|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  20  / 10  / 2023                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هوامش فلسطينية
(3)

تحسين المنذري
(موقع الناس)

أنظمة هزيلة ... وثقافة خاوية
منذ حرب أكتوبر / 1973 والى الامس لم تصب إسرائيل بأية إنتكاسة عسكرية كانت أم سياسية، فكل حروبها المحدودة التي حدثت مع منظمات فلسطينية في غزة وغيرها أو مع حزب الله اللبناني، إنتهت جميعها بنصر ما، حتى بإنسحابها من قرى الجنوب اللبناني فإنها كسبت صمت حزب الله لأعوام، وأجهزت على أي أمل لدى أنصاره بحرب تموز/2006 ، لذلك فإن الانظمة العربية جميعا لم تمر بموقف يعري دواخلها المهترأة، بل إن بعضها سار بطريق التطبيع المذل والذي تأكد بتخاذل ما قاموا به منذ " طوفان ألاقصى".

لم يبرز أي موقف من أي نظام عربي خلال الاسبوعبن المنصرمين يمكن إحتسابه على إنه الموقف الاهم والاكثر جذرية في الدفاع عن قضية شعب فلسطين، بل إن جميعها أصدرت بيانات أو تصريحات لمسؤوليها بعبارات جوفاء لا تسمن ولا تغني عن جوع،وركزت جميعها على مطاليب إنسانية آنية، وكأن حصار غزة الهمجي جاء إنقاذا لها كي تتمسك بقشة تتاجر بها شعارتيا،لكنها لا تنقذها من الغرق، حتى بعض الانظمة التي ذكرت في مواقفها بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية كحل دائم فإنها أتت بهذا المطلب بعد بعض المطالب المؤقتة كفك الحصار والحفاظ على حياة المدنيين، وعلى أهمية تلك المطاليب لكنها جاءت في المقدمة على حساب حل الدولتين، وكأن الانظمة المهترأة تريد أن تقول لإسرائيل إنقذوا ماء وجوهنا الان ولكل حادثة حديث فيما بعد. ومواقف ذليلة بشكل مخزٍ من قبل بعض أنظمة التطبيع في المساواة بين الضحية والجلاد حيث إستنكرت ما قامت به المنظمات الفلسطينية الى جانب إستنكارها لخروقات اسرائيل اللا إنسانية ، في حين ذهب وزير خارجية إحدى دول التطبيع بالاتصال بعوائل إسرائيلية فقدت إبنائها في الاحداث الاخيرة لكي يواسيها ويعبر عن تضامن دولته معهم!!! فهل هناك عارٌ أكثر من هذا؟!!

إن بإستطاعة كل الدول العربية أن تلجأ الى الاقتصاد كسلاح للضغط على أميركا وبقية الدول الغربية الحليفة لإسرائيل لأجل التأثيرعلى إسرائيل لإيقاف عنجهيتها، فحتى الدول غير النفطية والتي تعتبر فقط مستهلك للبضائع الاميركية والغربية تستطيع أن تلجأ لسلاح المقاطعة وهو مؤذٍ بالتأكيد ، لكن الجميع كانوا أقل من أن يفكروا بموقف جدي به شيئ من التحدي ، وكأن الانظمة العربية جميعها لاذت ببعضها في تقاسم للذل والهوان. أما ما عُرف بمحور المقاومة فهم ليسوا أكثر من منظمات مليشيوية لا تجرأ على فعل شيئ بدون إيعاز من إيران والتي بدورها تفكر بمصالحها قبل كل شيئ ، وكل ما بدا من هذه الميليشيات لحد الان عبارة عن أفعال عشوائية غير مجدية في التقليل من خطورة الموقف أو التأثير على مجريات الاحداث بشكل عام.

إن هذا الوضع المزري لتخاذل الانظمة العربية ما كان له أن يحدث لو وجدت ثقافة وطنية تقدمية تضغط وتخلق رأيا عاما يجبر الانظمة على تغيير مواقفها، لكن ويا للأسف الشديد فإن الثقافة العربية عموما تعاني من جدب وخواء مريرين، ليس فقط بسبب غياب رموزها المؤثرة بل أيضا لما يسود العالم من تخبط ثقافي إنسجاما مع تفرد القطب الاوحد وما يبثه من سموم ثقافته، لذلك فقد ساد في المنطقة العربية تياران ثقافيان الاول : تيار ديني متشدد يعتمد النص المقدس والوعود الغيبية الاخروية،وهذا تيار مغلق لا يستطيع مواكبة التطورات العصرية المتسارعة ، فيتوجه بخطابه دوما نحو مزيد من التجهيل وتغييب العقل، والثاني تيار ليبرالي منفلت تغيب عنه قيم الاصالة الوطنية معتمدا بالاساس على نتاجات الغرب الرأسمالي بكل عوارها وأسمالها.

إن للمثقف دور حيوي تعبوي هام في شحذ الهمم والتنبيه الى ماهية الاوضاع وتردياتها وما يتوجب العمل به لأجل الانقضاض على بؤر التخلف، فالمثقف غير مطلوب منه مثلا أن يخرج للتظاهر بنفسه، لكن عليه أن يكون في موقع متقدم لحشد الهمم للمشاركة في المظاهرة بشكل يجعل منها فعلا مؤثرا. والغريب إن المنظمات الثقافية كإتحادات الكتاب والادباء لم تضع في إعتباراتها برامج تقوية للمشاريع الثقافية الوطنية إلا ما ندر بأفعال متناثرة هنا وهناك.


سيبقى الوضع العربي مزريا ما دامت التنظيمات والقوى التي تعتمد الفكر العلمي التقدمي مغيبة عن التأثير في الواقع إما بإرادتها حيث إنزوائها وإعتمادها مرشدات فكرية متعددة تغيب معها البوصلة أو بفعل عوامل موضوعية أثرت على وجودها الفاعل، لكن بجميع الاحوال فإن في الوقت فسحة لمراجعة ما حدث والتخطيط للنهوض مجددا كقوى فاعلة مؤثرة تعمل على التغيير نحو الافضل.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter