|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  10  /  7 / 2022                                 يونس عاشور                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محطات وإضاءات قيميّة في سرد سيرة نموذجيه (11)
مقوّمات الشخصّية القيادية: "الإرادة والثبات والنظرة الإستراتيجية"..!

يونس عاشور *
(موقع الناس)

وصل الثلاثة (صاحبنا والشيخ المُسن وأبو دولامة) إلى قلعةٍ كبيرة مُحصنّة بجدرانٍ شاهِقة وكان يُحيطُ بها أطواد وتلال مُرتَفِعَة ، ويَتَميّزُ بنائها بمعمارٍ هندسيٍ مُتداخل في تركيبتهِ وهيئتهِ، بحيث إذا نظرتَ إليهِ لا تستطيع تحديد معالمه أو معرفة مَداخله ومَخارِجه لِكِبَر حَجمه، وللقلعة أبوابٌ متّسعة وأعمدة من حديدٍ صلدة ويتصاعدُ منها دخانٌ مصحوب بلهبِ من نارٍ، وفي ذلك علائم ودلالات لهذا الموقع الكبير، كما يقفُ عند بوابة القلعة جنود وعساكر يحرسونها ليلَ نهار لضمان توفير الأمن لأولئك الأشخاص اللّذينَ يقطنون ويعملون داخل القلعة بما فيهم الوالي.

في بادئَ الأمر رفضَا أبو دولامة والشيخ المُسن من الاقترابِ نحو القلعةِ بسببِ ما شاهداه بأمّ أعينهما من هولِ ذلك المكان ولم يكن في حِسبانهما التفكير والاقتراب أو الدخول واللجوء إلى متاهاتٍ وأزقّة مُبْهَمَة، وتعود فكرة الرفض هنا إلى المواقف المسبقة التي قد استفادوا منها دروساً وعبر، لكنّ صاحبنا قالَ لهما يجب عليكما أن تفكرا معي في كيفية دخول هذا المكان الغريب «القلعة» لنكتشف ما بداخله؟

كانت لصاحبنا إرادةً قويّةً ورؤية صَحِيحَة حقيقية مدعومة بصمودٍ قلبيٍ ويقيني، وهنا تكمن أهميّة إيجاد هذه المقومات الهامّة في شخصية الإنسان لأنّها تُشَكّل دوراً سيكولوجيا فاعلاً في تقويم وصقل مهارات الشخصية القيادية الناجِحَة على كيفية مجابهةِ الأمور وعندئذٍ يُصْبح الإنسان مِقْدَاماً ذا إصرار على تجاوزِ الصُعُوبَات والتحديّات والعوائِق الناتجة عن أمرٍ ما من أجل الوصول إلى الهدف بإقتدارٍ وإصرار، والإرادة القويّة أو ما يُصطلح عليها بالإرادة « الحَدِيديّة » تعني التصميم الواعي على أداء الأعمال والأفعال لتحقيق الهدف المرجو الذي يكون وليداً لقرار ذهني سابق يعتمدُ على كسبِ المعارف والخبرات أو دراسة المناهج من خلال حقل التجارب وتوظيف القدرات المختلفة في ميادين الحياة ، والشخصية التي تتّسِمُ بهذهِ الخصائص تكون مبنية أيضاً بِناءً حقيقياً على توق الاطلاع للأشياء والإقدام عليها على نحو ممارسة تقنية التفكير في حلحلة الأمور المستعصيّة التي ربما يواجهها الإنسان إزاء تحديّات الحياة، والذي ينطلقُ من ثوابتٍ قيميّة تكون عاقبتها النتائج المرجوة في تحقيقِ مكاسب وانجازات ذاتية واجتماعية، أمّا الإنسان الذي لا يتحلّى بسمات الإرادة والثبات والرؤية الصحيحة لتقييِم الأمور فإنّه يتراجع ويتقهقر أمَام التحدّيات ولا يستطيع بمقدورهِ أيضًا إيجاد حلولاً ناجعة للخروج من المأزق الذي قد يواجهه لأنّهُ غيرُ قادر على خلقِ إرادة وثبات وإقدامٍ مهني بما يضمن له تحقيق أهدافه ومنطلقاته.

إذن الحاجة إلى إرادة وثبات ونظرية إستراتيجية صحيحة للتعامل مع مُختلف القضايا الحياتية بروحٍ مهنية تعتمدُ في جوهرها على تكوين "شخصية قيادية" من شأنها تمكين الإنسان للدخول في مُعترك الحياة، وها هو ذا صاحبنا يعطي نموذجا حياً لواقع الشخصية القيادية الناجحة مع رفاقه عندما قال لهُما هلُمّا نحو هاته القلاع الكبيرة..!؟

فقال أبو دولامة والشيخ المُسن لصاحبنا لا يمكنكُ الدخول إلى هذه القلعَة، فُهُنَالِكَ حراسُ كثيرون واقفونَ هنالك، ولو أبصروا بِنا لَرُبَمَا يفتكوا بنا جميعاً ..!!

لقد نظرَ أبو دولامة والشيخ المُسن إلى هيئة حُرّاس القلعة فأوجسوا منهم خيفة لهيبتهم وهيئتهم اللامألوفة!
هنا قال أبو دولامة لِنغادر هذا المكان حالاً قبل أن يبصرَ بِنا أحد منهم!. !
لقد رفضَ صاحبنا قول أبو دولامة وقال له: لمَ لا تكون لديكَ إرادة وإقدام نحو معرفة المجهول موجّهاً بِكلامه أيضاً إلى الشيخ المسن!!.

فقالا لهُ أن أنتَ عزمتَ وأردتَّ الذهاب هذه المرة فأذهب لِوحدك ! أمّا نّحن فقد سَئمنا المُجازفات الطويلة معك، ويكفي لنا هذا المقدار من الوقت الطويل الذي قد أمضيناهُ معاً في رحلات وتنقلات مليئة بالمخاطر والتي قُدّر لنا العيش والنجاة بأنفسنا من ذئابٍ كاسرة ووحوش قاهرة منتشرة في بقاع المعمورة حيث تتربصُ وتتحين الفرص لكي تفتك بالنّفس البَشرية من أجلِ الهيمنة والاستعلاء ..!!
قالَ صاحبنا لهما انتظراني لا عليكما..!
لدىّ فكرة ما قبل أن تذهبا بي إلى حيث ما شئتما..!
فقالا أبو دولامه والشيخ المسن وما هي فكرتك..؟
ألم تسأم من المضي قُدماً نحو المجهول ؟!..
فقال صاحبنا لهما: وأيُ مجهول هو أخطر من الموتِ المجهول؟!!

فقالا أبو دولامه والشيخ المسن لصاحبنا أنت صاحب نفس طويل لا ينتهي وفكر رصين دائماً يرتقي، في إشارة إلى عزيمتهِ وإرادتهِ ورؤيتهِ الصحيحة التي كانت مُتَجَسّدة في شخصيته القوية.
نقترح عليك بالاحتراز على مصير حياتك حتى يتسنى لك الانتفاع فيما تبقى من عُمُرك وحياتك..!

صاحبنا: أي عمر هذا الذي إذا أغرقته إمتاعا بمتع الحياة راودتك الأحاسيس والمشاعر النبيلة إزاء المحرومين والمستضعفين، كثيرون أُولئك الذين لا حول لهم ولا قوة في هذا العالم ممن لا ينالون لقمة العيش..! وكان صاحبنا في مقصده أولئك المحرومون الذين لا يستطيعونَ نيلَ حقوقهم المشروعة التي تتمثلُ في نيل لقمة العيش.

أن صاحبنا أراد أن يُنظّر لمقولات قيمية وإنسانية نبيلة كي تجعلُ من الإنسانِ مُتطلعاً إلى ما يدور حوله من أوضاع كارثيّة تفتك بالنفس البشريّة وتسلبُ منه عزيمته وإرادته وحقوقه، كل ذلك بسبب مركزية الذات الخاضعة للأطماع الأنوية والدِنْيويّة.
أبو دولامه والشيخ المسن لصاحبنا: طيّب هل لديكَ مُحصّلةً نهائية حول ما طرحت؟!
صاحبنا دعونا نحاول الاقتراب من هذا المكان ونسأل حراس البوابة عن هذه القلعة ومن يا ترى يكون بداخلها .؟!

أبو دولامه والشيخ المسن لصاحبنا : لكنّ المكان يبدو خَطِراً علينا أن نحن اقتربنا منه، ربما قد يُلقى القبض علينا أو يُرمى بنا في السجن، فالحرّاس هنالكَ كثيرون ومخيفون ..!
فقال صاحبنا لهما كونوا على قدرٍ من العزيمة والإرادة والثبات وتقدّموا وتوكلوا على الله.. هيّا ..!
قبلا أبو دولامه والشيخ المسن فكرة صاحبنا التي كانت تتمتع بحصافة ونظرة ودهاء..!
فقالا له هيا بنا نحو هذه القلعة لنرى ماهيّة الغموض الذي يكتنفها ...!
قال صاحبنا: هيّا بنا جميعًا، أتجه الثلاثة نحو القلعة المحصنّة وإذا بدخانٍ هائل يتشعبُ من كلِّ مكان فخافوا جميعهم وبدا عليهم التقهقر والتراجع إلى الوراء إلى أن هدأ الدخان فقال صاحبنا تقدّموا ثانيةً... فقالا الاثنان له كلا ليس هذا عين العقل..! بأن نُقتل أو نلقي بأيدينا إلى التهلكة، وضلّ صاحبنا ينصحهما ويوجههما إلى أن قبلا كلامه في المرة الثالثة وذهبوا جميعهم باتجاه بوابة القلعة إلى أن وصلوا وهم يتخافتون فأبصر بهم أحد الحرّاس وقال لهم من أنتم..!؟
قفوا وإلا قتلتكم جميعًا..!
من أين انتم!؟ وما الذي جيء بكم إلى هذا المكان الذي لا يستطيع أحدُ من الناس الوصول إليه؟!..
فقال صاحبنا نحن كنا تائهون في خضمِّ هذا البحر وإذا بنا على ضفاف هذا المكان وبدأنا نمشى شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى هذه القلاع.. !
قال لهم حارس القلعة: إذا لم تغادروا هذا المكان فسوف يأتي من يلقي القبض عليكم ويرمي بكم في زنزانتها المظلمة، إنني أنصحكم بالفرار من هنا حالاً..!
قال صاحبنا أتسمح لنا بالدخول إلى هذا المكان..!؟
لقد رفضَ حارس البوابة كلام صاحبنا وكانت هيئته مخيفةً غير مهذب في التّعامل مع الآخرين، إلى أن ألحّ عليه صاحبنا بطلب الدخول ، فسَمِحَ لهمُ الحارس بالدخول ، فقال لهم هيّا ادخلوا هذا المكان الخطير الذي لا ينجو منه أحد إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم..!
فقال صاحبنا ولمَ هذا التهديد الوعيد أيها الحارس..؟
فقال الحارس لأنّ والي هذه القلعة حاد الطباع للغاية ولا يقبلُ من احد أياً كان مشاركته أو العيش معه..!

دخل الثلاثة القلعة وهم في حالة توجس من أمرهم بسبب ما سَمِعُوُه من حارس القلعة، لكنّ صاحبنا كان له دورًا ريادياً وقيادياً في تهدئة نفوسهما وترويض مشاعرهما وتحفيزهما نحو اكتشاف المجهول.!
أن الحياة بحاجة إلى صبرٍ ومثابرة وتصرُف بحكمة ودراية تُمَكّن الإنسان من تجاوز الصُعُوبات والمِحَن التي قد تُصادفه في حياته فيكون بذلك مستنِداً على حكمتهِ وعقله لتبديد الشكوك وما يساوره من مثُبِّطات للعزم والإرادة.

عندما دخلوا القلعة تعجّبوا من كِبر حَجْمِها وضخامة مساحتها وحِصنها الشامخ، فأنت عندما تُلقي بنظرك في الداخل تجد صعوبة ما في ارتسام وتقريب الرؤية أو التعرف عليها بشكل واضح، مسافات طويلة وأعمدة شاهِقَة وجدران عالية وجسور معلّقة في كل حدب وصوب وأبواب ضَخْمَة كل باب يقفُ عندهُ حرّاس شداد غلاظ .
عندما وصلوا جميعهم إلى الداخل قال لهم بعض الحراس ماذا تريدون وما تفعلون هنا ..!؟
قال صاحبنا هل لنا بِمُقَابَلِة أحد ما هنا ؟!

قال أحد الحراس ضاحِكاً ومتهكمًا من صاحبنا ومن أنتَ يا هذا حتى تُريد مقابلة أحد ما هنا – أنهُ الوالي حاكم القلعة والمكان الذي أنت بداخله الآن..!


 

* كاتب وأكاديمي فلسفي
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter