|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  8 / 9 / 2020                                 علاء مهدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مفهوم الكوتا بين الأسباب والنتائج وآثار الاستغلال وتجيير التطبيقات

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
(موقع الناس)

في إطار مناقشات تشمل قضايا الانتخابات وتفاصيل محاورها المهمة أحاول هنا وضع تصور لمنظومة الكوتا في ضوء معطيات ومعالجات مختلفة ظهرت في ميادين الحوار والتداول وهي تأخذ هنا نهجا تراه مناسبا في إضاءة القضية وإيصالها لأوسع جمهور وسط شعبنا وفئاته بخاصة منها تلك التي تتعرض للسحق والتهميش بوقت نحن بحاجة لوضع أتباعها بمنطقة المواطنة الحرة الواعية إذ لا ديموقراطية من دون وعي ولا انتخابات من دون سياقات إجرائها الأنجع نضجا وسلامة

مفهوم الكوتا بين الأسباب والنتائج وآثار الاستغلال وتجيير التطبيقات

يقصد بها تخصيص عدد محدد (حصةquota) من المقاعد لفئة بعينها مثل النساء. يتم استخدام الآلية تعبيراً عن دعم تنمية وضع الفئة الهشة المحرومة، في ظرف بعينه بما نسميه قانونياً: الإجراء الإيجابي Affirmative action .. وعلى وفق منطق حركات الحقوق المدنية، فإننا أمام نماذج تطبيقية، مثلا منح طلبة فقراء نسبة قبول ومنح مجانية أو نسبة مقاعد للنساء أو أتباع الديانات والمذاهب في مجالس محلية أو وطنية…

ومن أجل تطبيق الفكرة، يتطلب الأمر عدة أمور منها: إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد للفئة (مثلا النساء) بمستوياتها التنظيمية كافة. وأيضا تخصيص (مقاعد) محددة لممثلي تلك الفئة بحسب نموذج الكوتا وما يعبر عنه من دعم تفعيلي بعينه؛ بما يتلاءم والغاية القائمة على دعم يستهدف إخراج الفئة المعنية من ظروفها وحالات التهميش والهشاشة إلى الفاعلية والمشاركة المجتمعية الملائمة لحجم الفئة…

إن التنظيم القانوني لآلية الكوتا ونظامها بخطاب السياسة والبنى المؤسسية للدولة يمر عبر عدد من النصوص والإجراءات التي تتبنى مهمة تفعيل الفئة.. ولعلّ أبرز تلك الخطى تتمثل في تثبيت الموضوع في النص الدستوري، كذلك في القوانين وفي القرارات واللوائح أو النُظُم الصادرة عن الهيآت المعنية بآلية الدعم ومن ذلك ما يتعلق بتخصيص مقاعد انتخابية، مما يرتبط باشتغال مفوضية الانتخابات.

أما ما ورد دستوريا، ففي المادة 46 ورد: “لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية.” وكذلك ما ورد في رابعا من المادة 49: ” يستهدف قانون الانتخابات تحقيــق نسبــة تمثيـل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب .” فلقد تم تلبيته بصياغة قانونية على وفق النص الآتي: بأنّه”يجب أن تكون المرأة واحدة على الأقل ضمن ثلاثة مرشحين في القائمة، كما يجب أن تكون ضمن أول ستة مرشحين في القائمة امرأتان على الأقل وهكذا حتى نهاية القائمة.” الأمر الذي جاء في قانون انتخابات عراقي سابق وتم تأكيده في القوانين اللاحقة بما اتفق وما ورد في نص الدستور والاتفاقات الدولية المرعية..

وقد تم تأكيد هذا النص القانوني ومضمونه بإطار الأنظمة واللوائح الصادرة عن مفوضية الانتخابات (العليا المستقلة) بخاصة في الإطار التعويضي حيث عدّ بعض الفقهاء في القانون تحديد أن يكون بديل المرأة امرأة حصراً وهذا التحديد، قضية فيها انحياز يتعارض مع نصوص في الدستور كما يقول بعض المعترضين! وهم إذ يلتفتون للنصوص وشكلها فإنّهم لا يلتفتون إلى مبدأ (الانحياز الإيجابي) وإلى أن النصوص التي صيغت بطريقة تزيل التعارض أو لا تقع فيه لأنها تتفق والجوهر المستهدف..

إذن، المعارضة قامت على فكرة أنَّ الكوتا إخلال بمبدأ (المساواة وتكافؤ الفرص) وإخلال بمنع (التمييز على أساس الجنس) على وفق المواد الدستورية من 14 – 20، حيث يقرر الشعب بلا وصاية، من يختاره فضلا عن اعتقادهم أن ذلك انتهاك لحق الترشح المحجوب عن الرجل لمقعد كوتا النساء وعن المواطنين لمقاعد كوتا الفئات الأكثر هشاشة…

ولكننا نرد على هذا وغيره من المبررات، الاعتراضية، لأنّها تتمسك بالنصوص شكلا لفظيا وليس أداء مضمونيا، ولا بجوهر بعينه.. وهي تُغفل أن النص انتبه لاعتراضهم بقوله: بالعمل بمبدأ الانحياز الإيجابي توصيفا قانونيا للأداء ولطابع الانحياز القائم على ما يصل بالواقع إلى منطقة مستهدفة هي منطقة المساواة الفعلية.. أي العمل بالكوتا سواء النسائية أم الأثنية بما لا يتعارض و (جوهر النصوص الدستورية) وهو كذلك لا يتعارض ومجمل الاتفاقات الدولية بالإشارة إلى عدد منها؛ فلقد مالت بعض الاتفاقات الدولية لنظام الكوتا لاستخدام عبارة (تدابير خاصة مؤقتة) لدواعي تتجنب فيها معارضة الفقه الدستوري وأية توصيات ترى أن الكوتا أمراً يتعارض ومبادئ المساواة، كما يرد هنا بهذه المعالجة، في متابعة مختلف الرؤى والمعالجات ببعض الاتفاقات الدولية.. تلك التي تؤكد على أن غاية الكوتا تنحصر كما ذكرنا، بتدابير مرحلية مؤقتة بقصد تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة أو التسريع فيها. ومن الاتفاقات التي نشير إليها بما يخص كوتا النساء على سبيل المثال: الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة التي أوردت موادها (2، 3، 4 و7)، ما يفيد بأنه لا يعدّ اتخاذ الدول (تدابير خاصة مؤقتة) هدفها تحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة و\أو تسريعها أمرا متعارضا واتفاقات المساواة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته الـ21 على المساواة بين الأفراد في إدارة شؤون بلادهم وأنّ لكلّ الأشخاص حق متساوٍ في تقلد الوظائف العامة في بلاده. كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بمادته الـ25 على تمتع كل مواطن بالحقوق من دون أي شكل للتمييز أو أي قيد يتنافى ومنطق العقل وأن يحظى بفرص متساوية في المشاركة بإدارة الشؤون العامة مباشرة أو عبر ممثليه وأن ينتخب ويُنتخَب بصورة نزيهة آمنة بكامل حرية التعبير عن الإرادة مع تمام المساواة في تقلد المناصب والوظائف العامة كافة بلا تمييز وبمساواة فعلية وهو ما يتطلب سعيا لتحقيق المهمة عبر تفعيل انتقالي من دونه لا نصل المستهدف بالتقيد بالنصوص بلفظها فيما سيكون التمسك بعمق الجوهر ومعانيه فرصة جدية للتقدم وتحقيق هدف المساواة.

لقد تأكد هذا المسار في الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة في المادة (5) منه بالقول:” تتعهد الدول الأطراف بمنع التمييز والقضاء عليه بأشكاله كافة، وضمان حقوق الجميع من دون أي تمييز على أساس العنصر أو اللون أو الأصل الوطني…مشيراً إلى الحقوق السياسية سواء المشاركة في الانتخابات وفي إدارة الشؤون العامة وهو ما نصت عليه، كل من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وكذلك وثيقة كوبنهاغن للدول التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية في مؤتمر عام1990.

كما أن حكاية مطالبة كل فئة بنظير هو أمر ليس ملزماً ولا حتمياً؛ فاقتضاء دعم فئة ليس معياراً كليا شاملا ما يعني قصره على مرحلة زمنية مؤقتة وعلى مساحة جغرافية وفئوية بعينها حصراً. وبخصوص ذريعة المحاججة بمطلب سيداو بالمساواة الجندرية، فيمثل هذا [أي الكوتا] خطوة جدية ونوعية للوصول إليها من حيث جوهر الأداء بخلاف التعكز على شكلانيات لفظية لا تحقق المساواة في ظروف الحرمان وإشاعة و\أو قبول التقاليد البالية والفلسفة الذكورية بمرحلة وجغرافيا بعينها..

فـ من أجل تجاوز ظواهر الحرمان والإفقار ستكون منظومة أو آلية الكوتا أداة لإنهاء التفاوت في المشاركة بسبب الخلفية المجتمعية القائمة على التمييز سواء بالتحقير والتهميش والمصادرة أم باستنزاف الإرادة على العمل والمشاركة الحيوية.. ولعل وصول الكوتا تكسر واقع حال الاندحار وتجسّد كسر حواجز التفاعل بين جميع الأطراف، فعليا عمليا مع إيصال الصوت إلى مراكز القرار وفرضه إيجاباً..

على أننا لا ننكر وجود ثغرة جدية فعلية خطيرة تجابهها بل جابهتها الكوتا فعليا في أن القوى الحزبية المهيمنة، يمكن أن تأتي بعناصر غير كفوءة وأن تجعل وجود الكوتا شكلياً يضر الفئة التي تمثلها بدل خدمتها بتبعيتها لبرامج قوى غير سوية وغير ملائمة في توجهاتها..

إن قراءة مفهوم مبدأ الكوتا قراءة موضوعية وبأطر الفقه الدستوري الأكثر صوابا ودقة، إنَّما تعتمد روح القانون لا نصوصه اللفظية وشكلانيتها وهي بالمحصلة انحياز إيجابي بنيوي يقر الهدف الأسمى للنصوص الدستورية والقانونية بعامة بجوهرها ويتجه إليها بتسريع تحقيقها وبالتحديد وسط الفئات الهشة المسحوقة..

الكوتا مبدأ قانوني يستمد سلامته من طابع آليته (الإيجابي) ومن (هدفه) الذي يتفق ومقاصد الدساتير والقوانين والاتفاقات الدولية وروحها وإن بدا لفظيا متعارضا مع نص أو آخر إلا أنه جوهريا متفق في الانتهاء عند ذات الغاية السامية كما أنه يبقى محددا بما لا يمتد ويبقى لا زمنيا ولا فئويا أكثر مما تسوغه الأوضاع العامة وتلزم بوجوده

وكما لاحظنا فإنّ مبدأ المساواة ليس غاية متحققة وتتطلب مراحل انتقال وتنمية تشمل واقعا مضطرباً، تكتنفه قضايا ومشكلات معضلة مستعصية ما يتطلب إجراءات قد تبدو لوهلة متعارضة والنصوص القانونية الدستورية ولكنها بوجه آخر تستجيب لمعطياتها وتسرّع من التقدم لتحقيقها بالصورة الأمثل ومن دون إجراءات (الكوتا) حصراً لا يمكننا الاستجابة بل نراوح بأماكننا بأمل حصول معجزة التغيير والتحقق لكنها معجزة من أزمنة خيالية تقفز على الواقع ومتطلباته.. لهذا السبب توجد أشكال الكوتا بغرض جعل المجتمعات البشرية تتعايش والمنظومة القيمية التي نريدها أن تصل إليها..

على الرغم من هذي القراءة ومن التجاريب المعتمدة عراقياً؛ تبقى أسئلة الواقع (العراقي)، محتفظة بوجودها على الرغم من ممارسة كوتا: النساء، كوتا المجموعات الأثنية الدينية والقومية كالمسيحيين والإيزيديين والمندائيين وغيرهم…

إنّ الأخذ بالكوتا يتطلب تحصينها من الاختراق والانتهاك البنيوي في التطبيق كما جرى من ابتزاز التمثيل بحجمه الفعلي بالقياس إلى حجم المكون \ الفئة المعنية وبطابع الاختيار وإلحاقه بقوى وزعامات مهيمنة بدل تمثيل الفئة المعنية وتلكم إشكالية تعطل المقصد الحقيقي من وجود نظام الكوتا وآليته

إن التطبيق شابه العوار بخلفية انتقاء قوى الطائفية وزعماء الكتل الحزبية السياسية لشخوص بعينهم في قوائم الترشيح بما يلبي بقاء تلك (الكوتا) بأمرة زعماء حرب فعليين يمارسون أدوارهم عبر بوابة الشرعنة بقيادة كتل حزبية لنظام ثارت عليه شبيبة المعاناة والجراحات الفاغرة…

لهذا السبب بات جليا التنبيه على اشتراطات ضرورية تراجع نظام الكوتا وتطبيقاته بما يخرجه من محنة المفارقات الفقهية الدستورية الشكلانية ليعيد إخضاعه لمطالب الشعب وحاجاته في التغيير لا ترقيع نظام وإعادة إنتاج عناصره المريضة كما يجري اليوم، وليضع ما يحصنه من الوقوع ببراثن التجيير مثلما جرى ويجري من تمرير شخوص بلا إرادة بل بتبعية مسبقة معلنة بذرائع من قبيل المواقف الحزبية المنسقة المشتركة…

فهلا تنبهنا على هذه المعضلة بصورة موضوعية سديدة؟ وهلا وعينا المبدأ وتطبيقاته الأكثر نجاعة ونجاحاً؟؟؟

ملاحظات

لم تنجح كوتا الفئات فالنساء مازلن بواقع يرزح تحت فلسفة ذكورية بسبب طابع النظام واستغلال الكوتا سلبيا لا بنائيا إيجابيا والمجموعات القومية والدينية تعرضت لجرائم وحشية من قبيل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بل وصل الأمر حد جرائم الإبادة الجماعية وإذا كان الإرهاب سببا بوقوع تلك الجرائم بركنها الإجرائي المباشر فإنّ إفلاته من العقاب بل مجمل طريقة الصتدي للجريمة ومعالجتها جرى بصورة أوغلت فيها بدل تشخيص المجرم لأن الإدانة أتت ومازالت تأتي شكليا بإلقاء التبعة على الإرهاب بمطلق القول فيما الأداء البديل لا يحمي تلك الفئات وفلسفة التعددية والتنوع وإنما يوغل في مفاهيم تبرر الاستمرار بارتكاب مزيد من تلك الجرائم.. إننا أمام مأساة حقيقية عندما نتحدث عن شرعية الوجود الميليشياوي فيما ينتهك ذلك الاستقرار والأمن وسلامة مصائر الناس ودليلنا استمرار النزوح والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي وغير ذلك من جرائم إبادة ثقافية وتصفوية مادية ملموسة ولا صوت فعلي لممثلي تلك الكوتا إلا شكليا بما يفرغ احتقانا ويتبرأ من مسؤولية جريمة معروفة المصدر .. ألا فلنتبيّن دروب البدائل المصيرية الأنجع ونصرّ على المعنى الحقيقي للكوتا وعلى أهمية وجود مجلس الاتحاد وقبله وبعده على وجود دولة المواطنة وهيبتها القائمة على حرية المواطن وإنصافه ومنع التمييز بمقصد تعويض أتباع الديانات عبر كفالة التنوع والتعددية ورفض الابتزاز القائم على أحادية السطو على السلطة وتمرير مبررات وجود الميليشيات والمجموعات المسلحة بسلاحها المنفلت.. تلكم هي قضية الكوتا قبل أن تكون قضية نصوص وألفاظ وسياقات الالتزام الشكلي المزعوم .


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter