|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  11  / 1 / 2021                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ماهية معنى المفهوم ..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

يعرّف المفهوم (Concept) من قبل الباحثين والأساتذة الرياضيين بأنّه فكره تخرج من عالم الفكر (العقل/ Ratio) إلى عالم التعبير عن طريق وضعه في قالب لغوى وعلى هذا، فالكلمة مفهوم منطوق أي أنها فكره في صورة لغوية ناتجة عن سيرورات عقلية بالغه التعقيد (تعميم، تجريد) حيث أنّ كلمه شجرة أو حيوان أو مرض هي ألفاظ تجمع فيها خصائص الشيء المشتركة بين عناصره وتضعها في مفهوم واحد.

يمثل المفهوم - في الفكر والمعرفة - الوحدة الأساسية في كل منظومة فكرية ونظام معرفي، من شأنها تعبّر عن موقف أو نظرية، أو جانب من جوانب التفكير المستقيم، يتمظهر المفهوم بفعل دوافع النفس وآليات العقل وحاجات ومقتضيات وظروف البيئة الخارجية.

وقد اهتم البحث مُنذ القدم بشروط وأسس بناء المفهوم، وأهمية بناء المفهوم من أهمية بناء المعرفة وإنتاجها، التي تمثل الغاية القصوى للمسعى والمبتغى الإنساني العاقل والفاعل ومساره في الوجود، ارتبط بها ولا زال مرتبطاً كلّ بحث فلسفي أو علمي أو غيره. (1)

إذن بعد هذه المقدمة يتجلى لنا الحاجة الماسة إلى دراسة وفهم معنى المفهوم على النّحو الذي يتيح لنا تشخيص ماهيته وإيضاح فلسفته وخاصيته، ذلك أنّ الرؤى والأفكار والنظريات التي تطرح في مجالات العلوم الإنسانية المعاصرة إنما تتضمن مفاهيم متعدّدة من حيث المعنى والدلالة والمفهوم وهذه المباني قد لا تُفهم من حيث بعدها المدلولي إلا بتوظيف ودراسة معناها ألمفهومي (المفهوم) كما أسلفناه آنفاً.

أن ماهية اللاحضور لمعنى المفهوم وعدم مثوله عند كثير من المثقفين هو بسبب عدم كيفية معرفة التعامل معه وتفكيكه تفكيكاً رياضياً قائماً على المُلاحظة والتّجريب والصياغة الرياضيّة والتكميم الحسابي الأداتي العقلاني، بوصفه قراءة مبتكرة نشتغل عليه من أجل تصريفه وإعادة تحويله أو إنتاجه والاستفادة من تفعيله على نحو يُسفر عن ماهية ابتكار إمكانية جديدة للتفكير والتعبير أو للعمل من أجل التغيير والتجديد للنشاط المعرفي والفكري، بل قراءة الحدث الفكري نفسه، بالتّعامل مع الأفكار والمفاهيم كأحداث مولدة للحقائق، أو كأشياء لها كينونتها وواقعيتها.(2)

كثير من الدراسات الألسنية أو الأبحاث الفكرية أو حتى على مستوى الطروحات الثقافية وتداولها بين طلاب المعرفة قد لا يُفهم محتواها أو معناها الغائي بشكل تكاملي ذلكَ بسبب غياب قاعدة رياضية هي التي ندعوها "ماهية معنى المفهوم".

إن غياب المفهوم يعني غياب المعنى، غياب الابتكار النظري والإطار العملي للحدث والعمل على تشريحه وتفكيكه إلى معاني وموضوعات قابلة للفهم والتحويل الموضوعي الخلاق.

يمكن لنا الحديث في هذا السياق عمّا يحدث في العادة داخل أَرْوِقَة الخطاب الفلسفي المعاصر، والخوض في قراءات ومناقشات وجدالات عقيمة قد لا تؤّدي وظيفتها الموضوعية وصياغتها الفعلية ولا تنتج منحاها التحوّلي لأنها لم تنبثق من ماهية أساسية أولية هي ما ندعوه بمعرفة ودراسة (المفهوم).

ولو أنّنا دأبنا لتوظيف هذا المنهج ضمن خطاباتنا أو توجهاتنا الأيديولوجية لاستطعنا تفادي كثير من المغالطات والمهاترات والهرطقات الكلامية التي تحدث في قنوات الخطاب.

وتوظيف المفهوم يحتاج إلى تمتين روابط معنوية ووضع أسس وثوابت فكرية تمكنّه من الانطلاق الخلاّق حتى نستطيع تجاوز العقبات بثوابت وروابط يقينية تأسس لبناء منهجي صحيح قائم على قاعدة المفهومية والمعلومية التي تنطلق من بواطن العقل الخلاّق.
 


المصادر.
(1) مقالة في مفهوم التجديد للدكتور جيلالي بوبكر. الأربعاء 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2014
(2) الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي / علي حرب الطبعة الأولى 1998.
 


* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter