|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  24  / 9 / 2016                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الحزب الشيوعي والحركة الاجتماعية: المتن والهامش

تحسين المنذري
(موقع الناس)

تعتبر عملية المطالبة بتحسين الحال عند الانسان فطرية منذ نشأة الخليقة، فكل التطورات التي حصلت على حياة البشرية هي نتاج طبيعي لسعي الانسان لتطوير وضعه نحو الاحسن، بدءاَ من إستخدام الحجر كأداة للصيد ، ومن ثم إكتشاف النار كويسلة للطهي، وأيضا مذ إمتهن الانسان الزراعة وصولا الى ماهو عليه الان من وضع، كلها جاءت على خلفية المحاولات العظيمة تأريخيا لبني البشر في تطوير وضعهم وإستقرارهم على كافة الاصعدة.

وفي خضم هذا السعي الدؤوب حدث ويحدث حتما صراعا إنسانيا سواءا مع الطبيعة كبداية لسلسلة الصراعات المتتالية فيما بين البشر أنفسهم وصولا الى تولد حركات فكرية ذات مضامين إجتماعية ــ إقتصادية أثرت على شكل الصراعات وديمومتها، وتأريخا أثبتت الحركات التي لها إمتدادات فكرية نضجها عن تلك التي تولدت نتيجة لظرف طارئ مهما كان عمقه ومهما إتسعت الحركة المتولدة عن هذا الظرف، فالاديان كحركات فكرية عميقة تولدت نتيجة لحاجة إنسانية في التغيير، ومن ثم الصراعات بين الاديان نفسها تطورت نتيجة مصالح فئوية ـ طبقية وإن تلبست بلبوس أخرى، وداخل كل دين حصلت العديد من الارهاصات الفكرية وتولدت مذاهب وطوائف، في البحث عن إصولها سنكتشف مصالحا طبقية أيضا، إلا إن الاهم ملاحظته هنا هو بقاء وديمومة كل حركة فكرية (دينية أو مذهبية) يرتبط أساسا بمدى تمثيلها طبقيا، وكانت كل تلك الحركات العميقة تتولد الى جانبها حركات اخرى هامشية، قد تنمو وتبرق أكثر من الاصل إلا إنها سرعان ماتخبو نتيجة لهامشيتها في الظهور أو إنها تولدت كصراع جانبي عن الصراع الرئيسي الذي خلق الحركات الفكرية العميقة والتي تعتبر الاصل أو المتن.

حتى تراجع دور الاديان كحركات فكرية تستجيب للمتغيرات المجتمعية نتيجة عوامل عدة ـ ليس هنا مجال البحث في اصولها ـ لحساب نشوء حركات فكرية فلسفية عميقة قادت المجتمعات في حينها نحو تغيرات عميقة في التطور أو في النظرة للتطور كأقل نتاج، فكانت الفلسفات المثالية تظهر وكأنها تبلط الارض لظهور فلسفات أخرى أكثر عمقا، وكل هذا ظهر نتيجة لبحث الانسان عن فسحة جديدة للتطور ولتغير الانماط القديمة سواءا في طريقة معيشته أو الاصح في تغيير شكل العلاقات الاقتصادية القائمة والتي تتحول في حقبة ما الى معيق لتطور الانسان مما يستدعي العمل بفكر وتنظيم لتغيير ذلك النمط المعيق، حتى جاءت الماركسية لتحدث ثورة عارمة في الفلسفة والتاريخ والاقتصاد، وكان من الطبيعي أن يرافق ظهورها وتطورها إرهاصات فكرية وتداعيات وتغييرات متعددة ، إلا إنها جميعها كانت تصب في مصلحة تغيير بنية المجتمع أو في الاقل تغيير واقع حال سيئ، فلم يكن فائض القيمة الذي سلط ماركس الضوء على دوره في الاضطهاد وفي تطوير رأس المال، إلا عاملا حاسما في تغيير نظرة المجتمع لما يجري من صراعات في داخله، وعاملا هاما في ظهور أحزاب وتنظيمات سياسية تتبنى الماركسية كنظرية عمل، و كنتيجة حتمية ظهرت الى جانب التنظيمات التي قامت على الماركسية توابع مثل النقابات وبعض المنظمات المهنية أو ذات الطابع التمثيلي لفئات معينة من المجتمع، إلا إن هذه التوابع جميعها لم تكن يوما لتصلح بديلا عن التنظيمات الماركسية نفسها، حتى وإن إتسعت في لحظات معينة لتبدو وكأنها أكبر أو أوسع من الاحزاب الماركسية ، ذلك إن المتن أو الاصل هو صاحب الفضل الاول في بث الوعي وتطوير أساليب المطالبة بالحقوق .

وفي خضم هذا الصراع الهائل حاول الرأسمال الالتفاف بشتى الطرق للحد من رغبة التغيير الجامحة متبعا شتى الاساليب بدءا من القمع وصولا الى تقديم بعض التنازلات، التي لم يقدمها بسهولة بل إتبع مختلف أساليب التسويف والمماطلة، إلا أن جذرية المطاليب في التغيير لم تحدث لولا بعدها الطبقي .

ومن هنا لابد من الاشارة الى أن بعض أساليب الرأسمال كانت دونية لمستوى منحدر جدا منها محاولته دس بعض المنحرفين عن الفكر او ممن تمكن من شراء ذممهم كي يحدوا من عنفوان الحركات السياسية والنقابية الحقيقية، وكانت الارض الخصبة لتلك المحاولات البائسة هي المنظمات والحركات التي تظهر بشكل هامشي بين الفينة والاخرى ذلك إنها تكون في العادة واسعة وغير متجذرة طبقيا وممكن لها أن تستوعب من هب ودب وتلك هي نقطة ضعفها الابرز.

إن هذه الهوامش تلقى في الكثير من الاحيان الرعاية والدعم من قبل الاحزاب السياسية إلا إنها بجميع الاحوال لا تسمح لها أن تكون بديلا عنها حتى وإن برقت أضواؤها نتيجة لهذا السبب أو ذاك، وبالتالي فإن التعامل معها يكون حذرا بقدر دعمها، كي لا يحصل وأن يتصور العاملين من خلالها بأنهم باتوا بديلا ، وتلك ليست من مساوئ الاحزاب السياسية بل هي النتيجة الطبيعية لمثل هذه التحركات السياسية تكتيكيا لاجل خدمة إستراتيجية الحزب الشيوعي ، ومن هذا فإن التركيز على سعة وتطور الحركات الاجتماعية في الوقت الحاضر لا يخدم تطوير عمل الحزب الشيوعي بقدر ما يعكس صورة سلبية عن واقع الحزب، فالاجدر بالحزب الشيوعي أن يعلن تبنيه للمطاليب الجماهيرية رسميا وتصديه للعمل الاحتجاجي المطلبي وليدعم بعد ذلك كل حركة سياسية أو إجتماعية تتبنى نفس المطاليب وتسير مع الحزب الشيوعي أو خلفه لاجل تحقيق المطاليب المشروعة ، ومن هنا لابد من فض الاشتباك أو في الاقل تنظيم العمل لمن يزدوج في عمله بين الحزب الشيوعي (المتن) وبين الحركة الاجتماعية (الهامش) وعليه في الاول والاخر أن يركز على دور الحزب الشيوعي وليس على دور الحركة الاجتماعية لانها ستمسي في الاخر هامشية وليست ذات شأن إذا ما أستطاع الحزب الشيوعي النهوض ثانية وبقوة بوجه محاولات التهميش والاستقواء بالسلطة أو نهب حقوق المسحوقين، ومن يعتقد بأولوية الحركة الاجتماعية من مزدوجي العمل بين المتن والهامش أرى من الاجدى له وللحزب الشيوعي أن يغادر الحزب ويكرس نشاطه كما يعتقد هو وذلك ليس بالشيئ المعيب تماما فلكل ٍ وجهته في العمل وهي في الاخر محترمة حتى مع الاختلاف، أما البقاء هنا وهناك والاستفادة من المتن والهامش لاجل الظهور وإدعاء العمل الجاد فتلك ستضر حتما بالحزب ، وإن بقي الذي يعمل على حاله بشكل مزدوج بدون الرضوخ لرغبة الحزب فعلى الحزب إتخاذ الاجراء الضروري الهام في مثل هكذا موقف .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter