|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  16  / 4   / 2024                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إيران .... إسرائيل
بأسهم بينهم

تحسين المنذري
(موقع الناس)

مهما كانت النتائج المادية الملموسة لكلا ضربتي إسرائيل وإيران، فإن أبعادهما أكبر من تلك الملموسيات.

فليس بخافٍ على أحد من هي إسرائيل، وماهو نظامها، فالكل يعرف ربما أدق التفاصيل عن نشوئها وطبيعة نظام الابارتيد الذي تنتهجه، وما حدث ويحدث مع الشعب الفلسطيني الا هو تأكيد لهذا النهج.

اما إيران فوضعها يحتاج الى وقفة أطول قليلا، فهي تتبنى في العلن مشروعا دينينا ــ طائفيا أدى الى شل دول مثل لبنان والعراق واليمن ووضع أسسا لصراع الدم بين أبناء البلد الواحد، لكن في حقيقة الامر ليس مشروعها سوى إنه مشروع قومي فارسي يبتغي في الاخر إعادة مجد الامبراطورية الساسانية متضمنا تكريسا لسلطة دكتاتور أوحد بعنوان الولي الفقيه، فلو كانت إيران حريصة على المذهب كما تدعي، لما أوجدت هذا الانشقاق العميق داخل الطائفة الجعفرية، فدعمها غير المحدود لمرجعية قم في صراعها مع مرجعية النجف والتي لم تنجو من ضغط إيران بوجوب أن يحتل رأسها في كل مرة معمم فارسي إيراني الجنسية، لكنها بجميع الاحوال ليست هي المتبناة أو المرغوب فيها، وهذا من أدلة عدم الحرص على المشروع المذهبي المعلن، بالاضافة الى أمثلة أخرى عديدة منها مثلا بروز التيار الصدري المتمرد على مرجعية النجف في أولى خطواته، وتهميش رجال دين إختلفوا مع رأس السلطة الايرانية الخميني سابقا والخامنئي حاليا، فتم تهميش أو عزل ووضع تحت الاقامة الاجبارية أو حتى الاعدام بطرق شتى لكل مختلف والامثلة عديدة " شريعتمداري وطالقاني ومنتظري واخيرا كمال الحيدري". بل حتى إن فكرة تصدير الثورة التي أعلنها خميني في بداية تسلمه السلطة إستهدفت العراق ودول الخليج الذي تصر إيران على تسميته بالفارسي وهذا جزء من إرث الامبراطورية الساسانية ( لكن هذا ليس دفاعا عن حرب المقبور إبن العوجة مع إيران الخميني). وقد وجد الخميني ومن بعده الخامنئي ورهطيهما في قضية فلسطين وقدسية مدينة القدس مادة دسمة للمتاجرة بها وغطاءً لمشروعهم التوسعي . والذي إقترن هذا مع نكوص المشروع القومي العربي ومن ثم سقوطه مع إحتلال الكويت وأيضا مع إنهيار منظومة الدول الاشتراكية، مما ولد فراغا فكريا وسياسيا إستفادت منه سلطة العمائم حتى برزت إيران كقوة إقليمية تتزعم مشروعا توسعيا إنساق معه البعض من ممتهني السياسة والباحثين عن السلطة بأي ثمن. ولأن القضية الفلسطينية كانت في قلب تلك الاحداث فقد إمتدت أصابع إيران إليها ودعمت تنظيمات دينية، وإن إختلفت معها في المذهب، على حساب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد والمعترف به دوليا. وهنا بدأ فصلٌ جديد سِمته الابرز هو التخادم بين إسرائيل وإيران وإن كان بدون إتفاق مسبق، فإسرائيل دعمت منظمة حماس المنشقة عن الوحدة الفلسطينية لأجل إضعاف القضية وهذا ما حدث سيما بعد أن جعلت حماس من غزة شبه دويلة تتحكم هي بمصير شعبها، وإيران برزت كقوة داعمة لمشروع حماس تحت عنوان دعم القضية الفلسطينية وحقيقة الامر إنه إضعاف مشين لتلك القضية. كما لعب الاعلام الاسرائيلي والغربي الداعم له دورا مهما جدا في إبراز قوة إيران ووجودها بشكل مبالغ به، لكنه مقصود، حتى بدت المنطقة وكأنها ترضخ تحت صراع قوتين إقليميتين هما إسرائيل وإيران بدون وجود لقضية شعب فلسطين، حتى إن العقدين الاخيرين لم تشهدا أي محاولة لإحياء مشروع الدولة الفلسطينية أو ما عرف بمشروع حل الدولتين ، لكن مع أحداث غزة الاخيرة أُعيدت الاضواء على هذا المشروع، ومع كل زيادة في عنف إسرائيل في غزة من قتل ودمار وحصار تزداد المطالبة الدولية بإحيائه ، وبنفس الوقت يزداد الضعط على حكومة نتنياهو لوقف القتال واللجوء الى الحل التفاوضي الذي ترفضه حكومة إسرائيل مما أوجد عزلة دولية تتسع يوما بعد آخر حتى من قبل أقرب حلفاء إسرائيل وأكثر المدافعين عن وجودها، ولأجل التخلص من هذا الوضع حاولت إسرائيل جر إيران نحو الصراع المباشر بعد سلسلة من المناوشات مع أذرعها في المنطقة كحزب الله اللبناني أو الحوثيين وغيرهم إلا إنها في النهاية لجأت الى المواجهة المباشرة بضرب القنصلية الايرانية في دمشق بتصرف إجرامي مشين ومدان، لكنه في النهاية كان ناجحا في دخول إيران للصراع والمواجهة العلنية والمباشرة، وهذا ما كانت تبحث عنه إسرائيل ... فالعزلة الدولية تلاشت بسرعة وعاد التعاطف الدولي معها، وأيضا برزت إزدواجية المعايير الدولية في زمن العولمة الرأسمالية، حيث لم يكن الامر كذلك مع إيران، وباتت أخبار غزة وما تمارسه قوات الاحتلال من قتل ودمار وحصار وتجويع، تأتي ثانيا بعد أخبار المواجهة الايرانية ــ الاسرائيلية، ومنذ تنفيذ الضربة الايرانية غابت فكرة الدولة الفلسطينية عن ألسنة ساسة العالم وقليلا من تحدثوا عن ضرورة إيقاف المجازر في غزة، وبنفس الوقت إنتشت حكومتي إسرائيل وإيران لما يرغبان أن يُعرفا به كقوتين إقليميتين رئيسيتين متصارعتين !!! وكل ذاك على حساب قضية الشعب الفلسطيني، فهل تعمل إيران بالفعل من أجل فلسطين؟ " أنا في شكٍ من بغداد الى جدة" وهل كان من الواجب أن تقوم إيران بضرب إسرائيل عسكريا؟ أعتقد إنها كانت لديها خيارات عدة لتجنب تلك المواجهة المباشرة واللجوء الى الراي العام الدولي وتزيد الضغوط والعزلة على إسرائيل وبالطرق الدبلوماسية المعتادة ففي ذلك خدمة أكبر للقضية الفلسطينية ، وسواءً حققت إيران أهدافها بالضربة كما تدعي أو إنها فشلت كما تدعي إسرائيل فالخاسر الاكبر هو الشعب الفلسطيني.

وهكذا نجحت إسرائيل وإنساقت معها إيران، بنقل الامور من صراع إسرائيل مع شعب يقع على بعد صفر متر منها الى صراع مع دولة تبعد عنها قرابة الالفي كيلومتر، وأظن إن حل القضية الفلسطينية قد تأجل الى موعد آخر وربما بعيد جدا مالم تتحرك الشعوب والحكومات التقدمية في العالم لإعادة الاعتبار الى حل الدولتين وتعرية الصهاينة وإدانة جرائمهم والانتباه الى قضية هذا الشعب المقهور دوما، ولتكن الاحزاب والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان رأس حربة بهذا التحرك وبمختلف الفعاليات بما يتلاءم مع الاوضاع السائدة دوليا.

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter