|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  12  /  6 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في البحث عن منفعةٍ في وقتِ فراغ..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)



أتفحّصُ مقهى شعبيٌ في رُكنِ الشّارع..
فأرى الجمعُ يتقصّدُ ذاكَ المقهى هَرباً من عملٍ كادِح..
يشغلُ وقتَ الإنسان ليلَ نهارٍ في الصّالح..
الصّالحُ ما يبحثُ عنهُ الإنسان في تدبيرِ العيشِ النّافع..
والنّافعُ إصْلاحاً للنّفس وللأهلِ بالعملِ الجامِع..
في حفظِ النّفس من مُنزلقاتِ العِوز القاتل..
زمنٌ استشْرى فيهِ عملُ الكدّ الكاسِح..
فاحتاجَ النّاسُ للتّرويح عن النّفسِ بذهابٍ ومجيءٍ
يُثلجهم بمنافع شتّى في وقتِ فراغٍ ناجِع..
هكذا فكّرَ زيدُ أن يمضي صوبَ المَقهى لِقضاءِ الوقتِ المتبقّي من يومهِ الرّابع..
ففي اليومِ الأول كان زيدُ مشغولاً يَحْرُثُ حَرْثاً في البستان..
وفي اليوم الثاني كان يمضيهِ مشغولاً في خدمة أهلهِ بالإمكان..
وفي الثالث أيضاً مشغولاً منهمكاً يجمّعُ حطبًا من فوقِ الجدران..
في الحارةِ زيدُ مشغولُ يتجوّل بين بيوتِ الجيران..
فعسى أن يبصرهَ شخصاً كي يشفقَ عليهِ بالإحسان..
زيدُ لا يجدُ وقتاً كافٍ كباقي الجمعُ من النّاس المبهوجين..
قررَ يوماً أن يسرقَ من وقتهِ كي يقضيهِ في المقهى المتمركز في ركن الشارع..
ليرى النّاس هناكَ، ويروّح عن نفسهِ بقسماتِ البسمَة المسلوبة..
هكذا يبدو الإنسان في زمنٍ يشغلُ فكرهِ..
يتضجّرُ من سأمٍ يتوغلُ في ذهنهِ..
من ثقلٍ يتلبّسُ في جَسدهِ..
فترى هذا الإنسان يبحثُ عن عنُوان في كلّ مكان..
عنوانُ من ذاك المقهى الشعبيُ "اسمٌ في كلّ زمانٍ ومكان"..
***
النّادل جالس في المقهى ينظرُ من زاوية الشبّاك الموجود في ركن المقهى..
فيبصرُ بشخصٍ قادم..
هو زيدُ الباحثُ عن منفعةٍ في وقتِ فراغ..
وقفَ النّادلُ ينظرُ نحو القادم بتعجّب..!؟
دخلَ زيدُ المَقْهَى..!
فرأى الجمعُ يتغنونَ بكلامٍ معسُول..
فأنْصَتَ للجمعِ كي ينتفعَ بالقولِ المَعْقُول..
وأبصرَ برفاقٍ كانُوا يوماً معهُ في الإعدادية التمهيدية..
فدنا منهم شيئاً شيئا وبأخلاقٍ حميدية..
وتذكّرهم فرداً فردا..
وتحدثَ معهم بِحكاياتٍ وذكرياتٍ عن التاريخ الماضي..
وقالَ لهم:
ألا تذكرونَ أنّي يوماً ما قد كنتُ معكم وحدّثتكم بحديثٍ عن زمنٍ قادِم فيهِ صِعابٌ شتّى..
وكنتُ أقولُ والقولُ الفصلِ كانَ لكم يتجلّى..
عمّا سيأتي..؟
في الزّمن القادم والصّادم..
فترى الإنسان في عجلٍ يبحثُ عن قوتٍ يومي..
لا يمكثُ في مأواه..
يمضي في كلّ الأوقات بحثاً عن رزق متّسعٍ واسع..
وفي الليل يتفكّرُ خوفاً من فقدانِ المأمول..
في عصرٍ ضاع الإنسان بينَ المدّ والجزر الهالك..
تتقاذفه الأمواج يميناً ويساراً كالإنسان الغارق..
لا حول ولا قوة..
لا يبصرُ نوراً من كوّة..
ظلمات تغشاه..
لا يستوعب درساً من تاريخ الماضي..
لكي يصنع فلسفة المُنْتِج والمُمْكن..
لكلّ عقولٍ بشرية..
ترشدهُ بالحكمةِ الغائية..
وتصوغ المفهوم والنظرية..
وتدفعُ بالإنسانِ نحو المأمول
لِمزاولة الأعمال الذاتية..




* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter