|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  14  / 3   / 2024                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الرسالة الرابعة
الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

تحسين المنذري
(موقع الناس)

لم تكن مفاجأة لي زيارتكم الى رئيس الحكومة، بل هي خلاصة الموقف وأوضح الصور لما أنتم عليه، وهي المؤشر الاهم لما وصل اليه حال الحزب. فالناس عموما لها ما ترى من المواقف قبل التدقيق بالفكر وحيثياته ولا الذهاب نحو النوايا، وموقفكم هذا خلاصة سياساتكم حتى منذ ما قبل سقوط الدكتاتور ودخول العراق في نفق الاحتلال، ولا أتصور إنني بحاجة لأعدد مواقفكم المؤسفة، فالكل بات يعرف إنكم تعاملتم مع الاحتلال وتشكيلاته التي فرضها كمجلس الحكم مثلا. لكن لابد من الاشارة الى ما قبل ذلك يوم أدخلتم في برنامج الحزب مصادر فكرية أخرى غير الماركسية، مما جعلكم تتيهون في طرقات معوجة، حيث أنكم أضعتم البوصلة، وفقدان هذا الموجّه برر للسكرتير السابق اللقاء بممثل عن وزارة الخارجية الاميركية (إقرأ ممثل عن الـ CIA) أثناء زيارته لأميركا، وما حدث بعدها من محاولات تقرّب من قوى أخرى على إنها مثلكم معارضة للنظام الدكتاتوري دون التدقيق بوضعها والتي هي في نفس الوقت معادية للشيوعيين مع علمهم بموقف الحزب المعارض والرافض لنظام البعث الدكتاتوري، لكنها معتقداتهم التي تملي عليهم معاداة الشيوعيين، وأعني بهم قوى الاسلام السياسي وتجمعات قومية مختلفة. شكلت تلك السياسات لاحقا أسسا للعلاقات بعد سقوط الدكتاتورية والى يومنا هذا وختامها زيارة السوداني وكم أتمنى أن تكون الخاتمة.

ألا إن تساؤلات تفرض نفسها منها : الم تعلنوا رفضكم لنظام المحاصصة؟ فلماذا محاولات التقرب من الكتل والشخصيات السياسية التي تتبنى نهج المحاصصة وتدافع عنه بحكم ما تستفيد من وجوده؟ وأيضا أليسوا هم أنفسهم رعاة الميليشيات المنفلتة؟ وهم من يستخدمون المال السياسي في كل إنتخابات تخرجون منها، في كل مرة، خاسرين وتضعون اللوم على تلك الممارسات؟ كما إن السوداني ممثلا لسلطة وصفتموها في بلاغ أجتماعكم الاخير على إنها (تعبر عن مصالح البرجوازية البيروقراطية والطفيلية المتحالفة مع الكومبرادور التجاري والمصرفي الذي يستند على التوجهات الاقتصادية الليبرالية وآلية السوق المنفلت) فما الذي جمعكم مع ممثل هؤلاء؟ أم هو حين إلتقاكم إنسلخ عن السلطة أو عن تمثيلها الطبقي؟ أم إنكم نسيتم إن حزبكم يمثل شرائح طبقية مسحوقة ومهمشة بحكم ممارسات سلطة السوداني ومن سبقه ومن على شاكلته؟ أم إن توصيفكم للسلطة في بلاغ إجتماعكم كان من باب ذر الرماد في العيون على إنكم ما زلتم لم تنسوا طبقيتكم وماركسيتكم؟ ومثل هذا تكرر مرات قليلة سابقة وكلها حينما تشعرون بأنكم في موقف أكثر ضعفا، لكن سرعان ما تعودون الى خطابكم العائم بمجرد ما تتصورون إن الناس تنسى.

إن الماركسية إيها السادة منهج عمل وليس مقولات ينتقي منها المرء ما يشاء وحسب الظروف . بشكل جلي تبرز تداعيات إبتعاد الحزب عن الماركسية ـ خصوصا ـ خلال السنوات المنصرمة حيث التراجع الكبير في عضوية الحزب والانخفاض غير المسبوق في جماهيرته وهذا ما أكدته إنتخابات مجالس المحافظات الاخيرة. والتجربة تؤكد تاريخيا، إن إمتلاك الحزب لنظرية علمية، وهنا أعني الماركسية، توفر له قاعدة رصينة لتحليل الظواهر المجتمعية وتوقع مآلاتها ورسم السياسات الكفيلة بما يتماشى مع تلك الظواهر، مما يجعل العضو الحزبي على بيّنة بما يحدث وما عليه فعله بقناعة كبيرة وهذا ما يدفعه نحو الاستبسال في تبني سياسات وشعارات الحزب والدفاع عنها، وهذا ما كان حاصلا في عقود سابقة، ففي فترات الاربعينات وما تلاها من عقود لم تكن الجماهير الملتفة حول الحزب تهضم الماركسة، لكنها كانت ترى في نضالات الشيوعيين ودفاعهم عن مصالح الشعب، والمسحوقين منهم خاصة، فنارات تتبعها وتؤيدها، وشكلت تاريخيا السياج الحامي للمناضلين الشيوعيين وفي ذاكرة وتواريخ الكثيرين من المناضلين الشيوعيين والجماهير، على حد سواء، حكايات وصور عن تلك الدفاعات المستميتة من قبل الشيوعيين أنفسهم أو من قبل جماهيرهم. لكن مما يحز في النفس، أيتها السيدات ويا أيها السادة، إنكم أوجدتم قطيعة بين إرث الحزب النضالي ذاك وتاريخ الشيوعيين المفعم بالبطولات وتحول العمل الحزبي الى تراخي شديد وروتين غير مجدٍ في الكثير من الحلقات التي مرت، والتي باتت هي الصور الاقرب أمام الجماهير الان، وهي التي جعلتهم لا يثقون بطروحات الحزب حتى وإن كانت قريبة أو مطابقة لحاجيات الناس ومطاليبهم.

وفي آخر هذه الرسالة أقول مازال في الوقت متسعا للعودة الى الجذور، الى الماركسية بمختلف مدارسها الفكرية وتطوراتها، والى أساليب عمل ونضال الشيوعيين وإستلهام الدروس من بطولاتهم ومواقفهم المشرفة، وأيضا الابتعاد عن قوى الفساد والمحاصصة بكل تلاوينها والاعلان رسميا عن تلك القطيعة وتعرية أحزابها وشخوصها وفق أسس سياسية رصينة، وعدم محاولات التقرب، التي باتت مقززة جدا، حتى وإن جرى تغليفها بعناوين شتى، وعندها سيواصل فقط، المناضلون الحقيقيون، العمل وسترتفع راية الحزب عاليا كما كانت دوما خفاقة في سوح النضال.
 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter