|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 13/12/ 2012                                 د. تارا إبراهيم                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

نابليون ..عُد إلينا أيها الإبن الضال

د. تارا إبراهيم                                  

أحد رموز فرنسا القومية , اضافة الى علمها ثلاثي الألوان، هو الشكل السداسي فكلما تذكر كلمة السداسي، يقصد بها فرنسا وذلك بسبب شكلها الجغرافي سداسي الشكل ذي ثلاثة أضلاع برية وثلاثة أضلاع بحرية الا أن الوجه الآخر لفرنسا يتمثل بجزيرة صغيرة تدعى جزيرة الكورس بالفرنسية أو( كورسيكا ) التي تقع جنوب شرق فرنسا في البحر المتوسط.

جزيرة الجمال ,هذا ما يطلقه الفرنسيون على هذه الجزيرة لروعة جمالها ومناظرها الخلابة التي تجذب الكثير من السياح اليها والتي تعتبر اقليما من أقاليم فرنسا، فمن المعروف أن فرنسا لها جزر أخرى تعتبر من مقاطعاتها وأقاليمها والتي تقع ما وراء البحار في المحيط الأطلسي والهندي والهادي, الا ان أشهرها جزيرة الكورس لانها  مسقط رأس نابليون بونابارت امبراطور فرنسا الذي تذكر فرنسا اسمه بكل اجلال وتعظيم.

لكن الذي يمكن أن نجهله هو أن هذه الجزيرة تعتبر نابليون الخائن الأكبر بل والابن الضال الذي أنجبته كي يكون فيما بعد وصمة عار لأهلها، فذلك المنتصر على سردينيا والأسبانيين والنمساويين والمماليك في ملاحم تنتهي في واترلو، يبدو أنه  وبعد 191 عاما  على وفاته, يعود لاحتلال قلوب وأرواح  أهل الجزيرة. فبعد أن أدار ظهره للجزيرة التي كانت قد انضمت إلى الجانب البريطاني في الحرب ضد فرنسا، عادت لاستقباله كالابن البطل المنتصر، هذا الانقلاب في الرأي لدى القادة الكورسيين بعد هذه الفترة الطويلة         من الزمن حدث بعد أن أتضح لهم أنهم أغفلوا بعض الأمور.

فكل الأراضي المتعلقة بنابليون ابتداء من الجزيرة الصغيرة (ألبي) التي نفي اليها عام 1814 والى كل المناطق التي مر بها, تم استغلال فيها اسمه لجذب السياح، فجزيرة الكورس التي ولد فيها عام  1769أي بعد عام من انتقال ملكية الجزيرة من جمهورية جنوه إلى فرنسا، ليس فيها الا القليل من الآثار المتعلقة به , فباستثناء بيته الصغير الذي تحول فيما بعد الى متحف في (أجاكسيو). لا يوجد شي آخر على الرغم من أن الجزيرة لا تطيق ذكر اسمه ولكنها قامت مرغمة بتنظيم الكثير من المعارض والمؤتمرات والحفلات الموسيقية أملا في الحصول على حصتهم من الكعكة النابليونية.

ان هذا التغيير الذي تشهده الجزيرة يعتبر نقطة تحول في تأريخها ذلك أن نابليون ترعرع في الجزيرة ومن ثم تركها ليدرس في فرنسا بعمر التسع سنوات  ولم يعد اليها الا عندما أصبح ضابطا في الجيش وكان عمره آنذاك 22 ربيعا، فبعد سنتين من ذلك لجأت الكورس الى المملكة المتحدة البريطانية كي تطلب منها الدعم للحصول على الاستقلال، في خضم هذه الفترة هرب نابليون من الجزيرة. و تم اعتباره دائما خائنا من قبل حركة الاستقلال الكورسية وذلك أنه قمع وبكل قسوة الحركة عندما كان امبراطورا بعد استعادة الوصاية الفرنسية على الجزيرة، بل انه كان يمنع أهل الجزيرة من التحدث بلغتهم المحلية، حيث تم وصف سياسته تجاه الجزيرة بالأسوأ بين سياسات الملوك السابقين الذين حكموا فرنسا.

ولكن كما يقول المثل، رب ضارة نافعة، فالجزيرة التي تعاني كما هو عليه الحال في كل أنحاء فرنسا, من الأزمة الاقتصادية وخصوصا أن مواردها تعتمد وبشكل رئيس على السياحة لجمال سواحلها، تدوس اليوم على كرامتها وتغض النظر عن خائنها بل على العكس فانها تنادي نابليون وتستغيث به الآن أكثر من أي وقت مضى كي ينقذها من هذه المحنة الاقتصادية.

ان من المفارقات الغريبة و العجيبة لهذه الجزيرة انها لحد الآن تمجد ( باسكال باولي ) الذي يدعى ب  (روح النور) من قبل أهلها, فهو من أهم الأشخاص في تأريخ الجزيرة والذي فاقت شهرته شهرة نابليون في فرنسا و أوربا , وذلك أنه كان على رأس الجيش الكورسي في المعركة المشهورة (بونتي نوفو) ضد الجيش الفرنسي في محاولة لنيل الاستقلال, وهنالك الكثير من المتاحف والآثار المتعلقة بهذا المناضل في سبيل حرية الجزيرة والتي هي احدى الوسائل لجذب السياح.

المتناقضات مضحكة لحد القول أن الجزيرة اختلط فيها الحابل بالنابل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة الى درجة أنها باتت تخلط خائنها مع مناضلها المقدس، فالحصول على لقمة الخبز كما يقال في هذه الأيام أصبح أهم من دعم واعتناق مبادئ لا تشبع البطون.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter