|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  12  / 5 / 2016                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل من حِراك آخر؟

تحسين المنذري
(موقع الناس)

عادت الغمامات السوداء تملأ سماء بغداد، وعاد اللون الاحمر يلون شوارع وأرصفة أحياء الفقراء، وتزايدت أعداد الشهداء والمعاقين والجرحى، حيث التفجيرات الاجرامية التي طالت مناطق عدة من العاصمة. وفي تتبع بسيط لاماكن التفجيرات فإنها في مناطق لابد ان يتواجد في ما قبلها من سيطرات تفتيش ربما متعددة، مما يلقي بظلال من الشك على دور الاجهزة الامنية في التصدي لمثل تلك العجلات أو الاشخاص المفخخين، وإن قبلنا ببعض التفسيرات بأن عملية التفخيخ في هكذا حالات تتم في مناطق قريبة من أماكن تفجيرها، فإن ذلك يؤشر لضعف العمل الاستخباراتي رغم تعدد تسمياته ودوائره، إستخبارات ـ أمن وطني ـ مخابرات، ولبعضها فروع متعددة على حسب الوزارت الامنية، إلا إن التفسير الاكثر مقبولية والذي بات يتردد على ألسنة عامة الناس بما فيهم حتى من غير المهتمين بالشأن السياسي، فإن هذه التفجيرات والتدهور في عموم الوضع الامني، جاء على خلفية الخلافات السياسية وما أدت إليه من إستعصاء وتأزم جديدين في العمل السياسي، مما يشير بأصابع الاتهام الى السياسيين أنفسهم ممن يتصدون لمختلف مفاصل العمل القيادي في الدولة، على صعيدي السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولعل هذه التفجيرات كشفت بشكل لايقبل الشك إن لداعش التي تبنت تلك العمليات الاجرامية ايادي طولى في مؤسسات الدولة المختلفة بما يساعدها على إختراق الجدران الامنية وتنفيذ تلك العمليات الدنيئة. وهذه المؤشرات الاخيرة أعتقدها مهمة جدا للقوى التي تتبنى معارضة النظام السياسي القائم بإتجاه إقامة البديل أي الدولة المدنية الديمقراطية، فالان بإستطاعة القوى المدنية إستثمار الاحداث الدامية هذه بإتجاه تأليب أكبر للرأي العام العراقي ضد قوى السلطة المحاصصية، والانتقال من مرحلة رفض النظام المحاصصي والمطالبة بالاصلاح، الى مرحلة متقدمة برفض القوى المحاصصية نفسها والمطالبة بالتغيير الكلي ، وبالتأكيد فإن مثل هذه الانتقالة تتطلب جهدا إستثنائيا غير عادي من أولى مستلزماته البدء بحملة دعائية لتحركات سياسية جديدة من أهم مستلزماتها إبتعادها عن القوى المحاصصية المتمثلة في البرلمان والحكومة مهما بلغت محاولات بعضها في تغيير بعض من ملامحها تماشيا مع الاوضاع المستجدة. إن الشعب العراقي وعلى مدى سنوات عجاف من حكم الاسلام السياسي إكتوى بنار الكثير من الوعود دون أن ينال ولو قسطا قليلا من الراحة، وهو يعي الان أكثر من أي وقت مضى إن تلك القوى لا تخدم مصالحه بل لا تلبي الحدود الدنيا من مطاليبه المشروعة، لكنه بحاجة الى عملية تثوير تعيد اليه شيئا من الوعي المغيب، وتكشف خطل وزيف الشعارات الطائفية والوعود الغيبية والتي لم تسمن ولم تغنِ عن جوع. إن العمل السياسي في مثل هكذا أوضاع لا يحتمل الوقوف في المنتصف، فإما أن تكون مع أو تكون ضد، أن تكون مع الشعب وضد الكتل السياسية المتنفذة في الحكم أو تكون معها وضد الشعب، فموقف من قبيل ندعم الايجابي وننتقد السلبي بات موقفا إنتهازيا بإمتياز مبتعدا عن البراغماتية التي أراد لها البعض أن تكون جزءا من سمات سياسته في الفترة المنصرمة.

إن التردي في الوضع الامني الان، والذي جاء تتويجا طبيعيا لسلسلة من الازمات المتلاحقة ليس أقلها الازمة الاقتصادية ومايعانيه المواطن من غياب أبسط الخدمات الضرورية لحياة الانسان، فرصة للقوى الطبقية ذات المصلحة الحقيقية في تغيير النظام، طبيعة وشخوص وكتل متنفذة، في تحشيد الرأي العام لمواقفها وشعاراتها والتي لابد أن تكون واضحة في صياغاتها ومدولولاتها كي تجتذب شرائح كانت مترددة بعض الشيئ أو غير واعية لمصالحها الحقيقية، وتلك مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق القوى المدنية عليها إعتمادها وتغيير أساليب إحتجاجها بما ينسجم مع الوضع المستجد حاليا حيث الرفض العارم للقوى السياسية المحاصصية بكل تلاوينها، وإن تهاونت القوى المدنية في إستثمار مايحدث وبالشكل الملائم والسريع فإنها ستخسر الكثير من مواقعها بين الناس من جانب، ومن الجانب الاخر فإن القوى المحاصصية ستسعيد أنفاسها مجددا بمختلف الاساليب الدنيئة والتي منها إثارة النعرات الطائفية كما إعتادت بعد كل أزمة تمر بها وتعيد الامور الى ماتريده هي وليس بما يخدم مصالح الشعب.

إن الاستعصاء الحالي ينذر بالكثير من علامات الشؤوم ربما من بينها إعادة الاحتلال رسميا كما حدث في عام 2003، وميثاق الامم المتحدة يعطي الحق للدول الاكبر بفرض وصايتها وسطوتها بإسم المنظمة الدولية على الدول الفاشلة أو التي لم ينضج بعد سياسيوها ليقودوها لبر الامان وهذا ماهو موجود فعلا في الواقع العراقي، لذلك فإن تحرك القوى المدنية وبقوة من شأنه أن يقطع الطريق على القوى الطامعة في إعادة الاحتلال من تنفيذ مآربها خاصة وإنها شرعت بالفعل في تحشيد قوات عسكرية من دول حلف شمال الاطلسي للعودة للعراق مثل ما حدث مع الدنمارك وإيطاليا بالاضافة الى ماموجود فعلا على أرض الرافدين بحجة التدريب وحماية السفارات وغير ذلك من الحجج والتي أخيرها حماية المهندسين والعاملين في ترميم سد الموصل كما إدعت وزيرة الدفاع الايطالية، فهل ما يجري الان بعيد عن أنظار قادة القوى المدنية وأنصارهم؟ أم هم غافلين عن أبعاد ما يحدث؟ في الحالتين المصيبة عظمى.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter