|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  15  / 12 / 2016                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

رفضٌ لنهجٍ وليس لفردٍ

تحسين المنذري
(موقع الناس)

تشكل المظاهرات التي تعاقبت في محافظات الجنوب ضد زيارة المدعو نوري المالكي ظاهرة ذات أبعاد إجتماعية ـ سياسية، فمهما حاول الاعلام المساند لحزب الدعوة وأبواقه المباشرة تصويرها على إنها إحتجاجات صغيرة يقوم بها ذوي توجه سياسي معين له تأريخ مع حزب الدعوة في التناحر والتناقض سيما في فترة بعد 2003 وما حصل بين الطرفين من صراعات وصلت بعضها الى إراقة الدماء، فإن تلك المظاهرات حملت مدلولات تعمقت أكثر بتعاطف الاخرين غير المشاركين المباشرين بها ممن تمنّوا إستمرارها وتطورها الى حركة إحتجاج أوسع ورفض أكبر. وفي العودة الى بعض المضامين الاجتماعية فإن المدعو نوري المالكي حين تبوأ في غفلة من الزمن موقع الرأس التنفيذي الاول، تصور بغباء سياسي إن ضمان بقائه لأطول فترة ممكنة في الحكم تبدأ مع هيمنته وحزبه على مؤسسات الدولة الرسمية فأغرقها بموظفين يدينون له شخصيا أولا ومن ثم لحزبه بالولاء المطلق متبعا بذلك طريقة ونهج البعث المقبور، وتصور إن هذا الجيش من الموظفين التنفيذيين يستطيع فرض إرادة القائد الاوحد على الاخرين مهما كانت توجهاتهم، إلا إنه لم يدرك إن هذا الجيش الذي إمتهن البيروقراطية كأداة في إدارة مؤسسات الدولة أعطى مؤشر الفشل الاول لنهج المالكي وحزبه خاصة بعد أن تحول الكبار وظيفيا منه وذوي الرواتب العالية الى شريحة من البرجوازية المقيتة والمعروفة بالبرجوازية البيروقراطية وتحول الاخرون من الموظفين الصغار الى أتباع تبحث عن حب البقاء، ومع هذا التوجه في الادارة غلفت هذه الشريحة نفسها بممارسات الفساد والسرقة والرشى مغرقة نفسها من أعلى مناصبها الى أدناها في فج الدفاع عن النفس بزيادة التوجهات البيروقراطية والايغال أكثر وأكثر بالفساد المالي والاداري والذي بات سمة مميزة لادارة الدولة في العراق . لقد شكلت كل تلك الممارسات عوامل ضعف للدولة من جهة وعزلة عن المجتمع مما أفقد المواطنين الثقة بمؤسسات دولته واللجوء الى ولاءلات أدنى وسلطات غير شرعية في حل إشكالياته أو في الحصول على حق مهضوم أو حتى لاغتصاب حقوق الاخرين! والاكثر إيلاما إن تلك الممارسات البيروقراطية والفساد المرافق لها إنتشر في المؤسسات الامنية والتي كان المالكي وخاصة في ولايته الثانية يديرها بشكل مباشر وتلمس القاصي والداني سوء تلك الادارة وذاك النهج من خلال حجم الخروقات الدموية التي كان يعاني منها المواطن البسيط بشكل يومي وصولا الى فقدان أكثر من ثلث مساحة العراق ووقوعها بيد الارهاب والمالكي متمسكا بضرورة بقائه في الحكم! كما إن نهج الاقصاء والتهميش الذي إتبعه المالكي وتعميقه للمارسات الطائفية خلقت بؤرا متوترة بشكل دائم وادت الى تكوين مراكز قوى أخرى تتمتع بقوة إقتصادية ودعم خارجي موازٍ للدعم الخارجي الذي يلقاه المالكي وسلطته وبالتالي أدى هذا الاسلوب في الحكم الى تدخلات في الشأن العراقي وتضارب مصالح لقوى إقليمية لم يكن للعراق وللمواطن العراقي أي مصلحة فيها بل إنها عمقت النقص الحاصل في كل شيئ من خدمات وأمن وسلع ضرورية وتردي مريع في المستوى الاقتصادي للفرد وإنخفاض الدخول قياسا مع حجم التضخم المالي الذي نتج عن الادارة المالية ـ الاقتصادية الرديئة للاقتصاد الوطني والاعتماد كليا على النفط في تكوين إقتصاد ريعي مشوه.

ثمان سنوات من حكم المالكي لم يقدم خلالها أي مكسب يمكن أن يخدم المواطن حتى ولو على مستوى بقعة صغيرة ومحدودة، فمع أضخم ميزانيات في تأريخ العراق لم يعيد تأهيل أي مصنع مهم من مصانع العراق الكبيرة المتعطلة ولم يديم شيئا من البنى التحتية المتهالكة ولم يضف لها شيئا ولم يقدم سوى مزيدا من التوتر وإشاعة الخوف بين الناس عن طريق بث الاخبار عن وجود متآمرين يتربصون بالحكم والمالكي وبالتالي بالعراق، وفي كل مناسبة يزبد ويعربد المالكي على إنه يعرف من يتآمر ومن يسرق ومن يسهل للإرهابين القيام بعملياتهم الدنيئة ومن يخرب بالبلد ومن ... ومن .... دون أن يلمس المواطن أي إجراء فعلي بحق هؤلاء والتساؤل بقي يدور على ألسنة الناس إن كان رئيس الوزراء يعرف كل ذلك فماذا ينتظر لكي يردعهم؟ وسرعان ما إكتشف الجميع إن المالكي كان يتبع سياسة إشاعة الخوف من جهة وتعميق الطائفية والاغرب سياسة (ضم لي وأضم لك) بمعنى السكوت المتبادل عن جرائم المتصارعين مقابل أن يستمر كل بنهجه! لقد عبر المالكي طيلة فترة حكمه عن غباء سياسي متفرد وتبعية للاجنبي (إقليميا ودوليا) بطريقة فجة ومكشوفة ومحاولات لاعادة نهج الدكتاتورية المقيت بكل أشكاله من التفرد بالقرارات الى الاجهاز على بعض المؤشرات الديمقراطية الى الاستحواذ على إستقلالية بعض المؤسسات والتركيز على مركزية غير مخططة وبين هذا وذاك الاعتماد على شلة الاقارب والاصهار والمقربين من حزبه كحواري تتمتع بإمتيازات خاصة! ومن المثير حقا أن تنبري مجموعة أصوات نشاز كل واحد منهم بحاجة الى مَن يدافع عنه ويزكيه لا أن يدافعوا هم عن رمزهم والذي بات عند عامة الناس رمزا للفساد المالي والاداري والفشل الامني، ويبدو إن هؤلاء المطبلين يؤدون واجب الدفاع في تمنّي عودة رب اسرتهم كي يوغلوا أكثر بفسادهم وموبقاتهم تحت حمايته ورعايته (الكريمتين)، والاكثر كشفا لذوات هؤلاء المريضة هي تهديداتهم الصريحة باللجوء الى التصفيات الجسدية ضد المعارضين لهم وذلك ماعبر عنه أكثر من نكرة منهم بتلوين الشوارع بالدماء!!! وقد يكون هناك هدفا آخر يرمون اليه هو التستر على حقبة تعد من أسوأ وأردأ الحقب التي مرت على تاريخ العراق الحديث وجعل القضية برمتها صراعا بين شخصين لا غير، وحسنا فعل التيار الصدري حينما أعلن إنه لم يعطِ أوامرا بالتظاهر ضد المالكي!! كي يعرف الجميع إنها رغبة شعبية جامحة رافضة لنهج إكتوت منه الجماهير وذاقت الامرين وليس رفضا لشخص لو لا أن يكون مطيعا لذوي النعمة الاميركان أولا ومدعوما من الجارة اللدودة بحجة الطائفة والمذهب لما إستطاع أن يكون ماكان عليه ولما تمكن من جمع ثروات هائلة بطرق غير مشروعة حتما! لكن ماحدث يؤشر لقضية هامة جدا هي إن المتظاهرين كانوا في محافظات يفترض بها أن تدين بالولاء لطائفة المالكي ورهطه، وما خروج الناس بهذه العلنية وهذه القوة إلا تأكيدا على إن حاجة الانسان للعيش الكريم أكبر من الولاء للطائفة وخارج حسابات التقسيمات المكونية وغيرها مما يريد المتنفذون في الحكم من تقسيمات تضعف قوة رد الناس وتجزأها الى مكونات يسهل التغلب عليها، إن الصراع داخل نفس المكون الطائفي بدا ياخذ مديات أبعد وتتعمق جذوره الطبقية لتؤكد إن حاجات الانسان هي من تحدد توجهه وليس شعوذة وتخلف القائمين على نظام المحاصصة البغيض .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter