظيف مركزيةِ الذات أو الانكفاء والانعزال الذاتي أو التّفكير بطريقةٍ ذاتية في قضاياه الشخصانية/ الأنويّة ، بل كانَ لكلِّ واحدٍ منكم رؤى وتطلّعاتٍ وأهدافٍ وغايات ومرتكزاتٍ ومعطيات حيثُ الدأب على توظيف المفاهيم الأخلاقية والقيم السلوكية كالتّناصح والتسامح والتصالح فيما بينكم بكلمةِ حقٍ وقول فصلٍ ومنطق أصل يُرجّع الأمور إلى قواعدها ونصابها ويضعها في قوالبها الصحيحة نحو الإنصاف والعدل والتوافق والابتعاد عن متاهات ومنزلقات التصوّرات العقيمة التي تدور في فلك محدودٍ وأُفق مسدود بحيث لا يتّسع مكاناً للآخر، والذي قد يتسبب في تدهور الأمور ومن ثمةَ إيقاظ الهيمنة والتّسلط على الآخر.

إنها قيمكم الوضّاءة التي أنرتم بها الطريق للأجيال الصّاعدة، فكنتم عند حُسن ظنّكم وصدق قولكم وسماحة أعمالكم الإنسانية الخيرة التي تنبثق من الضّمير، الضّمير الإنساني، الضّمير الحي، الضّمير المتطلّع إلى معاني وقيم الإنسان بصفتهِ إنساناً يستحقُّ العدل والحقّ ومن ثمةَ إيلاءه بحبوحة العيش الرغيد والهناء السعيد ليكون بذلك في أسمى غايات النُبل والعزّة والكرامة التي يتطلّع إليها كلُّ إنسان ويطمحُ لها كلّ ذي عاقلٍ مستنير يستشعرُ معنى الأهداف الغائية للحياة الإنسانية الحقيقية الصّادقة.

قد تتساءل أخي العزيز عن ماهيةِ الطريقة المُثلَى؟! التي توجنا بها مقالتنا هاته.!
إنّها الطريقة المُثلى التي تكمن في منطلقات التفكير الناجع وسمات أخلقيات الإنسان الناجح الذي يسعى بكل ما أوتي من فهمٍ وعلمٍ ومعرفة أن يوظِّفها لخدمة الآخر من بني جنسه، فيكون بذلكَ قد أصابَ الهدف والتفكير معاً لينتهي به المقام والمطاف إلى خلق جيلٍ واعٍ متطلّع إلى مبادئه وقيمهِ الإنسانية التي ترتكز على كل معاني المعرفة ومبانيها القيمية والتي من خلالها أيضا تكون خدمةً لصالح الإنسان، المعرفة هُنا ليستَ المعرفة السطحية أو المعرفة العلمية الظاهرية الخالية من التوجّه الروحي والحسّي والباطني والاستدلالي واليقيني وإنما عبر إخضاع كل هذه المفاهيم إلى جوهرها الفلسفي لتحقيق مفهوم مراتب المعرفة الكمالية بأن تكون متجهةً نحو الكمالات واليقينيّات والأهداف الكبرى للحياة الإنسانية.

إنّ ذلك ينطلقُ من سمو النّفس وصَفاء العقل وبهاء الروح ورقِي الذات لتكون متطابقةً في أصلها وجوهرها الجذري بأنها روحٌ خيّرة ونفسٌ ساميَة مُتصفةً بعقليةٍ ترانسدنتالية في الذوق والعطاء الذي يرشدنا نحو السير المستقيم ذلكم هو المقام المتمثل في ماهية الطريقة المثلى التي نحن بصددها.

ما أجمل الروح الإنسانية حينما تكون متصدرةً لأجل خدمة النّاس والخوف على مصالح النّاس وتعمل على تأسيس مؤسسات خيرية تكون لخدمة النّاس.

لا تتمثل الطريقة المُثلى في مجموعة مفاهيم من الكيفيات والاستعراضات الشكلية والقولية التي قد نراها من هُنا وهنُاك ويكون البعض من الناس بذلك مقتنعاً بها بغير علمٍ، هذا النوع المنهجي الشكلاني قد يكون موجوداً في حالة التوقيت فقط (مؤقتاً) لأنّه لا يفي بالغرض النهائي الغائي لأنّ توجيهه توجيهاً مصلحياً، خالياً من المصداقية والعقلانية التي ترتكز على العمل الإنساني المستديم.

الطريقة التي نحن نطمح إليها أخي العزيز هي طريقة العمل بصمتٍ وتفان بإخلاصٍ وصدقٍ وبتوجيهٍ صادق يتضمن الإخلاص والقيم التي يستشعر بها الإنسان من خلال ما يلمسه ويعيش واقعه بحيث تكون معالم الأمور لديه ظاهرةً للعيان تقوم بتفعيل وتقديم الخدمات للإنسان وبالتالي تكون مخرجاتها ومنجزاتها ومكاسبها تحقق له الرضا والقناعة والقبول بتلك المكتسبات وخاصةً عندما تكون في مستوى الرقي تعمل على إنجاز مختلف الأعمال وإيصالها برغماتياً وعملياً إلى الإنسان آنئذ تكون النتيجة قيمية وحاضرةً في جوهرها وقواها وفي أدائها وفحواها لا تنفذ وكأنّ هذا الطرح ينبئ عن ضخامة عمل كبير يكرّس وجود الذات ويجعل منها ذاتاً سامية وكمالية في قمم المقدمات والحضارات البشرية مؤهلةً لأنَ تكون حاكمةً بالعقل والمنطلق المفاهيمي وجوهر الفعل المنطلق من ماهيات وعلاقات فلسفية تربط احتياجات الإنسان بالفكر والعلم والمعرفة الناتج عن تأمل وإعمال للعقل والفكر بشكل دائم ومستديم هدفه الاستقرار الذاتي للإنسان.

سنستعير مصطلحاً فلسفياً لتتويج هذا المقال ووضعه في قالبه المنطقي وهو مصطلح الجذمور نشبه تفرع الأعمال الحقوقية لإرضاء النفس البشرية بعمليات وحيثيات وكيفيات لامتناهية تعمل عملها وتفعل فعلها نحو الإتمام والإكمال والترويض والتهذيب والتثقيف وكل معاني كمالات المعرفة، فهل نكون يا ترى؟!

لقد تسنّم الفلاسفة في التاريخ القديم مناصب جمّة بحيث استفاد الناس من علومهم وفلسفاتهم ومعارفهم التي أسسوها ورسخوها في عقولهم هي في حقيقة الأمر من أجل إرساء تربية الذات بمفهوم الرقي والازدهار النابع من الوعي المعرفي الذي يدفع بالإنسان نحو تأسيس مدن وحضارات أُطلق عليها وقت ذاك بـ "المدن الفاضلة" والآن يتكرر لدى الفلاسفة الجدد أسئلة كثيرة وملِّحة حول مشكلة إيجاد صيغ أخرى فيما يخص تكرار نسخ تكون متوافقة ومتطابقة إلى حد ما كطرح مفهوم دولة الحق والقانون أو الدولة المدنية أو الدولة السياسية الحديثة التي تكون معالمها وآفاقها منسجمة مع متطلبات حاجات الإنسان المعاصر وإذا كان ذلك المنطق والمبتغى سيرى النور على المنظور القريب أو البعيد فستنعم النفس البشرية بألف خير وستسمو نحو الآفاق والتطلعات الجديدة التي تقوم على منطق العدل والقانون والدستور.!

بالعودة إلى مراتب المعرفة الكمالية يمكن لنا استعراض وشرح مختزل لمفاهيم تلك المراتب الكمالية على ضوء النظرية الأفلاطونية حسب ما ذكره الأستاذ صاحب الربيعي في دراسته حول مراتب المعرفة عند الفلاسفة:

1. المعرفة الحسية: عبارة عن إدراك صور المحسوسات، وتعتبر أدنى مراتب المعرفة وأولها.
2. المعرفة الظنية: هي الحكم على المحسوسات من خلال مقارنتها بعضها ببعض، واستنباط قواسم مشتركة بينهما. وهي إما صادقة وإما كاذبة.
3. المعرفة الاستدلالية: هي ما يحصل عليها العقل بواسطة الجدل والفرضيات، وتكون مقدمة للوصول إلى اليقين إذا ما استندت إلى فرضيات صادقة.
4. المعرفة اليقينية: هي أرقى مراتب المعرفة وأقصاها، لأنها إدراك للمثل وتعقل لمعرفة الحقيقة المطلقة.

يتبين من تشخيص ((أفلاطون)) لمراتب المعرفة ومدلولات كل مرتبة، إن هناك تحديداً دقيقاً لمستوى المعرفة حيث أشار إلى أن المعرفة الحسية هي أدنى مراتب المعرفة كونها لا تعطي دلالات كافية للوصول إلى المعرفة. ومن ثم تطرق إلى المعرفة الظنية، وهي شكل من أشكال الفروض البحثية وما يتوجب دراسته ومقارنته وثم استنباط أسسه المشتركة لتحقق من صدقه وعدم صدقه. وأعطى أهمية للمرتبة الثالثة للمعرفة، كونها تستدل من خلال مناقشة نتائج الصدق من عدم الصدق المعرفي باستخدام سُبل الجدل والاحتكام إلى العقل للوصول إلى النتيجة النهائية. ومن ثم الاحتكام للنتيجة النهائية في المرتبة الرابعة من المعرفة، كونها الأرقى من حيث الرتبة لأنها تصادق على النتيجة الأكثر صدقاً للوصول إلى الحقيقة المطلقة.

مصطلح جوهر الفلسفة المثالية بدا يشق طريقه مؤخراً في القاموس الفلسفي المعاصر بما يحمل من دلالات متعددة وأبعاد متجددة في الطرح والإغناء والاستيفاء على مستوى كليّة الموضوعات النظرية القابلة للمناقشة في موضوعات مراتب المعرفة وما تتضمّنه من حلول تثري بدورها الجانب النظري والمعرفي وتكون هي الحَكَمْ في إعطاء الرؤية الصحيحة للأمور.

 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter