|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  18 / 7 / 2015                                 وفاء البو عيسي                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 



محمـد ينقلب على خديجة!

وفاء البو عيسي

مقدمة
في التراث الإسلامي، يُذكر أن أول من صدّق محمـداً كان في الحقيقة امرأة، إنها خديجة، وأن محمـداً قد عرف إلهه من خلالها وحدها (حادثة كشف رأسها للملاك جبريل)[1] فخديجة التي وثقت بعقلها كشفت الله لمحمـدٍ الذي شك بعقله.

لقد تحقق البرهان لمحمـد، حين ثَبُت أن خديجة تملك حدوساً، تجعل لها قدرةً متقدمةً على معرفة الحقيقة، تفوق قدرة المقصود بالحقيقة، هذا لأن خديجة كانت تملك فرطاً من بصيرة الكشف، وكان محمـدٌ في الواقع يفتقر إليها!

لكن ما الذي حدث لاحقاً، كي يقع ذلك الإنقلاب في أن يكون محمـدٌ هو مؤسس العقل وخديجة هي ناقصة العقل؟ متى وكيف نُسجت خيوط المؤامرة ضد خديجة التي آمن محمـد عن طريقها، لتصير هي المؤمنة بأنه نبي، وهو المؤمن بأنها شيطان [2]؟ متى بدأ مسار الردة في مفهوم الحجاب، الذي كان نزعه هو البرهنة على صحة الإسلام، ليصير لاحقاً هو البرهنة على صحة أنها مسلمة؟

واليوم إذ أتأمل هذه الأسئلة القديمة الجديدة [3]، وأُوشك على الولوج في حزمة المحرّمات التي تنكّرت لخديجة غير التي قدمها غيري، إنما أفعل هذا من فوق الإسلام، وإن صادفت هذه المقالة عقولاً تنفتح على السؤال دون أن تشعر بالخوف فسأكون سعيدةً حقاً، وإن لم تصادف غير الصدأ الذي عطّل مفاصل الكثير من الأدمغة لتنهال بالسباب، فسأتمنى بوقاحة أن يغربوا عنها وعني!

ليس فقط خديجة
لم تكن خديجة وحدها، هي المرأة التي تعرف الحقيقة قبل أن يعرفها مؤسس الحقيقة، بل كانت أمها الأولى كذلك، إذ يروي لنا التراث الإسلامي، أن آدم استيقظ ذات إغفاءة ليجد امرأةً تقف أمامه، فسألها ما أنت فقالت امرأة، فقال ولمَ خُلقتِ قالت لتسكن إليّ، فسألته الملائكة من هذه يا آدم قال حواء، قالوا ولمَ اسمها حواء فقال لأنها خلقت من شيء حي [4].

آدم الذي تعلّم الأسماء كلها لم يعرف ماهيّة حواء، ولا عرف علة خلقها، هذا لأن معرفة آدم هي معرفة سطحية، لا تُدرك الجوهر ولا تعرف الماهيات، في حين أن تلك التي لم تُعَلّم الأسماء، كانت في الحقيقة تدرك الماهيات وتدرك الجوهر، لإنها تدرك الحقيقة!

وما بَصُرت به خديجة كانت امرأةً أخرى قد بَصُرت به قبلها، حين عجز رجلها عن أن يبصره وشكك فيه كمحمـد، إنها هاجر جارية إبراهيم، حين تركها في وادٍ ميتٍ بأمرٍ من الله، فرأت هاجر بفرط بصيرتها العين التي ستنقذها هي ووليدها تنبجس قربها وتفيض عليها، حين لم يرها هو وظل قلبه يغلي فرقاً عليها وعلى اسماعيل.

تلك النسوة الثلاث، خديجة، حواء، هاجر، كان غيابهن ليكون هو غيابٌ للذاكرة كلها، كان ليكون إمحاءاً للدين وللرسالة، لكن كيف قوبلت تلك النساء؟

لقد قوبلن بالتغييّب من الذكر، وبإمحاء أسمائهن، وبالتنكّر لدورهن في البرهنة على وجود الله، بل إن الخطاب الإلهي (في غالبيته الساحقة) توجه إلى رجلٍ معلومٍ دائماً، حتى في المرات التي أُنزلت فيها تعاليماً تخص النساء وحدهن!

لم يكن من كرامة للمرأة في الخطاب الإلهي إلا كرامةً رمزيةً فحسب، تلك الكرامة كانت ترتبط دائماً بانتمائهن الجنسي لهم لا غير، فدائماً وطوال الوقت بقيت المرأة في الخطاب الإلهي بالإسلام، ملحقٌ يضاف إلى الرجال، فلم تظهر أسماء النساء في القرآن إلا بالإحالة على مرجعية الأب أو الأخ أو الزوج، فقد قُدّمن دائما بالتبعية لرجل، ومن خلال علاقتهن الجنسانية به فقط (امرأة فلان اخت فلان بنت فلان أم فلان)، ونجت من ذلك التجاهل مريم، لأنه لم يكن للمسيح غيرها كي يعرّف به في الخطاب، وما كانت هي لتُعْرَفَ لولا أمومتها له!

ما الحقيقة التي أدركتها خديجة والأخريات، وجهِلها مؤسسو التوحيد؟
لقد امتلكت خديجة وحواء وهاجر سلطة المعرفة، وبرهان العقل، والتصديق بالله قبل كل واحدٍ من أزواجهن، محمـدٌ شك أنه يعاني هلاوس سمعية وبصرية، فكاد ينتحر معتقداً أنه مجنون لأنه تخيل أن إلهاً يكلّمه، آدم لم يتعرّف على "الآخر" ولا على "الماهية" في حواء، بل وقف عند معرفته باسمها لأن معرفته كانت إسمية فحسب، أما ابراهيم الذي طلب من ربه تجربةً في إحياء الموتى، قد عاد ونسيها وهو يلتمس منه أن يصنع تجربته الأخرى، لإحياء جاريته وابنه من موت الصحراء!

لقد أمكن لتلك النساء، أن يتجاوزن المجال البصري لعيون بعولتهن بـ"البصيرة"، ويبصّرونهم بما لم يبصروا به، لقد رأين بجذوة القلب ما كان محل شك أو جهل لدى مؤسسي التوحيد الثلاث (محمـد، آدم، إبراهيم) وكان على أؤلئك الثلاثة أن يصدقوهن كي يصدّقوا الله!

لتلك النسوة شيء زائد يتمتعن به دوناً عن بعولتهن، إنه علاقتهن بالذات المتعالية (الله) من خلال عينهن الباطنة، التي تتسلق عالم النفس وتنفتح على الحكمة، كن يتمتعن بامتلاكهن بؤرة الوصل بين عوالم المعرفة الروحية، إنه العرفان والشوق بفيض العين الثالثة، التي تملكها النساء ويغبطهن الرجال عليها دائماً حتى محمـد!

يوم أن طلبت خديجة من محمـد أن يخبرها إن جاءه ملاك الوحي، سألته إن كان يراه حين أجلسته في حجرها وحين كشفت عن ساقها، لكنها حين تحسّرت (أزالت حجابها) هرب الملاك من فوره! كان محمـدٌ يرى لكنه لا يصدق ما يراه، وكانت خديجة لا ترى لكنها كانت تصدق ما لا تراه، لأنه لم يتوفر لمحمـد ميزة النظر العلويّ التي توفرت لخديجة.

التأسيس للإنقلاب على خديجة
لا مناص من القول، إن خديجة (المرأة) ظلت دائماً فاعلاً سلبياً في الدين بكل مصادره، بل ظلت طوال الوقت كائناً مُزاحاً من دائرة اعتراف محمـد (الرجل) ومحبته، إلى دائرة التجاهل بل وحتى التعمية عليها، لقد تضافرت أربع عتلات على حمل آلة دينية محكمة التركيب، تشتغل على الحيلولة بين الرجل وبين محبة المرأة، هي على التوالي، تشييئ المرأة، تعديد الزوجات، الطهارة من مقاربتها جنسياً، والحجاب!

أولاً تشييئ المرأة:
يتمظهر ذلك في الآية 13 آل عمران :
"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" فالمرأة انزاحت عن مكانتها كإنسان عارف بالحقيقة، لتتناص مع الماديات المغرية كالذهب والفضة، وتتناص مع الدواب كالخيل والبغال، لأنها صارت من ضمن أمتعة الحياة.

إن تشييئ المرأة لم يكن عرضياً بحال، فقد انسحب على العلاقة مع الرجل بأكملها، لهذا ظلت المرأة غائبةً كذات وغائبةً كإرادة وغائبةً كعارفة، فهل يُجدي بعد هذا أن نتكلم عن تقدير ما لها؟!

ثانياً تعديد الزوجات:
إن تعديد الزوجات يهدم أهم أركان العلاقة الزوجية، وهي ربط علاقة عاطفية ومستمرة مع الزوجة، وغير متصور أن تنشأ شراكة مبنية على الحب والرحمة بين رجل وامراة، والرجل يضع جدولاً أسبوعياً للنكاح، ويوزع نفسه بعدالة بين 4 أجساد، لكل منها لغته وتضاريسه وإشاراته وأفكاره ومتطلباته التي تخصه وحده، وغير مفهوم أن تنشأ شراكة مع امرأة على أُسسٍ من الحب، دون أن تُبنى على فردانيتها وكيانها الخاص بها وحدها، فإن اخترق تلك الشراكة نساء أخريات، فنحن حتماً أمام اغتصاب زوجي مشرعن، أو بأحسن الفروض أمام استمناء زوجي يمر به الرجل مع نسائه الأربع.

ثالثاً الطهارة:
الإسلام يعلّمنا بالمائدة آية 6، أن ممارسة الجنس هي نجاسة تلطّخ الكيان المادي والروحي للإنسان "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا"، وملامسة المرأة والطُهر منه جاء مُستصحباً بفعل التغوط وإخراج المواد السامة من الجسم، "...أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء ..".

وإزالة تلك النجاسة لا يتأتي إلا بغسل الجسد بالماء، الذي يجب أن يبدأ من الجانب الأيسر (المضاد للخير) سبع مرات متتالية، ودعك الأعضاء التناسلية جيداً (مصدر الأفعال المستقذرة) وغسل الروح بتلاوة ما تيسر من القرآن إن أمكن أو استحضار أدعية وأحاديث خاصة، بل يُنتظر من الرجل أن يستحضر بعض تلك الآيات والأدعية قبل أن يشرع في مضاجعة امرأته، وأن يتعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم.

ومع إحاطة الجنس بكل هذه التدابير، التي تستهدف إعادة الجسد والروح فوراً لحالة الطُهر، يصعب كثيرا الكلام عن علاقة حسية ترتفع بالرجل والمرأة، عن التكاثر والخضوع للإكراه الغريزي للعملية الجنسية، إلى علاقة بين قطبين، يمتنع على أحدهما أن يعلو على الآخر في رحلة وجودية دائبة، وأن يعتبر الآخر محقناً لتفريغ سوائله فحسب، عدا عن أن إقتران المرأة بالنجاسات (الغائط) والإسراع بالاغسال بعد الفراغ من ملامستها، هو تحويل اهتمام الرجل بالمرأة والتكلف بها، إلى الإهتمام بالله وتوجيه طاقته نحوه وحده والإنشغال بعبادته.

رابعاً الحجاب:
كان إزالة حجاب خديجة هو أساس البرهنة على نبوة محمـد، لإن إزالته مثّلت إزالة الغشاوة عن بصيرتها المترعة بالكشف، وجلبْ عينها الثالثة إلى حقل الرؤية والعرفان، والدفع بالحقيقة إلى الإعلان عن نفسها في التوحيد، وكان إهالة الحجاب عليها من جديد، هو طمس تلك العين الباطنة، ووضع مخرز فيها بعد أن أدت مهمتها لصالح المؤسس!

مخطئٌ من يعتقد أن الحجاب هو محض خرقة تضعها المرأة على رأسها، إنه في الحقيقة منظومةٌ متكاملة، تعمل على التعميّة على المرأة عقلاً وروحاً وجسداً، وعلى سحبها من مجريات الحياة العامة، من القضاء، من مشروع البناء المجتمعي، من التأسيس لمجتمعٍ متوازنٍ يسير على قدمين، من منابر التعبير عن الحقوق والأختلاف، ومن شرفات السلطة الثلاثة.
 
الحجاب هو شطب الذات والهوية الأنثوية، وتحييدها لصالح هوية افتراضية، هوامّية، قلقة، متهمة، ومذعورة من اختلافها عن هوية المؤسس، تتحرك في فضاءاته العمومية بشروطه، تمشي فيها بمعيّة محرم، موفورة بالسواد، معدومة اللون والصوت والرائحة، حتى لا تترك أثراً في فضائه يذكّر بها، إنه يفرض أن تتحرك فيه كما لو كانت بسجن، جسدٌ يسير خلف جدران حجاب، حين يقيم سوراً عالياً بينها وبينه في مجال الرؤية، فيصير هو الراصد وهي المرصودة، هو الناظر وهي المنظورة، الحجاب إذاً هو نظام منع حقيقي ومتكامل ومقصود، ألم يعرّفه ابن منظور في لسان العرب بأنه كل ما مَنَع؟!

وبهذا تلتئم حلقات المؤامرة حول خديجة وجداتها، ويُسحبن بهدوء ودأب من مكانتهن كناظرات وعرفانيات، إلى مقصورات في خيام الحجاب وخيام الجنة، فيُقيّدن إلى محض وظيفة الإمتاع، حتى يصرن بالنهاية مكافآةً للرجال!


 

[1] رواها أبن هشام في سيرته والطبري في تاريخ الأمم والملوك.
[2] إشارة للحديث النبوي بأن المرأة يستشرفها الشيطان، وأنها تُقبل في صورة شيطان وتُدبر في صورة شيطان.
[3] مقاربات لهذه الأسئلة تجدها في كتابات جورج باطاي وفتحي بن سلامة.
[4] أنظر قصص الأنبياء لإبن كثير وغيره.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter