|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  21  / 11 / 2015                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إسلام آخر ممكن !

تحسين المنذري
(موقع الناس)

مهما يحاول المسلمون المعتدلون إبعاد شبهة العنف عن الدين الاسلامي فإن محاولاتهم تلك تنتهي بالفشل ، ذلك إن ما يحمله القرآن من آياتٍ تدعو للقتل والقتال والحرب كفيل بإسكات المدافعين، عدا الشواهد التاريخية والتي تعد بالالاف عن عدوانية المسلمين دولا وقادة عسكريون وسياسيون بل وحتى أفراد ، وكلهم يستندون الى النص المقدس أو ما تواتر من سيرة نبوية وغير ذلك من الاسنادات التي تبرر لهم أفعالهم تلك. مما يؤكد إن محاولات إنكار شبهة العنف عن الدين الاسلامي غير مجدية ، بل إن البعض صار يعتقد إن محاولات المسلمين المعتدلين إن هي إلا محاولة إخفاء حقيقة أو إنها تكتيك مؤقت لحين ما تتاح لهم الفرصة كي يكشروا عن أنيابهم فيصيروا كما هم نظرائهم من المتشددين ودعاة القتل والارهاب .

مما يؤشر على الاديان السماوية والاسلام بشكل خاص هو تعدد منابره وفقهائه حتى صارت به مذاهب ربما تبتعد عن بعضها لحد شبهة الخروج عن الدين وتكفير بعضها بعضا ، وذلك ما ساعد على بروز تصورات وأفكار لدى بعض المذاهب وفي أوقات محددة، قديما وحديثا، تدعو الى العنف وإستخدام أساليب القتل والترهيب لفرض وجود أو كي ينحسر الاخر المختلف بغض النظر عن معتقده ، مما أدى الى إتساع دائرة الارهاب وبالتالي طغيانها على كل أو مجمل الدين وغدت الاصوات المعتدلة في أحايين كثيرة وكأنها أصوات نشاز تبتعد عن حقيقة الدين الاسلامي .

وتبقى محاولات إنكار الاخر في داخل الدين ، المعتدل أو المتطرف، محاولات فاشلة ذلك لوجود ما يسند كل طرف، نصا وحدثا، ولسعة البحث وتعدد الباحثين وتباين مشاربهم مما وضع الدين الاسلامي في موقف لا يحسد عليه من التراجع والضمور وتشوه في السمعة، إذا ما أستمر كل ذاك فربما سيصبح الدين الاسلامي سُبةً لمعتنقيه أو إنه مؤشر مخزٍ عند البعض. وبالتالي فإن بقاء الوضع كما هو عليه الان سوف لن يقدم إلا مزيدا من القتل وإتساع دائرة التهميش كي تشمل من هم ليس لهم يد في كل ماجرى ويجري .

إن الدين الاسلامي يعيش الان في فترة أزمة حقيقية في الفكر والخطاب وفي مرتكزاته البنيوية ، وأي محاولة لانكار الازمة إن هي كمحاولة حجب نور الشمس بغربال. كما إن دينا يعتنقه خمس سكان الارض لابد أن تكون له من إدامة ومراجعة دورية في كل شيئ ، ليس من أجل بقاء الدين كمعتقد فحسب بل وايضا لوقف التداعيات المأساوية الناجمة عن بقاء أزمة الدين وتعمقها وما ينجم عنها من قتل وأرهاب ومنظمات تديم العنف وتطور أساليبه وغير ذلك من صور المأساة التي باتت البشرية أجمعها تعاني منها وليس المسلمين لوحدهم أو القريبين منهم أو المختلفين معهم فقط ، فالارهاب بات يهدد كل شيئ ، عليه فإن بقاء الحال كما هو عليه صار من المستحيلات وترك الامور على عواهنها سيؤدي الى ما لا تحمد عقباه ، ووقفة مراجعة من قبل المسلمين أنفسهم هي الحل الامثل لهذه الخارطة المعتمة الملامح، السوداوية اللون .

وقبل أي شيئ لابد للمسلمين أنفسهم ، مفكرين ورجال دين من مختلف المذاهب والتوجهات الفكرية الاسلامية، أن يقرّوا أولا بوجود الأزمة ، كي يتمكنوا من فرض أجندة الاصلاح والتي لا تخرج عن فكر الدين الاسلامي نفسه، ففي مقابل آيات القتل هناك أكثر من ثلاثين آية في القرآن تدعو الى الحوار والجدال والمناقشة .

﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
سورة النحل الاية (125).

كما إن النسخ في القران والمقر من قبل جميع فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم ممكن أن يكون أحد الركائز التي يستفيد منها الباحثون الجدد كي يبرروا وضع آيات القتل وحوادثه جانبا وعدم النظر إليها سوى إنها آيات ٍ وحوادث كان لها وقتها الذي إنتهى الان ولا مجال لاعادتها ، و(القرآن حمّال أوجه) لم يقلها جاهل بالدين والقرآن بل هو من أعلم من كان في التاريخ الاسلامي والى اليوم وأعني به الامام علي إبن أبي طالب ، كما يمكن الاستفادة من سير ائمة الدين بمختلف مذاهبه في ذلك ، فروحية حوار الامام جعفر الصادق مع الزنادقة في عصره (الجعد بن درهم وعبد الكريم بن أبي العوجاء وغيرهما) تعد إحدى مدارس الحوار الفكري الناضج ، وكذا الحال مع إسلوب الامام علي بن موسى الرضا مع كل مخالفيه في عصره وماقدمه من أناة وهدوء وإستماع للآخر وما أوصلهم إليه من حالة رضا عن كل ما قاله ، ممكن أن تكون إحدى ركائز الراغبين في الشروع بالاصلاح الديني ، وأيضا ما قاله الامام أبو حنيفة النعمان (كلامنا هذا رأي فمن كان لديه خير منه فليأتِ به) تشكل أيضا ركيزة هامة في الحوار ، بل والاكثر من ذلك ما ذهب اليه الامام الشافعي حينما أفتى في مصر في موضوعات كان قد أفتى فيها بالعراق ولكن بفتوى مختلفة، وعندما سئل عن ذلك أجاب، لقد تغير الزمان، وتغير المكان، وتغيرت أحوال الناس، كما تغير علم الشافعي، فازداد علماً وخبرة.

وفي عصرنا الحديث كان للازهر أيضا إضاءات في قبول الجديد ولعل إصلاحات الامام محمود شلتوت في الازهر خير دليل على ذلك ، وكذا الحال مع فكر وممارسة الراحل الامام محمدحسين فضل الله أو التطورات الفكرية الاخيرة في مرجعية النجف الشيعية ودعوتها الى بناء الدولة المدنية فإنه يعد تطورا هاما في فكر المرجعيات الشيعية على مدى التاريخ .

إن مهمة النهوض بواقع الدين الاسلامي تعتبر الان أكثر أهمية من غيرها ولا أعتقد إن الحكومات التي تدّعي الاسلام دينا ونهجا في جميع بلدان العالم لها مصلحة في التغيير المنشود ، لذلك فإن الاعتماد على المراكز البحثية المستقلة عن الحكومات وتبني مفكرين مشهود لهم بالتجديد وسعة الافق هو الطريق الاسلم للوصول الى حالة إستقرار وتطور إيجابي للدين الاسلامي وتخليص لشعوب العالم أجمع من تبعات الارهاب المتدين .







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter