|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  30  / 10 / 2020                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الحزب الشيوعي والانتخابات المبكرة

تحسين المنذري
(موقع الناس)

تفاعلت قضية الانتخابات المبكرة، منذ أن طرحها منتفضو تشرين في العام الماضي، وخضعت لتجاذبات وتقاطعات القوى المتنفذة في الحكم حتى تم تشريع قانون إنتخابي وملحق تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تؤكد نهج القوى المحاصصية في التمسك بالحكم رغم كل دعوات التغيير التي عبرت عنها الانتفاضة لاجل تبديل نهج الحكم ووضع أسس جديدة للعملية السياسية خارج إطار المحاصصة الطائفية ـ الاثنية، والتي أثبتت فشلها الذريع على كل المستويات والاصعدة وكانت العامل الارأس في التراجع والتخلف الذي يعاني منه المواطن العراقي بشكل أكبر، على أنقاض ما فعلته الدكتاتورية المقبورة.

وفي كل ما جرى بخصوص الانتخابات المبكرة كان للحزب الشيوعي موقفا معلنا من رفض القانون الانتخابي السيئ وتقسيمات الدوائر الانتخابية وما يترتب على ذاك من تكريس وجود نفس قوى التخلف والظلام وإن بتبديل بعض الوجوه مع بقاء نفس النهج، ورغم هذا الموقف الرافض والايجابي من الحزب الشيوعي لمجريات التهيئة للانتخابات المبكرة، إلا إنه يطرح مخافة أن يكون الحزب عازما على المشاركة في هذه الانتخابات!! فأربع دورات مضت إشترك فيها الحزب الشيوعي منفردا أو متحالفا، حملت جميعها نتائج كارثية سواءً على صعيد التحالفات أو نسبة التمثيل البرلماني، وفي كل مرة كانت قيادة الحزب تحمل الظروف الموضوعية والقوانين والقوى المتنفذة و.. و... الخ من أسباب أخرى لا مجال للخوض فيها هنا، فهل إن الحزب بحاجة الى إنتكاسة أخرى ؟ أي إذا ما اشترك في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في العام القادم.

لقد رفع المنتفضون في تشرين من العام الماضي مطلب الانتخابات المبكرة في لحظة زمنية معينة كانت فيها الانتفاضة تكتسح الساحات والتأييد الجماهيري يتسع بشكل لافت ، وكانت القوى المتنفذة في وضع صعب لم تمر به منذ 2003 والى الان، حيث ملأها الخوف وعانت الانعزال والتراجع، لكنها بعد فترة قصيرة إستطاعت أن تستوعب الموقف وتحتوي مطلب الانتخابات المبكرة وتستعيد شيئا فشيئا مواقعها المستقرة في الحكم، بعد أن قامت أيضا بحملة تشويه للمنتفضين أفرادا وجماعات وبث أخبارا ملفقة عن دعم هذه السفارة أو تلك الجهة الاقليمية أو غيرها مما إمتهنته كمسلك على طول فترة عملها السياسي قبل وبعد 2003، وبحكم خبرتها الماضية تمكنت من تشريع قانون إنتخابي على مقاساتها، سيما وإن الانتفاضة عانت من إنحسار جماهيري وإختراقات بائسة مما أدى الى تراجع حاد في التفاعل مع شعاراتها رغم مشروعية المطاليب، كما إن القوى المتنفذة إستطاعت أيضا من العودة لإثارة النعرات الطائفية مستغلة مناسابات عدة كي تعود الى الواجهة كقوى ضامنة للتكوينات الطائفية ـ وعلى صعيد الطائفتين ـ مما يعني إنها عادت الى سابق ظهورها في تصوير نفسها الحامي الفعلي والممثل الافضل للطائفة الفلانية، ومن كل ذاك فإن مطلب الانتخابات المبكرة قد تم تفريغه من أهميته وباتت الانتخابات إن جرت اليوم أو غدا فهي ستعود بنفس القوى المتنفذة الى السلطة عن طريق التزوير أو الرشى أو الترهيب أو أي إسلوب قذر آخر إتبعته تلك القوى الطائفية ـ المحاصصاتية .

وعليه فإن أية قوى اخرى من خارج المتنفذين في الحكم إن إشتركت في الانتخابات القادمة فإنها سوف لن تنال ما تصبو إليه إن لم تنتكس بشكل أكبر، كما إن مجرد الاشتراك في هذه الانتخابات فذلك يعني قبول بقانونها وتقسيمات الدوائر الانتخابية وبالتالي إعطاء مشروعية مسبقة لنتائجها وأيضا للقوى التي شرعت وقادت البلاد الى الخراب، لذا فالمطلوب الان أولا إعلان الرفض التام لفكرة الانتخابات المبكرة وأيضا للقانون البائس الذي شرعته مؤسسات المحاصصة وصولاً الى رفض كامل للعملية السياسية ومخرجاتها، وبالاخص على الحزب الشيوعي أن يعلن مراجعته النقدية لمسيرة عمله منذ سقوط الدكتاتور والى اليوم سيما فشل فكرة التغيير من الاعلى ، أي التأثير على قيادات العملية السياسية المتنفذة في الحكم ، حيث لم نلمس ولا أية إشارة من أحد تؤكد نجاح الحزب في تغيير قانون ما أو قرار جائر أو أي شيئ آخر.

إن الساحة الامثل للصراع مع تلك القوى هي ساحة العمل الجماهيري ، هي الطبقات المسحوقة والمهمشين، هي الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير من شغيلة اليد والفكر، فذلك خير ألف مرة من التصارع غير المجدي في مسالك وصالات ضمنت قوى المحاصصة إنتصارها فيها ، وأعتقد إن الوقت ليس مبكرا في إعلان تلك المقاطعة، بل العكس فإن الجماهير بحاجة دوما الى من يديم معارضتها ويطرح البدائل المطلوبة وتغيير مسارات الاحداث لمصلحتها بكل جرأة وإقدام وشجاعة، وهذه صفات شكلت الارث الحقيقي للشيوعيين لابد من العودة الى إذكائها في صفوف أعضاء الحزب وجماهيره، وصولاً الى عزل القوى المحاصصية المتنفذة عن الروافع الاجتماعية التي إنساقت خلفها عن عدم دراية وبلا وعي أحيانا من قِبَل الكثير من شرائحا وفي مواقف وحالات عدة.

العودة الى الشارع ، الى الجماهير، والخروج من بيروقراطية المقرات ، مع الرجوع الى منابع الفكر الاصلية التي قام عليها الحزب الشيوعي ، تلك هي الوصفة السحرية التي تعيد الى الحزب مكانته وتُعلي من شأن تضحيات أعضائه وجماهيره .


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter