|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  21  / 4 / 2020                                 طالب حسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل ولّىٰ زمن الحُب

طالب حسين
(موقع الناس)

(1)
لاءُ كورونـــا

تُدخنين َ. ... ! .. لا
أتشربين َ ....! .. لا
أترقصينَ ... ! .. لا
ما أنت ِ .. جمْعُ لا !!

هل قائلُ هذه القصيدة الصغيرة هو شاعرنا الجميل نزار قبّانــــي ، أم هي شاعرتنا العجوز - الآن - لميعة عباس عماره والتي هام بها شاعرنا الأول بدر شاكر السياب وكتب لها كل القصائد الجميلةولم تُعرْهُ اهتماماً " أحبيّني لأني كلُّ مَنْ أحببتُ قبلك ِ لم يُحبوني..." ،. لاأتذكر الآن فالذاكرةُ خَرِبــَة ٌ بعد هذا العمر...

المهم الآن هي هذه الـ "لا" اداة النفي والنهي القاطعة الجامعة المانعة التي يُشهرونها الآن بوجوهنا أينما وليّناها ، يحاصروننا من كل الجهات ، هم فرحونَ الآن في سرائِرهِم ْ لانهم وجدوها كما قال المرحوم نيوتن او غيره ُ -ذكرّوني يرحمكم الله - حينما قال : وجدتها.. وجدتها...

لم يستطيعوا من قبل ان يلجموننا او ان يُكبلوننا ، امّا حين جاءت ْ هديّة ُ السماء غير المتوقعة ِ هذه فانطلقوا يرقصون فرحاً بها ، انها الفرصة السانحة لهم ، كعبُ أخيل العالم كله ، فكيف لهم انْ يَدعوا الفرصة تمرُّ هكذا ، رقصوا فرحـــاً وطربـــاً وشهروا اللاءَ الناهيةَ بوجوهنا المكتظة ِ بالسؤال ، الخائفة ِ ، الوَجِلة المندهشة ِ من الضربة ِغير المُتوَقعة ِ ، شهروا سلاحهَم الجديد : لاتصخبوا ، لاتفرحوا ، لاتأكلوا لاتشربوا ، لاتخرجوا، لاتسكروا .. أما الحب فانسوه ُ نهائياً، لاتقربوا أحداً ، لاتلمسوا أحداً ، لاقُبُلات َ بعد اليوم ، لاأحضان ، لاكفٌ تُصافح كف ، سنُقيمُ الحدَّ عليكم إنْ أطلَّ احدكم من باب البيت ، لن تُقيموا للحب مهرجاناً من الفرح ، ستبكون َ على احباءكم قريباً ، خافوا منّا ، خافوا من كل شيء ، من اخوتكم من أبناءكم من أزواجكم من زوجاتكم ، وقالوا لنا كما في القرآن الكريم " يا أيها النمل ُ ادخلوا مساكنكم لا يُحطمنّكُم سُليمان وجنودُهُ وهُم لايشعرون " ٠

نحنُ - في الوهلة ِ الأولى - ظننا ان الأمر لايعدو ان يكون مُزحة ً ثقيلة او انها نكتة ٌ سَمِجة ٌ طلع بها احدهم علينا ، او انه كابوس ٌ سنفيق ُ صباحاً لنرىٰ نهايته ُ قريباً ، ولكن لا...

نحن محاصرون هُم يُحاصروننا .. كيف حدث هذا بغتةً ، لم نشعر بالضربة ِ إلا بعد وقوعها ..
الألم كبير ، نحن نتوجع ....... نحن خائفون .
……

(2)
"سلَّم ْ عليَّ بطرف عينه..."

لاأعتقد ُ بأنّ اليابانيين بلُطفِهم المعتاد ودماثتهم وطريقة تحيتهم المسماة (اوجيكي) وهي اضمامة اليدين والانحناءة ِ البسيطة هُم اول من اخترع َ طريقة لمنع العدوىٰ من الأمراض كما في كورونا ، ولايبتعد ُ عن الأمر كثيراً ما يفعله احبتنا الهنود وتحيتهم التقليدية والمسماة عندهم ناماستي والتي شاهدناها في كل أفلامهم الجميلة من أيام الفيلم الأسطوري " أُمّ الهند " والذي ابكى ملايين العراقيين الى كل أفلام شامي كابور الراقصة ، وناماستي تعبير سنسكريتي من كلمتين ويعني " أنا انحني لك توقيراً واحتراما " والكل يؤديها صغيرهم وكبيرهم ، الأقرباء والغرباء ، وامس رأيت في برنامج تلفزيوني الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارة لمركز طبيّ في مرسيليا وهو يُحييّ الأطباء والممرضين بالطريقة الهندية ، وكما قرأت ُ أيضاً بان الرئيس الهندي (مودي) كان فخوراً جداً بأن العالم كله قد اختار هذه الطريقة في السلام لتجنب صاحبنا المحترم كورونـــا....

ولكني اعتقد بان براءةَاختراع ِطريقة التحيةالآمنة هذه يعود ُ للعراقيين حصراً وقائدهم المُبرّز ِ في هذا المجال المُغنّي الجميل حضيري أبو عزيز ، فهو اول من دعى الى عدم َ الملامسة ِ والتباعد الاجتماعي واختصار مشاعر الحب واللوعة بإشارات ٍ متباعدة ٍ رمزية تختصر ُ كل مافي القلب من مودة ٍ وما في الروح من مُراد ٍ الى قُرب الحبيب وما اليه ِ وُصول ُوهو القائل " سلَّم عليَّ بطرف عينه وحاجبه، ادى التحيه وزين يعرف واجبه .." انه السلام بطرف العين والنظرة التي تختصر ما في القلب من جوىٰ بعيداً عن ملامسة كورونا، وأظن أيضاً ان في تراثنا الغنائي متابعة جادة لما بدأه ُ حضيري في ابتكار طريقة السلام والغرام ، فحين بدا أنْ لامكان للمواعيد في حدائق الحب والغرام في زوراء بغدادَ ومقاهيها وجامعاتها وشوارعها وأسواقها ، ولا مجال لإلتقاء كفيّن ِ في خلوة ٍ او نُزهة، انتدب المغني اللطيف رضا علي نفسه ليُوصي العشاق وحتى ان يأمرهم بأنْ :

سلّمْ .. سلّم بعيونك الحلوه، تدري سلام العين لقلب المحب سلوه.... حتى تتفادى كورونا ،

أما المغني الخائف حقاً حميد منصور فهو يبعث :
"سلامات سلامات لأبعث سلامات " فهو يخاف ان يذهب بنفسه ويقع المحذور ويصاب بكورونا فهو يُضحّي بـ(الطارش) الذي يذهب ويجيء بالسلامات.

أقول اعتقد بان لنا قصب السبق في هذا المجال ولكن قراءة ً متأنيةً في الشعر العربي قد تُطيح ُ باعتقادي هذا لأني قرأت ُ أبياتاً من شعر الغزل الرقيق للشاعر ( يزيد) ولااريد ان أشير الى اسم ابيه حتى لايشتمني البعض رغم اني هنا اتحدثُ عن الحب والشعر وهو في هذا المجال لَهُ مكانة ٌ عاليةٌ لما في شعره ِ من رقّة ٍ وعذوبة ٍ نادرة تختلف ُ ايما اختلاف عن صورته التاريخية التي نعرفها، وله قصائد مشهورة منها القصيدة المُغنّاة والتي مطلعها

نالتْ على يدها مالم تَنَلْهُ يدي..

ولا أستطيع ُ منع نفسي من التصّور ِ بان مغنينا الجميل حضيري أبو غزير قد أخذ عنه ُ هذه الصور الجميلة ، ويقول يزيد في غزله :

أشارتْ بطَرْف ِ العين خِيفَة َ أهلها
إشارة َ مَحزون ٍ ولم ْ تتكلّم ِ
فأيقنْت ُ إنَّ الطَرْف ْ قد قال َ مرحباً
وأهلاً وسهلاً بالحبيب المُتيّم ِ
عراقيّة ُ الالحاظ ِ مَكيّة ُ الحشا
هلاليّة ُ العينين طائيّة ُ الفم ِ

(3)
الإيمان والتعمية

لكل شعوب الارض عاداتهاوتقاليدها وتراثها الذي تعتز به ولها معتقداتها الدينية التي تمارسها طوراً سراً لان السلطات الحاكمة تُجبرهاعلى ذلك كما حدث في عراقنا ابّان حُكم الطاغية صدام ، وطوراً آخر علانية ًكما يحدث الآن ، وهو حق ٌ لايستطيع ُ أحد ٌ ان يُزايد َ عليه او ينفيه او ينكره ، ولكن الأمر يصبح ُ كما نكتة ٍ سَمِجَة ٍ سخيفة ٍ حين يُسخّر ُ بعض الرجال المعممّين هذا الإيمان وهذا المعتقد لمآرب َ اخرىٰ ، فالكل يرى باننا الآن في ورطة ٍ كبيرة لا تشملنا نحن فقط ولكن العالم بأجمعه ِ واقع ٌ في حبائلها، والكل يحاول ايجادَ طريقة ٍ للخروج من هذا المأزق العويص ، فالبعض يبحث عن عقار ٍ يُداوي به المرض والآخر يُوصي بالوقاية ِ عن طريق الحَجْر ِ والابتعاد عن اللقاءات الجماعية وآخرون يَصِلونَ الليل بالنهار في استكشاف مكنون هذا المرض اللعين ، كل هذا ونجد ُ على الشاشات والتلفزيونات والبرامج ِ احدهُم يحاول التعمية على الناس وتغييب عقولهم والتلاعب بمشاعرهم غير َ واع ٍ بأنهُ خطر ٌ على الأُمة والناس جميعاً ، وإلاّ فما تقولون في مُعمم.

في فيديو - يؤكد ُ بان " حتى في أحذية الزائرين للعتبات المقدسة ليس هناك ميكروبات او فيروس" وكأنه طبيب ٌ مختص او صاحب مختبر ٍ للفيروسات ويضيف بانه يستطيعُ ان يُقبّل َ أحذية الزائرين للدلالة على خُلّوها من الأمراض ،

وآخر - وهو أجهل ُ من الأول - يدعو الى البكاء والعويل مساء ليلة الجُمعة ِ في الساعة ِ السابعةِ وثلاث ٍ وثلاثين َ دقيقة وأربع ثوان ٍ لتكون الدعوة ُ مستجابة ًوتنكشف الغُمة ويذهب المرض اللعين فأي غباء ٍ هذا ....!!

يُذكر ُ ان الكاتب الإسلامي المصري السيد مصطفى محمد كان قد كتب يوماً بانه" إذا نزل كافر ٌ ومؤمن ٌ الى البحر فلن ينجو َ إلاّ من تعلّم َ السباحة َ فالله كما يقول - لا يُحابي الجهلاء والمغفّلين ". المؤمن ُ مَنْ أمِنَهُ الناس على كل شيء المؤمن لا يخدع الآخرين  المؤمن مَنْ اتّصل َ إيمانه ُ من قلبه ِ بالله وحده لا عن طريق ِ حجاب ٍ خادع ٍ او مُعمّم ٍ خدّاع ْ .



 21.4.2020

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter