|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 31/1/ 2013                                 د. تارا إبراهيم                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

 فرنسا ما بين الحد­اثة والتقاليد.. أندماج متكامل..

د. تارا إبراهيم                                  

إستجابة لطلب صديقتي الفرنسية التي دعتني الى حفل زفافها، بدأت في رحلة التجهيز للمشاركة في هذه المناسبة والتي لسبب أو لآخر تمت إقامتها في أجمل غابات منطقة بروتانيا خضرة والواقعة في غرب البلاد . حضر العروسان حافيا القدمين و مرتديان ملابس على طراز القرون الوسطى، ينتظرهما رجل دين أجهل مرتبته الدينية، فعند وصولهما قام رجل الدين برسم دائرة  حولهما بإتجاه عقارب الساعة وقام بقراءة تراتيل دينية لا تمت الى أي لغة معروفة بصلة، ومن ثم   تبديل الخواتم والوعود. وتم عقد الزواج لمدة سنة و يوم واحد وانتهت المراسيم بربط يديّ العريسين بحبل كتعبير رمزي عن إتحادهما على مواجهة ظروف الحياة العسيرة واليسيرة.

كل هذه التفاصيل كانت توحي بمغزى خاص يتعلق بدين عفا عليه الزمن يدعى بالدين الكلتي أو السلتي والذي يبدو أن مجموعة كبيرة من الناس في منطقة بروتانيا مازالوا يؤمنون به الى يومنا هذا. ومن أجل فهم هذا الدين، يجب ألاشارة الى الخلفية الدينية لفرنسا لمعرفة موقع هذا الدين من بين الاديان المعترف بها في هذا البلد. ففرنسا هي دولة علمانية والدين فيها هو خيار شخصي وفردي ولا يحق لاحد أن يطلب من أي إنسان اسم الديانة التي يعتنقها ولا تقبل أية ذريعة دينية في الدوائر العامة للدولة. وتعترف بثلاثة أديان سماوية : المسيحية والاسلام واليهودية ومؤخرا البوذية، وخارج نطاق هذه الاديان هنالك الذين يعتنقون الديانات القديمة كالديانة الكلتية التي يعود أصلها الى القرن الخامس قبل الميلاد، ولا ننسى الملحدين الذين يؤمنون بكل ماهو ملموس وظاهر ، أما الطوائف الدينية فهو أمر غير مرغوب به والقانون يناهض كل مفهوم طائفي مثل الساينتولوجي و شهود يهوه.

 فنظرة عن كثب الى الاحصائيات  التي جرت من قبل المعهد الفرنسي للرأي العام في عام  2011تشير الى أن 65% من الفرنسيين يعتنقون المسيحية و25% منهم بدون دين و %7يعتنقون الاسلام و1% يعتنقون اليهودية و 2% يعتنقون ديانات أخرى اما حضارة الكلت فتعتبر من حضارات فجر التاريخ وتشمل الشعوب الهندو أوروبية التي كانت تستخدم اللغة الكلتية وتتميز بتراث خاص بها. وصلت حضارتها الى ذروة التوسع في القرن الثامن قبل الميلاد و شملت أوروبا الوسطى وإيرلندا والبرتغال وشمال إيطاليا وسلوفاكيا. الا أنها بدأت بالانحلال بعد قيام الامبراطورية الرومانية والحروب المتتابعة و توسع الديانة المسيحية في أوربا.

 أما الديانة الكلتية فهي ديانة قائمة على تعدد الالهة، فمثلا هنالك اله للحرب واله للسلام واله للحب ..الخ ورمزها هو صليب لا علاقة له بالصليب المسيحي  في وسطه دائرة ترمز الى السماء اما الاضلاع الاربعة فهي إشارة الى الماء والنار والهواء والتراب نسبة الى الطبيعة التي يؤمن بها السلتيين وأما التقويم الكلتي فيقسم السنة الى موسمين، موسم مضيء وموسم مظلم وتتضمن أربعة أعياد دينية1 - ساميان، يحتفل بهذا العيد يوم الاول من  (تشرين الثاني) من التقويم الميلادي ويعتبر عيد رأس السنة بالنسبة للكلت. هذا العيد هو عيد تبدأ فيه الطبيعة بالاسترخاء فالثلج والامطار يهيئان الارض للخصوبة.  2- مبلوك، يحتفل بهذا العيد في الاول من (شباط) في منتصف الموسم العقيم وتنبئ عن ولادة جديدة للطبيعة.  3- بلفين، الاول من (آيار) يحتفل باستيقاظ الطبيعة بعد موسم الظلام. 4- لوكسان، الاول من (آب) هو منتصف فترة الخصوبة للطبيعة. أما الاماكن المقدسة فهي كل مكان يمت الى الطبيعة بصلة كالغابات والانهار والصخور والجبال.

 ولمعرفة تفاصيل الزفاف، فاختيار الغابة من أجل عقد الزواج يعود الى كون الغابة من المناطق المباركة  لهذه المناسبة، وكون العريسين حافيي  القدمين ينم عن الاتصال المباشر بالطبيعة المقدسة من خلال الأرجل. أما عقد الزواج القصير الامد فيعود سببه الى معتقدات الكلت القديمة اذ  كانوا يعتقدون أن الشعور بالحب يدوم لمدة سنة واحدة فقط، واذا أستمر شعور الزوجين  بالحب بعده  يمكن لهما  أن  يجددا   العقد حسب الفترة التي يرغبان  بها. علما أن هذا الزواج ليس له أية قيمة رسمية في فرنسا وغير  معترف به من قبل الدوائر الرسمية ولكن له قيمة رمزية للمؤمنين بهذه الديانة.              

  أن ما تبقى من الديانة الكلتية في فرنسا ينحصر في منطقة بروتانيا التي لا زالت تمارس طقوسها ، ويتكلم اللغة الكلتية حوالي (250, 000  ) إنسان والتي تنحدر منها العديد من اللهجات  كما ان هنالك مدارس خاصة تدرس فيها هذه اللغة فضلا عن ذلك ، تمتلك المنطقة وسائل اعلام  خاصة بها ناطقة بالكلتية ، وفرنسا تعتبر هذه اللغة و اللغات الاخرى تراثا قوميا يجب الحفاظ عليها من اجل ابقاء التواصل الثقافي والحضاري بين الماضي والحاضر للبلاد  .             

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter