|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  27  / 2   / 2024                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الرسالة الثالثة
الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

تحسين المنذري
(موقع الناس)

كما وعدت في الرسالة السابقة ها إني أكتب لكم مرة اخرى ، رغم إن أغلبكم لا يقرأ ولا يريد أن يسمع من الاخر ملاحظة سلبية حتى لو صغيرة، وبالتأكيد أنا لست نكديا أو متصيدا في الماء العكر، لكن قضية الحزب تشغل بال الكثيرين وأنا منهم، فالتدهور المريع في أعداد المصوتين يستدعي الوقوف مليّا على ما جرى . صحيح إننا تعودنا معكم على الخسائر والنتائج الضعيفة مع كل إنتخابات منذ 2003، إلا إن النتائج الاخيرة كانت صدمة حقيقية، فهذا الحزب العريق ذو النضالات والبطولات التي غيرت مسار الكثير من الاحداث العراقية لم يحصل كل مرشحيه سوى على (7702) صوتا من مجموع الاربعين مليون عراقيا أي بنسبة أقل من إثنين الى كل مائة ألف عراقيا ، وهي بالتأكيد نسبة متدنية جدا ، تفرض على المرء العودة الى ما مضى، ليس حبا بالماضي ، وإنما الدروس المستخلصة منه تبقى منارا للحاضر وللقادم من الايام. فحزب تشكل في بلد لم تكتمل ملامح تطوره، تسود في مدنه قيم عشائرية ـ دينية مختلطة تحارب كل جديد، وريف تسوده علاقات شبه إقطاعية ـ عشائرية ـ أبوية، ونظام سياسي تابع للدولة الاستعمارية الاكبر آنذاك مع إنتداب مباشر على كل مفاصل عمل الدولة، وأيضا فالطبقة العاملة كانت ناشئة للتو في قطاعات وأماكن محدودة ، وقبل هذا وذاك كانت المسز بيل قد فرضت تشريع قانون مكافحة الشيوعية مع بدايات تشكيل الدولة العراقية أي قبل ظهور اي شكل من أشكال التنظيم الشيوعي، ورغم كل ذلك تصدى فتية آمنوا بالوطن وإعتنقوا المبادئ الشيوعية سبيلا للتحرر الوطني فإنتظموا بحلقات فكرية تطور عملهم لتشكيل أهم وأخطر تنظيم يهدد مصالح الغرب الرأسمالي ألا وهو الحزب الشيوعي العراقي .. ليسطروا مع من إلتحق بهم ملاحما بطولية شاهدة على التاريخ وفنارات لمن يريد العمل ويسلك التحدي سبيلا الى تحقيق الاهداف السامية ، وكان لنضالهم ذاك ثمرات .

* في عام 1943 حيث الحرب العالمية الثانية وتضييق الحريات في العراق وبعد فشل إنقلاب العقداء الاربعة بفترة قصيرة، وعودة القوات البريطانية كقوات إحتلال علنية ، مع تلك الظروف كانت عضوية الحزب تتراوح بين ( 3000 الى 4000) عضوا (1) فإذا علمنا إن نفوس العراق آنذاك تتراوح بين ثلاثة الى أربعة ملايين نسمة فستكون نسبة الشيوعيين واحد بالالف الى سكان العراق، ولو إعتمدناها كمعيار فيفترض أن تكون عضوية الحزب الان بما لا يقل عن أربعين الف عضوا، فهل هي كذلك؟

* في عامي 1947 و1948 حيث خيانة مالك سيف وإعتقال قادة الحزب والحملات البوليسية العنيفة التي كانت تشنها الاجهزة الامنية والتي أدت في بعض المدن الى الاجهاز على الهيئات القيادية فيها، بلغت أعداد توزيع جريدة القاعدة "3000" نسخة من كل عدد (2)، فإذا علمنا إن النسخة الواحدة لا تعني قارئا واحد بل خلية بأكملها ربما من أربع الى خمس أعضاء مع الاصدقاء المرتبطين بهم، فربما يكون المعدل عشرة قراء للنسخة الواحدة أي بما مجموع ثلاثين ألف قاري لكل عدد !! فكم هي أعداد طريق الشعب الورقية الان؟ وكم أعداد زوار موقع الحزب الالكتروني يوميا أو حتى إسبوعيا؟

* بعد إعدام قادة الحزب وسلسلة الانكسارات التي رافقت وتلت ذلك والتبدلات المتعددة التي حصلت في قيادات الحزب، لم يمنع كل ذاك من تصدر الشيوعيين المشهد في إنتفاضة تشرين / 1952 والتي أدت الى إهتزاز النظام السياسي واللجوء لتشكيل حكومة طوارئ عسكرية برئاسة "نور الدين محمود" والذي كان رئيسا لأركان الجيش قبلها، وحملة الاعتقالات العنيفة والتي طالت بعض قادة الاحزاب الوطنية الاخرى بما فيهم كامل الجادرجي والذي تساءل في المعتقل من بعض الشيوعيين عن إعتقال باسم فقيل له لا لم يعتقل عندها قال : إذاً سوف لن يطول إعتقالنا (3) وباسم هو الاسم الحزبي للرفيق بهاء الدين نوري سكرتير الحزب آنذاك .

* بعد تبدلات مجتمعية عميقة وتغييرات داخل الحزب وتسلم الرفيق سلام عادل المسؤولية الاولى في قيادة الحزب، عادت الانشطة الجماهيرية الكبيرة الى العلن وما حدث في إنتفاضة 1956 شاهدا على ذلك، ففي تقرير المكتب السياسي للحزب المقدم الى إجتماع اللجنة المركزية في شباط 1957 (خرجت الجماهير بحوالي 200 مظاهرة في ثلاثين من المدن العراقية) (4) وهنا لابد من الاشارة لحقيقة هي إن الاحزاب الوطنية الاخرى واحزاب قومية شاركت في تلك المظاهرات أي لم تكن الجموع كلها شيوعية أو مناصرة للشيوعيين، لكن الحملة التي شنتها أجهزة القمع الملكية على الشيوعيين وإعدام قادة إنتفاضة الحي، يدلل على ريادة الشيوعيين لتلك المظاهرات.

* أما بعد ثورة تموز1958 فإن الحزب لم يستكن ولم يتخلى عن تبنيه مطاليب الكادحين والسعي لتحقيق نظام ديمقراطي مكتمل الاهلية، لذلك (نشطت منظمات الحزب الشيوعي لتنظيم المظاهرات الاحتجاجية وزجت قيادة منظمة بغداد كل كوادرها في هذا النشاط وكان قادتها يشاركون في المظاهرات ويقودونها بأنفسهم) (5)

* (منذ منتصف تموز 1959 شنَّ عبد الكريم قاسم حملته للتضييق على الحقوق الديمقراطية التي إنتزعتها الجماهير بنضالاتها الواسعة) (6) . وقد عبر الشهيد سلام عادل عن شراسة تلك الحملة في رسالة وجهها للحزب الشيوعي السوري في 21/ نيسان/ 1961 حيث قال (بلغ مجموع من زجته حكومة قاسم في المواقف والسجون عام 1960 بتهم سياسية واحدا وعشرين الف مواطن غالبيتهم الساحقة من القوى الديمقراطية) (7) . إلا إن تلك الانتكاسة في مسيرة ثورة تموز وتراجع قاسم عن الوعود الديمقراطية لم تمنع الحزب من رص صفوفه ووقوفه الى جانب الجماهير في أحلك الظروف بل ودفاعه عن الاهداف السامية للثورة ومصالح الكادحين فكانت وقفته البطولية في مواجهة إنقلابيي شباط الاسود / 1963، وما أظهرته الارقام المتوفرة عن قوة الحزب أذهلت الجميع فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن البصرة تلك المدينة العمالية الباسلة كانت إحدى قلاع الشيوعيين ففي قطاعين فقط من القطاعات العمالية في البصرة هما قطاع الميناء وقطاع النفط بلغت أعداد الشيوعيين المنتظمين في القطاع الاول (7000) شيوعي ملتزم وفي الثاني (4000) ملتزم (8) أي بما مجموعه أحد عشر الف شيوعيا في قطاعين فقط هذا عدا بقية القطاعات العمالية وفئات المجتمع البصري الاخرى من كادحين وكسبة ومثقفين ومتعلمين وطلبة وغيرهم، وأظن إن التساؤل هنا مشروعا هل يتناسب ذاك مع ما حصل عليه مرشح الحزب في البصرة في الانتخابات الاخيرة حيث لم ينل غير (635) صوتا فقط ستمائة وخمسة وثلاثون صوتا لا غير !!!

* بعد تلك الضربات الموجعة من قبل إنقلابيي شباط الاسود وما أدت من خسائر فادحة في صفوف الحزب من شهداء ومغيبين ومعتقلين فإن همم الرفاق لم تنتكس وواصلوا العمل النضالي الدؤوب وما إنتفاضة حسن سريع إلا نموذجا فهي لم تأتِ من فراغ ، فقواعد الحزب قد تماسكت مرة أخرى وتقول دراسة يتبناها موقع "رؤى سويسرية" الالكتروني وهو موقع مستقل وشبه رسمي (في ستينات القرن العشرين كان عدد اعضاء الحزب الشيوعي نحو "15" الف عضو، وكان وازنا في كل المنعطفات التاريخية التي مرت على البلاد) أي في تلك الظروف الحرجة بلغت فقط عضوية الحزب ضعف عدد الاصوات التي نالها مرشحو الحزب في الانتخابات الاخيرة.

* أما في سبعينيات القرن المنصرم فلا زال الكثيرون من شهود تلك الحقبة أحياء ويتذكرون ما قدمه مناضلو الحزب من إستبسال وتحدٍ لسلطة القمع البعثية وعلى مختلف الاصعدة ويكفي أن أشير الى عمل ونشاط المحلية الطلابية بقيادة الشهيد الباسل (علي حجي حسن "أبو حيدر") والدور الذي لعبه مناضلوها في توعية الطلبة ونشر الفكر التقدمي، وحسب بعض الرفاق ممن كانوا في تلك المنظمة فإن أعضاء الحزب واصدقائهم وجماهيرهم في تلك المنظمة البطلة يفوق بعدة أضعاف ما ناله كل مرشحي الحزب في الانتخابات الاخيرة .

* تلك هي بعض من شذرات نضالات الشيوعيين ومن حقب مختلفة تثبت قدرة المناضلين الشيوعيين على التكيف مع مختلف الظروف وأختيار أساليب العمل الملائمة ورفع الشعارات المناسبة لكل مرحلة ، مما يفرض طرح بعض التساؤلات على اعضاء اللجنة المركزية والشيوخ منهم خاصة : هل مررتم على تلك المعلومات سابقا؟ وهل قرأتم شيئا من تلك الارقام؟ أ لم تستفزكم؟ أ لم تعيد فيكم شيئا من عزيمة ونخوة الشيوعيين الرواد والسابقين؟
 


(1) حنا بطاطو : العراق ج2
(2) نفس المصدر السابق
(3) بهاء الدين نوري : المذكرات
(4) عزيز سباهي : عقود من تاريخ الحزب ج2
(5) صالح دكَلة : من الذاكرة
(6) عزيز سباهي : عقود ج2
(7) نفس المصدر السابق
(8) حنا بطاطو : العراق ج3 الجداول
 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter