| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تقي الوزان

Wz_1950@yahoo.com

 

 

 

 

الثلاثاء 25 /7/ 2006

 

 

في ظل المأساة


تقي الوزان

الدكتور محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي , شخصية غير معروفة لمجموع الحركة الوطنية العراقية التي عارضت صدام طيلة سنوات نضالها , وشخصية مغمورة قبل تعيينه في رئاسة البرلمان مرشحاً عن جبهة "التوافق" , والتي كان هذا المنصب من حصتها حسب الأتفاقات التي حصلت في تقاسم المناصب السيادية بين الشيعة والسنة والأكراد .
المشهداني بعد حصوله على هذا الموقع أطلق تصريحات كثيرة , بمناسبة وبدون مناسبة , وأغلبها تعبر عن رأيه الشخصي أكثر مما تعبر عن موقعه السيادي الذي يحوي في رمزيته وحدة الوطنية العراقية . العراقيون راقبوا اداء المشهداني , وأطلق بعضهم عليه صفة "خفيف" . والخفيف في اللهجة العراقية لاتعني مثلما تعني في اللغة العربية كونه خفيف ظل وصاحب نكته وسريع بديهية , وما يجاورها من صفات الأريحية . في العراق يعنون بها هوائية الآراء والسلوكية , وعدم الشعور بمسؤولية الكلام الذي يقوله , وتعني الرعونة ايضاً . ورغم تشخيص العراقيين لتصريحاته فأن بعض هذه التصريحات تصب في حالة التفكير المسموع , والتحديد الدقيق للأزمة .
قال المشهداني في مجلس النواب يوم الأثنين 17/7 " أن ما يحدث الآن في البلاد هو صراع طائفي سني شيعي . . المسؤولية الأولى بالصراع تقع على عاتق جبهة التوافق والإئتلاف العراقي الموحد . والمسؤولية الثانية تقع على التحالف الكردستاني والقوائم الأخرى ..التي يجب ان يكونوا وسطاء بين التوافق والإئتلاف من أجل احتواء الأزمة" وتساءل عن موقف الأكراد قائلاً " أين الأكراد ؟ لماذا يتفرجون ؟ " وحذر من " أن سفينة العراق اذا غرقت فستغرق الكل " .
بهذا الوضوح حدد المشهداني طرفي الصراع الدموي " التوافق والإئتلاف " ونسى ان يضيف قائمة " الحوار " الشقيقة الصغرى للتوافق , والسنة التكفيريين .
قائمة التحالف الكردستانية أعترضت على اتهام المشهداني للأكراد بأتخاذهم موقف المتفرج . وقال النائب محمود عثمان "ان الأكراد ومنذ البداية كان لهم دور في ايجاد الحلول , ودورهم ممثل برئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي يقوم بوساطات الآن ." بهذا الجواب السطحي الذي لايتناسب مع ثقافة وتاريخ الدكتور محمود عثمان يميع شراكة الأكراد في العراق , وكأن المشكلة بين قبيلتين وجاء السيد رئيس الجمهورية ليكون الوسيط , وسيتفق على دفع الدية وتنتهي المشكلة . وليس المشكلة بأنزلاق الزعامة الكردية للقبول بقواعد المحاصصة الطائفية والقومية التي أزاحت مشروع الوحدة الوطنية العلماني , والكفيل الحقيقي لرعاية حركة التحرر الوطني الكردية . كان بأمكان الأحزاب الكردية وهي ثاني اكبر تجمع سياسي ان يبلور ويجمع التيار الديمقراطي ليكون الركيزة التي يستند عليها ولا يقبل بالمساومات الطائفية التي قبلت الأعتراف بالفيدرالية القومية على مضض . وتحاول الآن أفراغها من معناها الحقيقي كوسيلة للتلاحم بين أكثر من قومية , وبدون وصاية , داخل الوطن الواحد . بأقامة فيدرالية طائفية في الوسط والجنوب تساعد بالتفتيت في الوقت الحاضر . ونسى الدكتور عثمان ايضاً , ان أطرافاً من التيار العلماني والديمقراطي أول من رفعت شعار الديقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان , وطورته الى الفيدرالية لكردستان , ودفعت لأجله الكثير من الشهداء قبل ان ترفعه الأحزاب الكردية ذاتها .
ولو تيسر للحركة السياسية العراقية التوجه الصحيح وعدم الوقوع في فخ الطائفية التي ساعدت قوات الأحتلال للوقوع فيه . لتجنب العراق الكثير من المآسي والدماء التي تنزف يومياً , ولما ظهر في ظل هذه المأساة شخص مثل المشهداني يتبوء رئاسة الهيئة التشريعية , في توليفة تسعى لتسخيف السلطة التشريعية ذاتها . وفي مهزلة يندر تكرارها في أي بلد في العالم, وأثناء المؤتمر الصحفي المشترك يوم السبت 22 /7 للرئاسات الثلاث الجمهورية والوزراء والبرلمان . دافع المشهداني وبقوة عن القتلة والمجرمين , وقال عن المبادرة التي اطلقها المالكي " هي مبادرة عراقية , تشمل الجماعات العراقية التي أخطأت في حساباتها"لافتاً الى انه " لو كانت البندقية العراقية موجهة الى المحتل . لما أحتجنا الى المصالحة والحوار "ومضى يقول " عندما انحرفت هذه البندقية وتوجهت الى اهلي وبدأت تسفك دمي . عند ذاك احتجنا الى المصالحة والحوار الوطني " وتعهد المشهداني بالعمل على الوقوف امام الدعوات " التي تثأر سلباً . ويطلقها البعض بعدم دعوة الجماعات المسلحة للمشاركة في العملية السياسية , وغلق الطريق امامها للإنضمام الى مبادرة المصالحة الوطنية ."
بهذا النموذج تنخر الروح الوطنية العراقية , ويتم تمزيق الوعي الجمعي , ويشرخ مفهوم الوطن , والمجتمع , ووحدة المصير للعراقيين . وهو نفس طريق الدم الذي عبدته جرائم عصابات البعث والسنة التكفيريين وبعض المليشيات الشيعية . وكل هؤلاء وجدوا الحضن الدافئ عند سلطات الأحتلال التي منعت أي عمل حقيقي يوقف زحف هذا السرطان . أملاً بتجريد الأنسان العراقي من تاريخه , ووطنه , ووعيه , وجعله معلقاً في لحظة نجاته من الموت المحقق , ويكون باعثاً لتشبثه أكثر بخشبة النجاة الأمريكية .