موقع الناس http://al-nnas.com/
في ظل المأساة
تقي الوزان
الدكتور محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي ,
شخصية غير معروفة لمجموع الحركة الوطنية العراقية التي عارضت صدام طيلة سنوات
نضالها , وشخصية مغمورة قبل تعيينه في رئاسة البرلمان مرشحاً عن جبهة "التوافق" ,
والتي كان هذا المنصب من حصتها حسب الأتفاقات التي حصلت في تقاسم المناصب السيادية
بين الشيعة والسنة والأكراد .
المشهداني بعد حصوله على هذا الموقع أطلق تصريحات كثيرة , بمناسبة وبدون مناسبة ,
وأغلبها تعبر عن رأيه الشخصي أكثر مما تعبر عن موقعه السيادي الذي يحوي في رمزيته
وحدة الوطنية العراقية . العراقيون راقبوا اداء المشهداني , وأطلق بعضهم عليه صفة
"خفيف" . والخفيف في اللهجة العراقية لاتعني مثلما تعني في اللغة العربية كونه خفيف
ظل وصاحب نكته وسريع بديهية , وما يجاورها من صفات الأريحية . في العراق يعنون بها
هوائية الآراء والسلوكية , وعدم الشعور بمسؤولية الكلام الذي يقوله , وتعني الرعونة
ايضاً . ورغم تشخيص العراقيين لتصريحاته فأن بعض هذه التصريحات تصب في حالة التفكير
المسموع , والتحديد الدقيق للأزمة .
قال المشهداني في مجلس النواب يوم الأثنين 17/7 " أن ما يحدث الآن في البلاد هو
صراع طائفي سني شيعي . . المسؤولية الأولى بالصراع تقع على عاتق جبهة التوافق
والإئتلاف العراقي الموحد . والمسؤولية الثانية تقع على التحالف الكردستاني
والقوائم الأخرى ..التي يجب ان يكونوا وسطاء بين التوافق والإئتلاف من أجل احتواء
الأزمة" وتساءل عن موقف الأكراد قائلاً " أين الأكراد ؟ لماذا يتفرجون ؟ " وحذر من
" أن سفينة العراق اذا غرقت فستغرق الكل " .
بهذا الوضوح حدد المشهداني طرفي الصراع الدموي " التوافق والإئتلاف " ونسى ان يضيف
قائمة " الحوار " الشقيقة الصغرى للتوافق , والسنة التكفيريين .
قائمة التحالف الكردستانية أعترضت على اتهام المشهداني للأكراد بأتخاذهم موقف
المتفرج . وقال النائب محمود عثمان "ان الأكراد ومنذ البداية كان لهم دور في ايجاد
الحلول , ودورهم ممثل برئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي يقوم بوساطات الآن ."
بهذا الجواب السطحي الذي لايتناسب مع ثقافة وتاريخ الدكتور محمود عثمان يميع شراكة
الأكراد في العراق , وكأن المشكلة بين قبيلتين وجاء السيد رئيس الجمهورية ليكون
الوسيط , وسيتفق على دفع الدية وتنتهي المشكلة . وليس المشكلة بأنزلاق الزعامة
الكردية للقبول بقواعد المحاصصة الطائفية والقومية التي أزاحت مشروع الوحدة الوطنية
العلماني , والكفيل الحقيقي لرعاية حركة التحرر الوطني الكردية . كان بأمكان
الأحزاب الكردية وهي ثاني اكبر تجمع سياسي ان يبلور ويجمع التيار الديمقراطي ليكون
الركيزة التي يستند عليها ولا يقبل بالمساومات الطائفية التي قبلت الأعتراف
بالفيدرالية القومية على مضض . وتحاول الآن أفراغها من معناها الحقيقي كوسيلة
للتلاحم بين أكثر من قومية , وبدون وصاية , داخل الوطن الواحد . بأقامة فيدرالية
طائفية في الوسط والجنوب تساعد بالتفتيت في الوقت الحاضر . ونسى الدكتور عثمان
ايضاً , ان أطرافاً من التيار العلماني والديمقراطي أول من رفعت شعار الديقراطية
للعراق والحكم الذاتي لكردستان , وطورته الى الفيدرالية لكردستان , ودفعت لأجله
الكثير من الشهداء قبل ان ترفعه الأحزاب الكردية ذاتها .
ولو تيسر للحركة السياسية العراقية التوجه الصحيح وعدم الوقوع في فخ الطائفية التي
ساعدت قوات الأحتلال للوقوع فيه . لتجنب العراق الكثير من المآسي والدماء التي تنزف
يومياً , ولما ظهر في ظل هذه المأساة شخص مثل المشهداني يتبوء رئاسة الهيئة
التشريعية , في توليفة تسعى لتسخيف السلطة التشريعية ذاتها . وفي مهزلة يندر
تكرارها في أي بلد في العالم, وأثناء المؤتمر الصحفي المشترك يوم السبت 22 /7
للرئاسات الثلاث الجمهورية والوزراء والبرلمان . دافع المشهداني وبقوة عن القتلة
والمجرمين , وقال عن المبادرة التي اطلقها المالكي " هي مبادرة عراقية , تشمل
الجماعات العراقية التي أخطأت في حساباتها"لافتاً الى انه " لو كانت البندقية
العراقية موجهة الى المحتل . لما أحتجنا الى المصالحة والحوار "ومضى يقول " عندما
انحرفت هذه البندقية وتوجهت الى اهلي وبدأت تسفك دمي . عند ذاك احتجنا الى المصالحة
والحوار الوطني " وتعهد المشهداني بالعمل على الوقوف امام الدعوات " التي تثأر
سلباً . ويطلقها البعض بعدم دعوة الجماعات المسلحة للمشاركة في العملية السياسية ,
وغلق الطريق امامها للإنضمام الى مبادرة المصالحة الوطنية ."
بهذا النموذج تنخر الروح الوطنية العراقية , ويتم تمزيق الوعي الجمعي , ويشرخ مفهوم
الوطن , والمجتمع , ووحدة المصير للعراقيين . وهو نفس طريق الدم الذي عبدته جرائم
عصابات البعث والسنة التكفيريين وبعض المليشيات الشيعية . وكل هؤلاء وجدوا الحضن
الدافئ عند سلطات الأحتلال التي منعت أي عمل حقيقي يوقف زحف هذا السرطان . أملاً
بتجريد الأنسان العراقي من تاريخه , ووطنه , ووعيه , وجعله معلقاً في لحظة نجاته من
الموت المحقق , ويكون باعثاً لتشبثه أكثر بخشبة النجاة الأمريكية .