|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  11  / 9 / 2023                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ذكريات في مآثر الراحلين من الحياة..

يونس عاشور *
(موقع الناس)



1
لا تؤصد البَابَ الذي كانَ ممتداً بيننا..
فلعمري إنْ مررتَ عليكَ يوماً سأظلُّ واقفاً أتبسّمُ..
ولنْ أغادرَ صَمتَ المكانَ الذي كانَ يجمعُ شمْلنا..
ويغرسُ في حقولِ الذكريات رِفاقنا..
ويكتبُ لنا عمّا في جُعبتهِ حدثٌ..
يجعلني أتخطى المسافات وأتقدّمُ..
ويرسمُ لي دُروباً وعرائش من الضّوء المضمّخ بمجدهِ..
لكي أتّصل بحدائقَ بهجتي مؤمّلاً..
وفيها انتهزُ غمرةَ يقظتي وأتوسّمُ..
بوسامٍ أتّشحُ بهِ دوماً على خُطى ابتهالاتِ الحنيِن دليلنا..
وعنوانه أملُ اللقاء والمودةَ تلطمُ على أعتابِ
الجراحات التي خلّفتها سنينَ الفراق بيننا..
وزرعت فيها خصامنا حيثُ الضباب وعواصِف الرياح تقتحمُ
مياديننا وبيوتنا ورفاقنا الذين كانوا بيننا متواجدين..
لكنّهم في زحمةِ الأيام قد تفرّقوا أشتاتاً وشيعا..
كلّ فرقةٍ بما لديها من مغانم تبتهجُ..
قد نسيتْ لبّ القضيات التي تهمُّ شأن الجميع وتختزلُ
منطق اللاشتات واللاتفرق واللاابتعاد عن بعضها نظمٌ..
ووحدة تلمُّ الشتات أينما كانَ وتجمعهُ في وحدةٍ من رخام ينتظمُ..
ها قد تفرقوا ورحلوا من الحياة فكان لرحيلهم أثرُ..
نعمَ الأطايب الذين كانوا من ذوي الألباب حيث المآثر تتجلى
في آثارهم نِعَمُ..

2
كم بكيتُ وبكيت على الأحبّة الراحلينَ من الحياة..
ورسمتُ في خاطري أسمَى الذكريات التي كانت تحكي لنا سرّ الإباة..
مذ عرفتُ أنّ ثمةَ حكايات تصول وتجول في خاطري تغزل لهفتي
وتنسجها في أُتون الحلم الذي ينشدُ نزع فتيل الخصام والغمَامات التي
تقف عثرةَ بين أهداب عيوني فتجعلها ترتعد من دموع خشيتي للعتاة..
هل لي طريقاً للنجاة فانتفضُ..
هل لي يقظة من سُباتٍ كي لا أرتعد..
هل لي موعظةً كي أقتفي نهج الحفاة الراحلين فأتعظُ..
بمواعظِ الأبرار الذين كانوا يمشون بحذافير ارجلهم على أسنّة الرماح ..
فلا تأخذهم في الحق لومةَ لائم..

3
ذهبَ الذين كانت على جباههم قسمات الشموخ مكانةً وعزةً وشرفا..
وبقيت وحدي أبحثُ عن كائناً كي يجوبُ ابتهالات البقاء عرفا..
فلا يندثر أو يضمحل ذكراه من الوجود أسفا..
بل يبقى أثره نبراساً نقتفي منه الإباء والتضحيات ومنه نتعلّمُ..
خيرُ علمٍ ومعرفةٍ تضيء الدرب لنا مناراً هادياً نتباهى الأقوام به ونتكلمُ
بعلم الكلام الذي يحوي حُسن منطوقٍ وقولٍ وفلسفةٍ ومعرفةٍ تحيي
القلوب بمباهج الحياة فتجعلها تنساقُ للعلم بمكنوناته فنتبصّرُ..

4
هل أتاكَ الناصحُ يطلبُ لكَ النجاة طريقةً..
ويكشفُ الأحوالَ حقيقةً يبتغي منها العزائم والهمَمُ..
لا يرتجي منك مصلحةً أو شيئاً يطلبهُ لغايةٍ
بل التوجيه للإحسان والعملِ..
أرى سبلَ النجاة في أيدي الذين مضوا بكرامةٍ وعزةٍ وبها الفخر نفتخرُ..

5
ثمةَ في قلبي أنينٌ يتجلى في حواشي الذكريات..
كلما أنبشُ أوراقَ كتابي تتعالى فيهِ نسغ أصوات الذاكرات..
وأرى نفسي بينَ حنيني والشتات..
لأناسٍ طيفهم يتجاسر في النفوس العارفات..
اقرن ذاتي كل مرة بذوات الطيبين..
أقرأ المكتوب فكراً حتى آخر قطرة في حياةِ الخالدين..
كم لهم في الوجد ذكرى تتجلى في نفوس العارفين..
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter