|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30  / 11 / 2017                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في الذكرى الاولى للمؤتمر العاشر

ما بين الدرس الاول والدرس الاخير
(1ـ3)

تحسين المنذري
(موقع الناس)

(أن تنتظر رضا الاخرين عنك كي تقول رأيك فستبقى صامتا أبد الدهر)

يوم كان العناد زهوا، والتمرد مفخرة، والعمر في عنفوانه لم يبلغ السن المفترضة للقرار، قررتُ أن أتخذ الالتزام والانضباط طريقا، فكانت علاقة صداقتي بالحزب الشيوعي العراقي، عن طريق المناضل (جدو مجيد)*، لم يملي أحد عليّ ذلك ولم أخضع لرغبات آخرين، كان قرارا فرديا وإندفاعا ذاتيا ورغبة شخصية في رؤية الحياة من نافذة أخرى، سمعت عنها وعرفت شيئا يسيرا جدا من مكنوناتها، لكن أعجابا برواد من الحزب وشخوصا كانوا يعيشون بيننا، وكنت ألتقي بعضهم وأتعرف من خلالهم على مكنونات هذا الحزب ومدلولات توجهاته ومعنى وطن حر وشعب سعيد. لقاءات عدة وأحاديث شتى كانت لي مع صلتي الحزبية (جدو مجيد) حتى قادني في أكثر من مرة الى إحدى مقاهي الكاظمية المكتظة بالرواد قرب متنزه (14 تموز) في الكاظمية ويجلسني على طاولة تجمعني بالاستاذ لطيف وهو شيوعي معروف في الكاظمية رغم إنه كان أعمى وإثنين آخرين لم أعرفهما ولا أتذكرهما الان، كان الاستاذ لطيف مدرسا في إعدادية الكاظمية للبنات كونه أعمى فهو موثوق الجانب، وفي كل لقاء من تلك الجلسات كانت تدور أحاديث شتى لم أشارك في أي منها، فأين أنا من هؤلاء يوم كنت لمّا أزل غضا وكانوا بالنسبة لي كبارا وذوي تجارب عدة من إعتقال وهروب من السجن وقراءات وتحديات واجهتهم وهم ثابتين على مبادئهم وعازمين المواصلة حتى نهاية المشوار.

في المرة الاخيرة وجدو مجيد يأخذني لنتشارك مع نفس الثلاثي الجلوس في المقهى فوجدناهم يمزحون مع إستاذ لطيف حول عمله وسط الطالبات وكيف لبعضهن أصواتا تطرب وتطلق الخيال بأوسع صوره، وكنت أنا الاصغر سنا بينهم والمراهق الوحيد فشاركت في بعض هذا المزاح متصورا إن معرفتهم بي كانت كافية من خلال اللقاءات السابقة، ولا أتذكر بالضبط ماذا قلت وقتها لكنه كان له علاقة بالطالبات أو بنات المدرسة، وإذا بالجو يتكهرب ويرد عليّ الاستاذ لطيف بما معناه من هن الطالبات ؟ هن بناتنا وأخواتنا وأعراضنا فكيف لك أن تقول ما قلت !!!! أتذكر فقط إني غرقت عرقا وإن جدو مجيد أحس بوضعي فقال لي هيا نخرج، وبعد عدة خطوات خارج المقهى فارقني وذهبت وحدي أتساءل مع نفسي عن الذي حدث وماذا فعلت وكيف ولماذا وماذا وهل وغيرها تساؤلات أصابتني بالارق تلك الليلة وبالصدمة في اليوم التالي حينما صارحني جدو مجيد بأن تلك اللقاءات كانت لغرض تقييمك ومن ثم ترشيحك لكنك فشلت في الاختبار وتقرر تأجيل ترشيحك الى أن تبلغ الثامنة عشرة!! فيا لخيبتي وحسرتي!! لكن ما حدث كان درسا مهما تعلمت منه كيف يكون أحترام المرأة أولا والصمت في حضرة الكبار وإختيار الكلمات بعناية إن رغبت بالحديث، والانتباه لسلوكي أينما حللت فلم أكن أتوقع أن يجري إختباري بهذه الطريقة وفي المقهى! إلا إني بجميع الاحوال تعلمت وصرت أكثر إنضباطا.

ومن بعد ذلك توالت الدروس، بعد الترشيح والعمل في الخلايا والهيئات المختلفة وفي إتحاد الطلبة العام حتى التجميد والذي كان درسا بليغا آخر فقد تعلمنا كيف نلقن أزلام البعث دروسا بكيفية المواجهة والاستمرار والتصدي لطروحات الفكر القوماني المتخلف وإن عدم وجود تنظيم طلابي مهني لم يمنعنا نحن الطلبة الشيوعيين من خوض غمار النضال شبه العلني والدخول في صولات حامية الوطيس لم تزدنا إلا بأسا وصلابة، فقد تعلمتُ إن أهداف النضال واحدة وإن تعددت أساليبه ومجالاته.

ترافق العمل الحزبي آنذاك ليس فقط بالتصاق بنهج الحزب وسياساته وإنما بوَلَهٍ شبه رومانسي يتجسد بعلاقات حميمية مع رفاق الخلية الواحدة أو مع رفاق الحزب في أي مكان، ونُعجب بكل ما يأتينا من الهيئات العليا والرفاق العاملين فيها، فقد كانوا ظنا منّا بأهليتهم المطلقة لتبوأ تلك المواقع وقيادتنا وحتى وإن حصل خلاف ما بوجهة نظر أو رأي ويلجأ هؤلاء الرفاق الى المركزية الحزبية لفرض وجهة النظر تلك فقد كان ذلك يتم بروح رفاقية تقترب كثيرا من السمات الابوية والتي تضع المتلقي في موقع لا يملك إلا أن يتماشى مع رأي الحزب أو الهيئة الاعلى .

لم أكن أنا منفردا في عائلتي بعلاقتي بالحزب فقد كانت العائلة جميعها تقريبا على صلة ما بالحزب وكان بيتنا ملتقاً لرفاق من مختلف المنظمات قادمين من أصول ومدن شتى ولم يكن يجمعنا معهم سوى الولاء الحزبي والتشرب بالمبادئ والقيم الشيوعية بقدر درجة إستيعاب كل منا وهي متفاوتة بالضرورة، لكن الحميمية كانت أبرز ملامح تلك العلاقة، ستدفع العائلة لاحقا ضريبة الانتماء الشيوعي والعلاقات الواسعة .




* (جدو مجيد) هو المناضل حميد غني الاسدي أحد ابطال المقاومة المسلحة عام 1963 في الكاظمية وأحد أبطال الهروب الشهير من سجن الحلة ، مازال حيا يرزق أتمنى له الصحة والسلامة والعمر الطويل .
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter