|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  4  / 5 / 2016                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عن الحشد الشعبي .... بصراحة

تحسين المنذري
(موقع الناس)

والمناسبة هي الشائعات التي تؤكد تسليم حماية المنطقة الخضراء الى الحشد الشعبي ، وقبلها إعلان هادي العامري رئيس ميليشيا بدر عن إستدعاء كل قواته لتطويق بغداد وحمايتها من الارهابيين، وما قيل عن ظهور ميليشيا سرايا الجهاد في حدود المنطقة الخضراء من جهة جسر الطابقين والكرادة، وما ينقل هنا وهناك عن تواجد لمسلحين بأزياء متباينة بما فيها مدنية خاصة في مناطق الجادرية، بالمختصر الظهور العلني للميليشيات المسلحة على أثر تنامي الحركات الاحتجاجية وإنزلاقها في منحنيات غير محسوبة النتائج.

لم تكن فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية للشيعة في النجف، إلا ضوءا أخضرا للميليشيات المسلحة الموجودة بعضها قبل إصدار الفتوى، كي تأخذ الطابع الرسمي لوجودها، المدعوم من الحكومة العراقية بأغلبيتها الشيعية مع رعاية وإسناد إيرانيين وبدون أية مواربة. وبرغم ما كان بين تلك الميليشيات من عداء مستحكم بين بعضها، ووقتي او متذبذب بين أخريات تبعا لمصالح وأهواء قادتها المباشرين أو قادة الاحزاب السياسيين رعاة تشكيلها وإدامتها .... فإن تلك الميليشيات ضمنت الكثير من الامتيازات منها الدعم اللوجستي ومساحات تتحرك عليها علنا والتغطية والدعم الاعلاميين، فقد لعبت أجهزة إعلام بعينها مقروءة ومرئية، دورا هاما في تكريس وجود تلك الميليشيات وإضفاء صفات الشرعية والبطولة والوطنية ووجوب وجودها وغير ذلك الكثير، إلا إنها لم تستطع ابدا إلغاء الصفة الطائفية عنها مهما حاولت إظهار رغبات لأفراد مشكوك في صحتها للتطوع فيها أو هم فعلا متطوعين وهم من دين آخر أو من المذهب الاخر.

ولعل ما نسب الى الحشد الشعبي بعيد تحرير بعض أجزاء محافظة ديالى كان مؤشرا خطيرا للدور الذي قد تضطلع به فيما لو إستتب لها الامر، ورغم إستنكار قادة سياسيين لما حدث بما فيهم رئيس الوزراء شخصيا، لكننا لم نسمع عن أي إجراء قانوني بحق المسيئين ولا حتى إجراءا إنضباطيا! وغير ذلك فإن الحشد الشعبي تم رفض إشتراكه في تحرير مناطق أخرى كانت محتلة من داعش مثل مدينة الرمادي وأقضية وقصبات أخرى من محافظة الانبار حيث الريبة من الدور الذي يمكن أن يلعبه منتسبوه، سواءا بتوجيهات مركزية من قادة الحشد أو من مبادرات فردية من منتسبيه دون أن ينالوا عقابا عن ذلك وإستعاض أبناء تلك المناطق بمتطوعين أسموهم أبناء العشائر أو الحشد العشائري في تمييز بيّن عن الحشد الشعبي، ولحد الان لم تتضح الصورة في إشتراكه أم لا في تحرير الموصل ومحيطها.

كما إن الصدامات التي حدثت بين بعض ميليشيا الحشد وقوات البيشمركَة الكردية في منطقة (الدوز) كانت مؤشرا آخرسلبيا عما ستؤول اليه الامور مع تمركز وتقوية الحشد الشعبي، ورغم إني لا أمتلك الدليل على من كان المعتدي في تلك المعارك الجانبية، إلا إنها بجميع الاحوال خطرة كونها نشبت بين قوات غير نظامية ولا تحمل أي منها عقيدة وطنية! إن نُذُر السوء تظهر للعيان بشكل جلي من ممارسات الميليشيات المنضوية تحت إسم الحشد الشعبي لما تحمله من تركيبات طائفية متشددة، وهل هناك من ميليشيا تحمل السلاح غير متشددة؟ لكن الخطورة الكبرى تتمثل في مجموعتي عوامل أساسيتين تتسم بها ظاهرة الحشد الشعبي، الاولى هي الرعاية الحكومية والدفاع المستميد من قبل رموز السلطة الشيعة عن الحشد وممارساته والاصرار على إنه جزء من القوات المسلحة العراقية ويأتمر بأمر القائد العام وهو نفسه رئيس الوزراء، دون أن يكلفوا هؤلاء أنفسهم للتفكير بشكل سليم عن جدوى وجود ميليشيا غير منضبطة في العادة الى جانب قوات مسلحة يفترض فيها الانضباط والعقيدة الوطنية، وإلا فإن هذا التبني يؤشر الى منزلق خطير حيث تدار المنظومة الامنية من قبل ميليشيا وأيضا الى خلق قوى عسكرية موازية للقوات النظامية على شاكلة الحرس الثوري الايراني وهذه السمة تتأكد بمجموعة العوامل الاخرى المتمثلة بالدعم الايراني العلني للحشد وعدم نكران ذلك من قبل قادة الحشد والحكومة على حد سواء، وهذا يعني الولاء الخارجي المعلن والموافق عليه من قبل حكومة يفترض بها أن تكون مدافعة عن سلامة أراضي أقليمها وحافظة لأمن وسلامة شعبها ، فكيف يتحقق ذلك مع ولاء خارجي؟

ومن كل ما تقدم فإن تم إسناد حماية المنطقة الخضراء الى قوات الحشد فإن ذلك مؤشرا خطيرا على مدى إنعزال السلطة السياسية عن الشعب من جهة وتسليمها لامر حمايتها وبالتالي قيادتها الى دولة أجنبية، ربما كان ولاء بعض القادة السياسيين الشيعة الى إيران واضحا وصريحا في مناسبات عدة، لكن ان تصل الحال الى حماية الحكومة من قبل قوى تدين بالولاء لدولة أخرى فتلك ماساة لا أظنها حدثت في أي دولة فاشلة أو اي سلطة في ظل اللادولة !! وحتى لو لم يتم ذلك بهذا الوضوح فيكفي تبني بعض ميليشيات الحشد لفكرة حماية بغداد أو لمناطق منها أو حتى لبيوت قادة سياسيين فإن ذلك يدلل على وصول حال البلد لمستوى متحلل جدا ووضع ينذر بالسوء أكثر مما هو فيه وكان عليه! فهل إن حكومة التكنوقراط ستكون كفيلة بحل هذه الاشكالية؟ أنا في شك من ذلك، وهل ترك الامور كما هي دون أن يكون هناك من صوت يستنكر أو يرفض على أسس وطنية وليست طائفية يقود الى نهاية مقبولة؟ لا أظن أيضا. إن القوى المدنية وقد أثبتت حضورا إيجابيا في تحركها الاحتجاجي سيما في بداياته ممكن لها أن تلعب دورا محوريا في التحشيد ضد إستشراء ظاهرة الحشد الشعبي لو إنها تبتعد بشكل أكبر عن قوى الاسلام السياسي عملا وتوجها، فإن قوى الاسلام السياسي جميعها وبدون إستثناء غير بريئة من تهمة إمتلاكها لميليشيات مسلحة ولا أعتقد إن من مستلزمات بناء الدولة المدنية وجود ميليشيات مسلحة وتابعة لحزب إسلاموي .

إن تركيزا إعلاميا على الحشد الشعبي صار، سيما في الفترة الاخيرة، ظاهرة يجب التوقف عندها، فهاهي الفضائيات تُظهر زوار الائمة وكأنهم لم يأتوا سيرا على الاقدام ويتكلفون كل ذاك العناء إلا لكي يدعون الى نصر الحشد الشعبي وليس القوات المسلحة العراقية، وطلبة الجامعة المتخرجون يهدون نجاحهم الى الحشد الشعبي هكذا يتحدثون الى الفضائيات، بل وحتى أساتذة الجامعة يهدون جهدهم العلمي الى الحشد الشعبي، وكل المارة وكل من هب ودب يظهر على فضائيات بعضها رسمية تتبع الدولة وليس احزابا كل هؤلاء لا هم لهم سوى التفكير بالحشد الشعبي والدعاء لقواته بالنصر المؤزر. لكني وفي الاخر أتوجه بالسؤال الى المرجعية الدينية صاحبة فتوى الجهاد الكفائي : هل إن مايحدث وما تم من تشكيل وتطوير لتلك الميليشيات كان جزءا من مستلزمات الفتوى؟ وهل كانت المرجعية مقدرة لهذا الذي حدث؟ أعتقد بدل إعادة لبس عباءة التقية، على المرجعية أن تقول كلمتها كي يتبين للناس الخيط الابيض من الخيط الاسود، خير من إختلاط الصور والالوان!
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter