|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  12  / 8 / 2016                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

طرق على شبابيك المؤتمرالعاشر
للحزب الشيوعي العراقي
(3)
 

تحسين المنذري
(موقع الناس)

الحزب والماركسية

شكل إنهيار الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية صدمة عنيفة لعموم الحركة الشيوعية العالمية ــ أفرادا وأحزاب ــ فالبعض أعلن مغادرته الرسمية من الفكر الشيوعي متجها نحو قناعات أخرى ، وأحزاب إنكفأت على نفسها وبعضها غيرت اسماءها وغير ذلك من الارهاصات الفكرية العميقة ، إلا إن الاكثر عقلانية كانت تلك الاحزاب التي أعلنت إعادة قرائتها للماركسية، أو إنها تبحث عن مخرج من داخل الماركسية نفسها، وكان أكثرها قد أعلن تخليه عن اللينينية أو بالاحرى التحرر من تنظيرات الكتيبة الفكرية السوفيتية والتي إنتهى تاثيرها الفعلي بإنهيار التجربة السوفيتية، وكان لحزبنا قصب السبق في ذلك، فقد تبنى المؤتمر الخامس للحزب المنعقد عام 1993 توجهات إنفتاحية كبيرة تمثلت بالاساس بترسيخ أسسا للديمقراطية في الحياة الحزبية الداخلية في خطوة مؤكدة للتحرر من الاسس اللينينية في التنظيم وكذلك إنفتاحا على المدارس الفكرية للاشتراكية ، فقد بقي الحزب (مسترشدا بالماركسية ومستفيدا من سائر التراث الانساني الاشتراكي)، وأبقى بشكل واضح على الطبيعة الطبقية للحزب فكانت الاشارات تتوالى في برنامج الحزب عن (المصالح الجذرية للعمال والفلاحين والكسبة والمثقفين وكل شغيلة اليد والفكر)، أي إن الحزب أراد أن يفتح الابواب أمام المدارس الفكرية الاشتراكية المستمدة لتنظيراتها من الماركسة أن تأخذ مداها في العمل الفكري داخل الحزب، او بالاحرى اعلن تخليه الرسمي عن اللينينية ورغم إنها ليست بذلك السوء الذي يجعل المرء أن ينفر منها لكن ماترتب عليها من تنظيرات في الحقبة السوفيتية جعلها تبدو وكأنها غير قادرة على مواكبة العصر أو إنها قد بلت، فتنظيرات لينين عن طليعية الحزب تجد لها الان مديات أوسع في التقبل، وما قدمه من أفكار عن العمل الجماهيري وعمل الحزب بين الكادحين مازالت الى اليوم لها صدىً إيجابي لانها ببساطة إعتمدت الماركسية في فضح مساوئ الرأسمالية ، المهم إن الابتعاد عن اللينينية في عمل الحزب قاد تدريجيا الى الابتعاد عن الماركسية نفسها ، فلم تجرِ الاستفادة من المدارس الفكرية المنبثقة عن الماركسة مثل مدرسة فرانكفورت والتي ترى في وضوح الصراع مابين المركز والاطراف أكثر منه تأثيرا من الصراع الطبقي داخل الدولة الرأسمالية نفسها سيما ونحن نعيش عصر العولمة الرأسمالية الان، كما لم يكن لـ"غرامشي" وارائه عن دور المثقف من تأثير إيجابي في عمل الحزب الفكري ، ولم نستفد من تقسيمات "ماكس فايبر" الطبقية رغم ما تحوية من وجاهة وإعتماد على كارل ماركس في تحديد الطبقات على الموقع الاقتصادي وغير ذلك الكثير مما يمكن أن نشير اليه من المدارس الفكرية للماركسية، بل والاكثر إيلاما إن حزبنا ومنذ ثلاثة عشر عاما من العمل العلني وماتوفرت لديه من إمكانيات فكرية وعمل وسط الجماهير ومايستطيع الحصول عليه من إحصائيات ومعلومات عن واقع المجتمع العراقي لم يستطع أن يجد حتى ولا رأي يستند الى الماركسية في تحليل الولاء مابين الطبقة والطائفة أو الطبقة والاثنية ،ولم يقدم تحليلا طبقيا للقوى المتنفذة والمتصارعة على الحكم، ولم يؤشرلملامح طبقية في طبيعة الصراعات القائمة بين مختلف شرائح المجتمع، بل ولم يتحدث ولا مرة واحدة عن حجم الطبقة العاملة العراقية وهل تنامت أم أنحسرت عدديا وماهية ثقلها السياسي ومن هي الطبقات أو الفئات الطبقية المؤهلة للتحالف معها أو حتى الحلول بديلا عنهاّ!!

ولم نسمع ولا رأي واحد عن شرائح الطبقة الوسطى التي إضمحلت في عهد الدكتاتورية وهل إنها بدأت تستعيد وجودها أم زاد إقصاءها أم ماذا لها وما عليها الان وغير ذلك الكثير من مستجدات الواقع العراقي، طبعا هنا عليّ ألا اتنكر لبعض الكتابات الناضجة التي ظهرت خلال الفترة المنصرمة لبعض الرفاق والتي كانت محدودة جدا ،إلا إن ما أشير اليه هو برنامج وسياسة الحزب والتي خلت منها الملامح الطبقية وبالتالي غاب الربط الجدلي الذي إعتاد الناس أن يروه عند الشيوعيين ألا وهو ربط النضال من أجل الاهداف الوطنية بالنضال من أجل الاهداف الطبقية.

والحزب كما هو مفترض يتسلح بالماركسية كنظرية عمل تؤشر للواقع وتحلله وتعطي بدائل التغيير.والحزب وهو يخوض النضال (ديمقراطيا) لم يراجع حياة ماركس الثرة والغنية بالمواقف فما بين البيان الشيوعي الذي يهدد ويتوعد فيه البرجوازية وركائزها (فلترتعد الطبقات السائدة خوفا من ثورة شيوعية ، فليس للبروليتاريين ما يفقدونه فيها سوى أغلالهم) نراه في الحقبة الاخيرة من حياته يقول (إن الطريق المؤدية الى السلطة السياسية في إنكلترا مثلا مفتوحة للطبقة العاملة وسيكون التمرد حماقة حيث يمكن للنشاط السلمي تحقيق كل شيئ بسرعة وأمان)(*)، هكذا يعطي ماركس متسعا كبيرا لمريديه أن يختاروا إسلوب النضال الانسب والذي يضمن للطبقة العاملة الانتصار والافضل هو البحث عن الطريق الاقل خسارة !! كل هذا غاب عن عمل الحزب الفكري والسياسي والذي يحتاج الى كثافة في العمل وبحث دائم عن الجديد في الماركسية أو ما يمكن إضافته من قبل الماركسيين العراقيين أنفسهم فتجربة غنية مثل تجربة الحزب الشيوعي تستطيع أن ترفد الفكر بما يساعد على تلمس الطريق الماركسي الصحيح (فوعد ماركس لن يتحقق بالانتظار وحده ، إنه بحاجة الى جهود جيوش من هؤلاء الماركسيين لوضع قطار التاريخ على السكة الصحيحة)(**)

إلا إن الذي حدث هو إن المؤتمر الثامن للحزب أقر بـ (التراث التقدمي الاسلامي !!) كأحد مصادره الفكرية، وكأنها إشارة الى التخلي الكلي عن الماركسية والاقتراب من حركات وأحزاب دينية يضايقها وجود الحزب وإسمه كما عبر عن ذلك أحد قياديي هذه الاحزاب حينما أشار الى إن وجود الحزب الشيوعي شيئ معيب عليهم !! ولا أريد هنا أن أبتعد في الخوض عن أي تقدمية وجدت في الفكر الديني الاسلامي فذاك خارج عن ما أريد ، لكني أقول إن التاريخ لحد الان لم يقبل بدولة إسلامية واحدة يجمع عليها كافة المسلمين وفي كل تجربة كان الغث فيها أكثر من السمين ، المهم إن هذه العبارة إنعكست على مجمل سياسة الحزب والتي ستكون موضوع القادم من هذه السلسلة عن المؤتمر العاشر.وتجدر الاشارة هنا الى ما ورد في مقدمة بر نامج الحزب من تعداد للمصادر الفكرية فبعد أن يشير البرنامج الى الاسترشاد بالماركسية وليس الاعتماد عليها في التحليل والاستنتاج ينتقل ليقول " كذلك يستوحي كل ماهو تقدمي في إرث الحضارات الرافدينية والحضارة العربية الاسلامية وسائر الحضارات الانسانية، الى جانب التراث الخاص بكل مكون من مكونات شعبنا: العرب والكرد والتركمان والكلدان الاشوريين السريان والارمن والازيديين والصابئة المندائيين والشبك ورصيدهم النضالي" في محاولة تبدو للوهلة الاولى إنها توسعة وإنفتاح أكبر على سائر الافكار التقدمية، إلا إنها في حقيقة الامر تشتت عقلية التحليل وتبتعد عن الاستنتاج المطلوب العمل على ضوئه حيث فقدان البوصلة الواحدة في توجيه العمل الفكري وبالتالي عموم سياسة الحزب ، مما يستدعي إعادة النظر بمجمل هذا التعداد لمصادر الفكر والارتكاز على الفكر الماركسي مستفيدين من كل مدارسه أو ما أمكن منها للوصول الى ماركسية عراقية تستند الى تاريخ ومعطيات الواقع العراقي والنضال الطبقي فيه بما يخدم مصالح عموم الكادحين.

 


(*) "من كتاب جاك أتالي { كارل ماركس أو فكر العالم } ترجمة محمد صبح"
(**) سعد محمد رحيم من كتاب {إستعادة ماركس}












 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter